طوّر الباحثون جهازًا يسمح لمبتوري الأطراف بالتمييز بين الأشياء ذات درجات الحرارة المختلفة عن طريق اللمس، وباستخدام الاستشعار الوهمي

نقوم كلّ يوم باختبار العالم من حولنا بمساعدة حواسنا التي تمكّننا من الملاحظة، السمع، الشمّ واستخلاص استنتاجات مهمّة تسمح لنا بالعمل كما يجب. كما تعتبر حاسّة اللمس مهمّة جدًّا : يُتيح لنا اللمس الشعور بالأشياء القريبة منّا، وتحديد ملمسها ودرجة حرارتها. هناك حيوانات، مثل الفئران، تعتمد بشكل رئيسيّ على الاستشعار بشواربها. من ناحيةٍ أُخرى، يستخدم البشر راحة أيديهم بشكل أساسيّ، ليشعروا بما يحيط بهم. نستخدم أيدينا أيضًا في حمل الأدوات واستخدامها، والجمع بين هذه الإجراءات والحواسّ المكرّرة مفيدة جدًّا لنا. على سبيل المثال، عندما نمسك كوبًا من الشاي، فإنّنا نعرف عن طريق اللمس ما إذا كان ينبغي علينا احتساء الشاي أم تركه ليبرد قليلًا.

قد تكون حياة الأشخاص الذين بترت أيديهم مليئة بالتحدّيات، بحيث أنّ الأنشطة اليوميّة البسيطة التي نعتمد بها على اليدين، مثل الطبخ وارتداء الملابس، تصبح أكثر صعوبةً. تتيح التكنولوجيا الحديثة اليوم تركيب أيادٍاصطناعيّة متقدّمة لمبتوري الأطراف، التي تتيح إجراء عمليّات دقيقة تتضمّن تنشيطًا منفصلًا ودقيقًا للأصابع، بالتالي تساهم في استعادة الحرّيّة والاستقلاليّة للفرد.

مع ذلك، هناك فجوة كبيرة بين ما المتاح والمرغوب فيه حتّى الآن، وحتّى الأطراف الاصطناعيّة الأكثر تطوّرًا ليست بديلًا للأيدي البيولوجيّة، ويعود ذلك جزئيًّا إلى كوننا لا نعرف كيفيّة تقليد الطريقة التي اعتدنا استشعار العالم من حولنا من خلالهم. تبحث الدراسات الحاليّة عن طرق لمنح الأيدي الاصطناعيّة قدرات الاستشعار. في السنوات الأخيرة، أُجريت العديد من الدراسات التي حاولوا من خلالها تطوير أطراف اصطناعيّة من شأنها أن تنقل أحاسيس الملمس، الشكل والصلابة إلى أصحابها. والآن، في دراسة جديدة، أثبت الباحثون أنّه يمكن استعادة استشعار درجة الحرارة بدقّة لمبتوري الأطراف - وهي خطوة مهمّة لإنشاء أطراف اصطناعيّة من شأنها استعادة القدرات الكاملة.


يمكن استعادة الشعور بدرجة الحرارة لمبتوري الأطراف. جهاز استشعار متّصل باليد الاصطناعيّة يجعل من الممكن استشعار درجات الحرارة المختلفة للمكعّبات المعدنيّة | تصوير: EPFL/Caillet, CC BY-SA

الإحساس بالحرارة

في بشرتنا مستقبلات حسّيّة (حراريّة)، التي تنشط استجابة لدرجة الحرارة الساخنة أو الباردة في نطاقات معيّنة. عندما نلمس جسمًا ما من حولنا، أو نقرّب أيدينا منه، فإنّ درجة الحرارة المنبعثة منه تنشّط هذه المستقبلات، التي تنقل المعلومات إلى الدماغ، ممّا يؤدّي إلى تشفير ما إذا كان هذا الجسم ساخنًا أم باردًا. تظلّ هذه الأعصاب متّصلة بالدماغ حتّى عند بتر اليد، ولا يزال بإمكانها نقل المعلومات إلى الدماغ.

