في غضون ستّ سنوات، أحدثت تقنيّة كريسبر الجديدة لتعديل الجينات ثورةً في مجالات الطّبّ، الزّراعة والأبحاث. إلّا أنّه، فيما وراء الكواليس، تدور حولها نزاعات ذات عواقب اقتصاديّة وعلميّة بعيدة المدى.

قبل قرابة الشهرين، رفضت محكمة الاستئناف في الولايات المتّحدة استئناف باحثات من جامعة بيركلي، ومنحت براءة اختراع تقنيّة CRISPR-Cas9، الّتي تمكّن من تعديل الجينات في الخلايا حقيقيّة النواة (Eukaryotes)، لمعهد برود (Broad) التّابع لجامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). على الرّغم من أنّ هذه ليست سوى أوّل براءة اختراع من بين الكثير، إلّا أنّ هذا القرار سيؤثّر على كيفيّة منح  براءات الاختراع الأخرى في هذا المجال الرائد. لذلك، فإن لهذا القرار معنًى عميقاً  بكل ما يتعلق ب استثمار شركات التكنولوجيا الحيوية  وشركات الأدوية المبنيّة على تقنيّة كريسبر، وعلى قدرتها على تحسين جودة حياتنا في مجالات الصّحّة، الزّراعة وغيرها. رغم أنّها مرحلة مهمّة في تطوير تقنيّة كريسبر، لكنّ القصة لم تنته بعد.

من الهندسة الوراثيّة إلى التعديل الجيني

في سنوات ال-70، تمّ اكتشاف بروتينات في البكتيريا تدعى "الإنزيمات القاطعة"  الّتي تستطيع أن تقطّع ال-DNA. تتكوّن الشّيفرة الوراثيّة عند جميع الكائنات الحيّة من سلسلة جزيئات تسمّى القواعد وتنقسم إلى أربعة أنواع: السيتوزين (C)، الأدينين (A)، الجوانين (G) والثيامين (T). الإنزيمات القاطعة قادرة على قطع ال- DNA عند ظهور تسلسل قواعد بترتيب معيّن -مثلًا AATT أو CATATG. تستخدِم البكتيريا الإنزيمات القاطعة، وهناك المئات منها الّتي اكتُشِفت حتّى الآن، لحماية نفسها من الفيروسات الّتي تهاجمها، فهي تقطّع DNA الفيروسات وتقضي عليها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك إنزيمات قادرة على الرّبط بين أطراف ال- DNA. من خلال عمليّة تقطيع ال-DNA بواسطة إنزيمات القطع ومن ثمّ ربط أطرافه من جديد بتركيبات مختلفة، يمكننا نقل الجينات بين المخلوقات المختلفة، إحداث طفرات وراثيّة ودراسة عمل الجينات. في معظم الحالات، يتم دمج الجين المدروس مع بلازميد - وهو مقطع DNA مستقلّ الّذي يمكن إدخاله في الخليّة الّتي تُدرَس.

ومع ذلك، لا يزال التّلاعب الجينيّ أمرًا معقّدًا للغاية حتّى اليوم. أوّلاً، من الممكن قطع وربط القواعد في مواقع محدّدة جدًّا الّتي يمكن أن تميّزها إنزيمات القطع، وليس في كلّ موقع. يتعقّد الوضع أكثر في الحالات الّتي يحتوي فيها الجين على العديد من مواقع القطع لنفس إنزيم القطع. ثانيًا، لا يتصرّف الجين الموجود في البلازميد مثل الجين الموجود في مكانه الطّبيعيّ في الجينوم، حيث ينقص البلازميد العديد من عوامل التّحكّم الموجودة في الجينات الطّبيعيّة. كما أنّه في كثير من الأحيان تكون في الخليّة عدّة نسخ من البلازميدات، بينما توجد في الوضع الطّبيعيّ نسختان فقط من الجين.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن إحداث تلاعب جينيّ ناجع في البكتيريا والمخلوقات أحاديّة الخليّة البسيطة الأخرى مثل الخميرة، من خلال عمليّة تسمّى "التّأشيب المتماثل"، أي إدخال جزء من DNA اصطناعيّ قصير الأطراف (حوالي خمسين قاعدة) بدلاً من المقطع الموجود الذّي في أطرافه نفس تسلسل القواعد. في المقابل، في الكائنات الأكثر تطوّرًا مثل الذّباب والثّدييات، خاصّة في الخلايا الّتي يصعب تنميتها في المستنبت مثل خلايا الجذع الجنينيّة، هذه عمليّة معقّدة للغاية، مكلفة وغير ناجعة.

