كشفت دراسةٌ جديدةٌ أنَّه عندما نشاهد حيوانات مموَّهة، فإنَّنا نتعرَّف على الثعابين بشكلٍ جيِّدٍ أكثر من غيرها. رُبَّما يكون السبب وراء ذلك هو عدة أجيَال من التطوُّرِ.

لقد نشأنا جميعًا على قصصٍ رسخت صورة الحية من خلالها ككائن حي ماكر، شرير ومراوغ. مع ذلك، تشير العديد من الدراسات إلى أنّ الخوف من الثعابين يتجاوز القصص، وقد يكون فطريًّا ومتأصِّلًا فينا وفي أقاربنا القردة بطريقة تطوّريّة، بغضّ النظر عمّا إذا كنا قد تعرّضنا لثعابين في الماضي أم لا - في الحقيقة أو الخيال. كشفت دراسة جديدة المزيد من الأدلّة على ذلك، حيث أظهرت أنّه من الأسهل علينا التعرّف على صور الثعابين المموَّهة، على خلفيّة البيئة مقارنةً بالحيوانات الأخرى. 

تكشف الدراسات التي أُجريت على البشر والقرود، أنّنا نتعرّف على صور الحيوانات التي تشكّل تهديدًا علينا، مثل الثعابين بسرعة أكبر من صور الحيوانات الأخرى، حتّى لو لم نتعرّض للثعابين مطلقًا. ظهرت هذه الظاهرة لدى الأطفال الصغار جدًّا أو القرود التي نشأت في الأسر.

تعزّز هذه النتائج النظريّة القائلة بإنّ الخوف من الثعابين فطريّ فينا منذ الولادة، وإنّ عمليّة التطوّر أكسبت البشر وأسلافه نظام معالجة بصريّة، مصمّمًا للردّ على الثعابين. مع ذلك، فإنّ الدراسات التي أُجريت حتّى الآن لم تختبر مدى دقّتنا في التعرّف على الثعابين في ظروف التمويه - كما يحدث بالفعل في كثير من الحالات في الطبيعة، وإذا كنّا حتّى في هذه الظروف نكتشفها بسهولة أكبر من الحيوانات المموّهة الأخرى.

فُحصت دراسة جديدة في جامعة ناغويا في اليابان هذا السؤال بالضبط: ظهرت صور الثعابين وغيرها من الحيوانات التي لا تشكّل تهديدًا علينا (الطيور، القطط والأسماك) في عشرين درجة مختلفة من التمويه، وطُلب من الأشخاص أن يقولوا أيّ منها الحيوان الذي رأوه في الصورة. تمّ تطبيق التمويه على الصور عن طريق إضافة "ضوضاء"، ممّا يعني تحفيزًا بصريًّا عشوائيًّا لا معنى له، ويمكن أن يكون بمثابة خلفيّة. تراوحت درجات التمويه من الصفر، حيث تكون صورة الثعبان واضحة تمامًا وحادّة على الخلفيّة المحيطة، إلى 95 بالمائة (صورة لا يمكن تمييزها). وعند درجات تمويه تتراوح بين 50 وَ-75 بالمائة، أي تمويه متوسّط إلى عالٍ، كانت درجة الدقّة في تحديد الثعابين في الصور أعلى من درجة الدقّة في كشف الحيوانات الأخرى. 

בולט מאוד עד מוסווה מאוד. כמה מתמונות הנחשים ששימשו במחקר היפני | מקור: PLoS One
واضحة جدًّا إلى مموهة جدًّا. بعض صور الثعابين المستخدمة في الدراسة اليابانيّة | المصدر: PLoS One

توافقت نتائج الدراسة هذه مع نظرية تحديد الثعابين، التي ترى أنّ الحاجة إلى تحديد الكائنات التي تشكّل خطرًا علينا، أدّت إلى تطوّر نظامنا البصريّ من أجل البقاء على قيد الحياة. تعكس الصور المعدّلة بالضوضاء في هذه الدراسة عمليّة التمويه الموجودة في الطبيعة، لذلك يمكن الافتراض أنّ القدرة على التعرّف بسهولة على صور الثعابين المموّهة، قد تطوّرت لدينا أثناء عملية التطور.

مع ذلك، السؤال الأساسيّ هو ما الذي يسمح لنا في آليّة الرؤية تحديدًا بالتعرّف على الثعابين نسبيًّا بسهولة. بحسب الباحثين، فإنّ الحراشف قد تكون السمة الأبرز التي تميّز الثعابين عن الحيوانات الأخرى، فهي ميزة لها ولكنّها تكاد تكون معدومة في الحيوانات الأخرى. دعمًا لذلك، وُجد أنّ الخلايا العصبيّة في منطقة معيّنة من المهاد في الدماغ، تستجيب بقوة للمنبّهات البصريّة التي تشبه شكل المعين، مثل حراشف الثعابين.

إذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن أن يكون نظامنا البصريّ، قد طوّر قدرةً خاصّةً على التعرف على السمات البصريّة التي تميّز الثعابين، حتّى نتمكّن من الدفاع عن أنفسنا ضدّها بفعاليّة. يقدّم هذا التفسير تعزيزًا إضافيًّا لفرضيّة أن الخوف من الثعابين فطريّ وليس مكتسبًا. معَ ذلك، فإنّ النتائج تثير سؤالًا مثيرًا للاهتمام - لماذا يعتبر التعرّف على الطيور لدينا ضعيفًا مقارنةً بالأسماك والقطط - وكان في الواقع الأسوأ من بين جميع الحيوانات التي تمّ اختبارها؟ قد تكون الدراسات المستقبليّة قادرة على الإجابة عن هذه الأسئلة.

 

0 تعليقات