اختبرت التقنية الجديدة على فابيزيو فيديتي البالغ من العمر 57 عامًا، والذي بترت ذراعه من أسفل المرفق قبل 37 عامًا. يوجد في المنطقة المبتورة نقاط تمرّ بها الأعصاب وتُستخدم للشعور بالحرارة في اليد. اكتشف الباحثون في دراسة سابقة أنّ تسخين أو تبريد هذه النقاط تنشط الأعصاب لدى بعض الأشخاص، ممّا يسمح للدماغ باستشعار درجة الحرارة في أصابع اليد المبتورة، رغم افتقارها إليها. أطلق الباحثون على ردّ الفعل هذا اسم "الإحساس الحراريّ الوهميّ"، أي محاكاة الإحساس بالحرارة القادمة من عضو غير موجود.

لذلك، يأمل الباحثون في إحداث تغيير موضعيّ لدرجة الحرارة في النقاط الحسّاسة، للسماح للشّخص بالشّعور بدرجة حرارة الأشياء التي تلمسها اليد الاصطناعيّة. لهذا الغرض، قاموا بتركيب جهاز استشعار لدرجة الحرارة في إصبع السبّابة لليد الاصطناعيّة، وربطه بجهاز نقل المعلومات الحراريّة الذي طوّروه، والّذي يُسمّى MiniTouch. يقوم  الجانب الآخر من الجهاز، المتّصل بنقطة معيّنة من المنطقة المبتورة، بتسخينه أو تبريده وفقًا للمعلومات الواردة من مستشعر الإصبع. بهذه الطريقة يمكنهم توجيه الدماغ لتحديد الشعور، كما لو أنّ الإحساس نبع من اليد البيولوجيّة المبتورة.  


يقوم الباحثون باختبار MiniTouch. يحاول فابريزيو فيديتي التمييز بين اليد الحقيقيّة واليد الاصطناعيّة بناءً على درجة الحرارة فقط | تصوير: EPFL/Caillet, CC BY-SA

للتأكّد من أنّ الطريقة تعمل بفعاليّة، أجرى الباحثون سلسلة من التجارب. أوّلًا، طُلب من المشاركين حمل زجاجات مياه متطابقة المظهر، وفرزها وفقًا لدرجة حرارتها. وبالفعل، طالما كان الجهاز يعمل، نجح المشاركون في التمييز بين الزجاجات عند درجات حرارة 20، 24 وَ-40 درجة مئويّة. من ناحية أخرى، عندما تمّ إيقاف تشغيل الجهاز، كانت نسبة النجاح 33 بالمائة - أي تحديد عشوائيّ.

طوال التجربة، أفاد المشتركون أنّه طالما كان الجهاز يعمل، فإنّهم شعروا أيضًا بحرارة جسم الباحثين الذين لمسوهم. لذلك، أراد الباحثون اختبار ما إذا كان بإمكان المشتركين التعرّف على اليد الحقيقيّة عن طريق اللمس، بناءً على درجة حرارتها فقط. صنع الباحثون يدًا مزيفةً من السيليكون الناعم، وفحصوا قدرة المشتركين على التمييز بينها وبين اليد الحقيقيّة للباحثين. عندما كان الجهاز يعمل، كانت نسبة التحديد عالية ووصلت إلى 80 بالمائة، مقابل 60 بالمائة فقط بدون استعمال الجهاز.

قال فيديتي في مقابلة مسجلة: "بفضل هذه التقنيات الجديدة، يمكنني أن أفهم بشكل أفضل ما ألمسه. بلا شكّ، أولويَّتي ستكون استخدامه في المطبخ لأغراض الطهي".

يبدو أنّ الطريق لاستبدال الأطراف المبتورة لا يزال طويلًا، وذلك من بين أمور أخرى، لأنّه من غير الممكن إحداث إحساس حراريّ وهمّيّة لدى جميع مبتوري الأطراف. لتمكين الأشخاص الذين فقدوا أيديهم من أداء الأنشطة اليوميّة بكفاءة وسرعة، سيتعيّن علينا أن نوفّر لهم البدائل الّتي تتمتّع بمدى عالٍ من الحركة، ويمكنها التواصل مع الدماغ وإبلاغه بما لمسوه. نأمل أن تستمرّ الأيدي الاصطناعيّة في التحسّن مع مرور الوقت، وأن يصبح التطوّر المثير للإعجاب الحاليّ عتيق الطراز قريبًا، ويتم استبداله بأيد صناعيّة حديثة وحتّى أفضل.

 

0 تعليقات