آمال كبيرة

كان أمل الهندسة الوراثيّة منذ البداية هو افتتاح أبواب العلاج الجينيّ أي إصلاح الطّفرات الّتي تسبّب الأمراض، وبالتّالي علاج شتّى أنواع السّرطان وأمراض وراثيّة. أُجرِيت المحاولة الأولى لمثل هذا العلاج في عام 1990 على طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات الّتي كانت تعاني من مرض نادر لضعف المناعة بسبب نقص إنزيم معيّن في جهاز المناعة. أدّى إدخال الإنزيم إلى خلايا جهاز المناعة (بواسطة فيروس) إلى شفائها.

على الرغم من نجاح هذه المحاولة، لم تتطوّر التّقنية كما كان متوقّع. أدّت وفاة مريض يخضع للعلاج الجينيّ في عام 1999، وظهور سرطان الدّم لدى الأطفال الّذين يخضعون لعلاجات مماثلة في فرنسا، إلى إيقاف تطوير هذه التّقنيّات.

ثم وصلت تقنيّة كريسبر. في سنوات ال-80 وال-90 اكتشفوا في عدّة أنواع بكتيريا تسلسلات DNA قصيرة متكرّرة الّتي لم تكن وظيفتها واضحة. سمّيت هذه التّسلسلات CRISPR  (اختصار Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats). اتّضح  لاحقًا أنّها تحتوي أيضًا على مقاطع DNA بكتيروفاجيّة، أي تابعة للفيروسات الّتي تهاجم البكتيريا.

يعتبر بعض الباحثين، بما في ذلك فيليب هورفاث (Horvath) من شركة دانيسكو للأغذية، هذه الآلية بمثابة جهاز مناعة ضد البكتيريوفاج. بما أنّه تُستخدَم العديد من أنواع البكتيريا في صناعة الأغذية، مثل إنتاج الجبنة واللّبن، فإن لاكتشاف جهاز مناعة جديد للبكتيريا إمكانات اقتصاديّة كبيرة.

أظهر هورفاث أنّ كريسبر هو بمثابة جهاز مناعة مكتسب، أي يتعلّم بمرور الوقت تمييز هدفه ومهاجمته هو بالتّحديد. وقد قامت دراسات أخرى لاحقًا بتحليل آليّة عمل كريسبر: باختصار، يتمّ نسخ مقاطع من ال- DNA التّابعة لكريسبر إلى جزيئات RNA قصيرة الّتي تخضع لعمليّة قطع وملاءمة، ومن ثمّ ترتبط معًا ببروتين يقطع ال- DNA يسمّى Cas9. عندما يدخل فيروس لخليّة البكتيريا، ترتبط تسلسلات RNA بال-DNA الفيروسيّ الّذي يلائمها، ويقطع Cas9 ال-DNA الفيروسيّ ويقضي على الفيروس.

 

הטכנולוגיה של ריפוי גני לא התקדמה כמצופה, אולי השימוש בקריספר יביא לפריצת דרך. טיפול גני בילד | צילום: Shutterstock
لم تتطوّر تقنيّة علاج الجينات كما هو متوقّع، ولكن يمكن أن يؤدّي كريسبر إلى شق الطّريق نحو ذلك. طفل يخضع لعلاج جينيّ | الصورة من Shutterstock

 

الانقلاب الذي أحدثه تعديل الجينات

نشأت ثورة كريسبر في بداية هذا العقد. في عام 2011، أظهر هورفاث وفيرجنيوس سيكسنيس (Siksnys) من جامعة فيلنيوس في ليتوانيا، أنّ منظومة كريسبر تعمل بشكل مستقلّ، حيث يمكن نقلها من نوع بكتيريا إلى آخر. بعد مرور عام، قام الباحثان بفك آليّة عمل Cas9، وأظهروا أنّه يمكن برمجته لتقطيع تسلسل DNA معيّن عن طريق إدخال تسلسل RNA يلائم الفيروس.

في نفس الشّهر تمامًا تمّ نشر مقال على يد الباحثتين عمانوئيل تشاربينتييه (Charpentier) وجينيفر دودنا (Doudna) من جامعة بيركلي، اللّتان  تقدّمتا خطوة أخرى إلى الأمام.  لقد ربطوا جزيئَي RNA بجزيء واحد (يسمى sgRNA) وهكذا حوّلوا نظام معقّد ومتعدد المكوّنات إلى نظام مريح الاستعمال مكوّن من قطعتين فقط. في أيّار 2012، قدّمت الباحثتان طلب للحصول على براءة اختراع منظومة Crisper / Cas9، لكنّهما لم تحدّدان في طلب براءة الاختراع ولا في بحثهما، أنّه يمكن استخدامه أيضًا في الخلايا حقيقيّة النّواة.

في عام 2013 ، أظهرت مجموعتا بحث مختلفتان، إحداهما تابعة لفانغ جانغ (Zhang) من معهد برود والأخرى تابعة لجورج تشيرتش (Church) من جامعة هارفارد، أنّه يمكن استخدام منظومة كريسبر لتعديل الجينات في خلايا الإنسان. وأظهروا أنه من خلال تنشيط عمل بروتين Cas9 مع sgRNA الّذي يستهدف تسلسلاً بترتيب معيّن في الجينوم البشريّ، فإن Cas9 يقوم بقطع ال- DNA في موقع الهدف. يتمّ تصحيح ال- DNA المقطوع بواسطة آليّات التّصحيح في الخلايا، ولكن نظرًا لأنّها تخفق أحيانًا، ستحصل في بعض الخلايا طفرات في موقع القطع. بهذه الطّريقة يمكن إدخال طفرات في موقع الجينات الطّبيعيّ، وبالتّالي دراسة وظائفهم.

بالإضافة إلى ذلك، توجد في الخلايا آليّة تصحيح تستخدم عمليّة التّأشيب المتماثل، والّتي، كما ذكرنا، هي عمليّة استبدال مقاطع كاملة من ال-DNA. إذا تمّ تزويد الخلايا بمقطع DNA اّلذي فيه جزء مماثل لموقع القطع وجزء آخر مختلف، فستقوم الخليّة بإدراج المقطع الجديد في منطقة القطع. هذه هي الطّريقة الّتي يمكن من خلالها ربط مقاطع مختلفة من الجينات، استبدال الجينات وغيرها. وكلّ ذلك في الموقع الطّبيعيّ في ال- DNA.

اكتسب النّظام الّذي طوّره جانغ شعبيّة كبيرة بين عشيّة وضحاها. ساهمت في ذلك أيضًا Addgene، الّتي هي منظّمة غير ربحيّة تقتني من العلماء بلازميدات بمحتوى جينات مختلف وتوزّعها على العلماء في جميع أنحاء العالم بدون أرباح. قام جانغ بإيداع منظومة كريسبر/ Cas9 في Addgene، الّتي تمّ توزيعها على الجميع. وخلال عامين تمّ توزيع بلازميدات كريسبرعلى حوالي 15 ألف مختبر.

אבות רבים לפטנט (וגם אמהות רבות): למעלה מימין: דואודנה ושרפנטייה, למטה מימין: צ'רץ' וז'אנג | צילומים: ויקיפדיה
عدّة أصحاب (وصاحبات أيضًا) لبراءة الاختراع : في الأعلى- من اليمين لليسار- دودنا وتشاربينتييه( الحائزات على جائزة نوبل 2020)، في الأسفل: تشارتش وجانغ | الصّور من ويكيبيديا

 

حرب الحيازة على براءة الاختراع

سرعان ما قدّم جانغ أيضًا طلبًا لتسجيل براءة اختراع المنظومة على اسمه، وصرّح فيه أنّ استخدام المنظومة لا يقتصر على البكتيريا وإنّما يشمل أيضًا الخلايا حقيقيّة النّواة. تمّ تقديم طلبه في كانون أوّل 2012 وبعد أقلّ من عامين، منحه مكتب الولايات المتّحدة لبراءات الاختراع حقوقه في براءة الاختراع.

القدرة التّجاريّة الّتي تكمن في منظومة كريسبر هي ذات قيمة كبيرة، واستاءت جامعة بيركلي من الخطوات الّتي اتّخذها منافسيهم، حيث قام تشاربينتييه ودودنا بتقديم طلب تسجيل براءة الاختراع باسمهم قبل جانغ، وهذا ما ادّعوه في الاستئناف الذي قُدِّم. ومع ذلك، كانت المسألة من ناحية قانونيّة معقّدًة، لأنّ براءة الاختراع الأولى شملت فقط التّعديل الوراثيّ للبكتيريا وكانت أقل شاملة من جانغ.

يكمن أساس النّزاع القانونيّ في مصطلح واحد في قانون براءات الاختراع. بموجب القانون، لكي يتمّ قبول براءة الاختراع، يجب أن تكون جديدة، أن يكون لها تطبيق وغير بديهيّة. كما أنّه أصدرت المحكمة العليا الأمريكيّة حكمًا في عام 2013 بمنع تسجيل براءات اختراع على ال- DNA الطّبيعيّ، مثل الجينات البشريّة أو الطّفرات المسبّبة للأمراض، فهي ظاهرة طبيعيّة وليست تقنيّة جديدة.

لا شكّ في أنّ منظومة كريسبر هي جديدة ولها تطبيق. كما أنّها تختلف عن المنظومات الطّبيعيّة، حتّى نتمكن من استخدامها في عمليّة تعديل الجينات، وبالتّالي لا يوجد حظر على تسجيل براءات الاختراع عليها. ولكن هل مفهوم ضمنًا أنّه يجوز استخدام منظومة مصدرها من البكتيريا في الخلايا حقيقيّة النّواة؟

خلال جلسة المحكمة في كانون أوّل 2016، ادّعى ممثلو بيركلي أنّ دودنا "أرادت، أوّلاً وقبل كلّ شيء، أن تثبت عمل المنظومة في البكتيريا، لكنّها كانت تعلم أنّها ستعمل أيضًا في خلايا الثدييّات". بالإضافة إلى ذلك، استدعوا بيوكيميائيّ خبير ادّعى أنّ الباحثين لا يستثمرون الوقت، الجهد والمال في بحث الّذي لا يؤمنون بنجاحه. بالفعل، عمل باحثون آخرون في نفس الوقت على ملاءمة عمل المنظومة للخلايا حقيقيّة النّواة، وليس فقط مختبر جانغ قام بذلك.

رفض القضاة هذه الادّعاءات. بالإضافة إلى ذلك، أقتبس ممثل معهد برود أقوال دودنا في المقابلات الإعلاميّة الّتي تحدّثت فيها عن صعوباتها في ملاءمة عمل المنظومة للخلايا حقيقيّة النّواة. وقال: "إن هذا هو عكس المفهوم ضمنًا" . في بداية عام 2017، حكم مكتب براءات الاختراع لصالح معهد برود، وفي بداية شهر أيلول من هذا العام، تمّ أيضًا رفض الاستئناف الّذي قدّمته جامعة بيركلي. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت جامعة بيركلي ستحاول الاستئناف أمام المحكمة العليا أيضًا.

لم تنتهِ القصّة هنا، ففي أوروبا تختلف قوانين براءات الاختراع عن الولايات المتّحدة. وقد حظيت جامعة بيركلي بتسجيل براءتي اختراع في أوروبا في شهر آذار في حين تمّ سلب براءة الاختراع الرّئيسيّة التّابعة لمعهد برود بسبب الخلافات حول أسماء الباحثين المسجّلين على براءة الاختراع.

 
המקור: מערכת חיסון של חיידקים למאבק בנגיפים שתוקפים אותם. בקטריופאג' תוקף חיידק | איור: Science Photo Library
جهاز مناعة البكتيريا لمحاربة الفيروسات الّتي تهاجمها. بكتريوفاج يهاجم البكتيريا | رسم توضيحيّ: Science Photo Library
 

مرونة المنظومة

Crisper / Cas9 هي منظومة تعديل الجينات الأكثر شيوعًا، لذا فإنّ النّزاع حول براءة الاختراع هذه هو في المقدّمة. ولكن مع توسّع انتشار المنظومة في المختبرات حول العالم، زادت أيضًا استخداماتها.

تمّ اكتشاف منظومات كريسبر في العديد من أنواع البكتيريا، ولكلّ منظومة خصائص مختلفة. مثلًا، سجّل جانغ براءات اختراع على Cpf1- بروتين أصغر من Cas9، وعلى Cas13a - منظومة كريسبر الّتي تقوم بقطع ال- RNA وليس DNA. قامت دودنا أيضًا بتسجيل براءات اختراع على منظومات أخرى باسمها مثل CasX و- CasY.

حتّى لمنظومة كريسبر/ Cas9 نفسها توجد على الأقلّ عشرات التّركيبات المختلفة. بعضها هي تعديلات للملاءمة مع كائنات أخرى (فهناك اختلاف بين الخميرة، الذّباب، النّبات والفئران). والبعض الآخر هي تغييرات تمكّن المنظومة من القيام بوظائف مختلفة تمامًا. فمثلًا، إذا تمّ استخدام Cas9 فيه طفرة تمنعه ​​من قطع ال- DNA، يمكن أن تتوجّه البروتينات إلى الموقع المطلوب في ال- DNA.

شُمِلَت بعض هذه الاستخدامات في براءة الاختراع المسجّلة في أوروبا باسم جامعة بيركلي. على سبيل المثال، من خلال تقنيّة CRISPRi يتمّ دمج بروتين في Cas9 الّذي يعطّل عملية نسخ جين معيّن، بينما في CRISPRa، يتمّ دمجه ببروتين يؤدّي إلى تنشيط دائم للجين. من الممكن إدخال بروتينات تشعّ ال-DNA بضوء فلورسنتي وبالتّالي معرفة موقع جين معين في النّواة مقارنة بالجينات الأخرى، بواسطة الميكروسكوب. هناك اليوم طرق تسمح بتعديل حتّى قاعدة واحدة، وليس فقط مقاطع DNA طويلة. الاستخدامات آخذة في التّزايد.

הנדסה גנטית של חיידקים שונה לגמרי מהנדסת תאים בעלי גרעין. פלסמיד של DNA בתוך חיידק | איור: Science Photo Library

تختلف الهندسة الوراثيّة في البكتيريا تمامًا عن هندسة الخلايا حقيقيّة النواة. بلازميد DNA في البكتيريا | صورة توضيحيّة: Science Photo Library

 

مستقبل التعديل الجينيّ

على الرّغم من النّزاع حول براءات الاختراع، تسود في مجال تعديل الجينات روح التّعاون. أدّى نشر منظومات كريسبر المختلفة من خلال Addgene إلى تطوير الأبحاث المتعلّقة فيه خلال بضع سنوات. يوجد في Addgene حتّى اليوم أكثر من 6400 بلازميد متعلّق بـكريسبر. حسب Google، تظهر كلمة كريسبر في أكثر من 50 ألف مقال تمّ نشره منذ عام 2012. ويميّز موقع Free Patents Online بين أكثر من 880 براءة اختراع تظهر كلمة CRISPR في ملخّصها. وقد تمّت الموافقة على أكثر من 450 منهم في الولايات المتّحدة.

على الصّعيد التّجاريّ، أعلنت مجموعة من الشّركات التّجاريّة والجامعيّة، بما في ذلك:  Intellia therapeutics ،Caribou Bioscience ،CRISPR genomics و ERS genomics في أواخر عام 2016، مع جامعة بركلي، دودنا، تشاربنتييه وجامعة فيينا، عن اتّفاق مشاركة حقوق ملكيّة كريسبر.عُقِدت اتفاقية أخرى بين معهد برود، جامعة فيلنيوس، شركة بايوني، وكذلك كاريبو و- ERS الّتي ذُكِرتا أعلاه، تهدف إلى مشاركة حقوق ملكيّة كريسبر للاستخدامات الزّراعيّة.

 أعلنت شركة بايونير عن استخدام كريسبر لصنع أنواع ذرة غنيّة بالنّشا. هناك أفضليّة لتّقنيّة كريسبر في الاستخدامات الزّراعيّة عن باقي التّقنيّات القديمة، فهي لا تتطلّب استخدام البكتيريا أو غيرها من مسبّبات الأمراض وجيناتهم لغرض الهندسة الوراثيّة في النّباتات. لذا فإنّ استخدام كريسبر لا يلتزم بالنّظام المقيِّد لوزارة الزّراعة الأمريكيّة. تتيح عمليّة التعديل الجينوميّ المستهدف بواسطة كريسبر تحويل النّباتات البريّة لنباتات منتجة للفاكهة في غضون جيل واحد.

تُمنح حاليًّا التّراخيص للأبحاث السّريريّة بالأساس عن طريق الشّركات التابعة للجامعات -كاريبو التّابعة لجامعة بيركلي و ו-Editas التّابع لمعهد برود، الأمر الّذي يمكن أن يؤدّي إلى ظاهرة"عنق الزجاجة" في المجال. ومع ذلك، يبدو في الوقت الحاليّ أنه تٌجرى تجارب سريريّة في هذا الشّأن .

إنّ براءات اختراع معهد برود وجامعة بركلي هي عامّة جدًّا، ولكن قد تطرأ تطوّرات طبّيّة جديدة من خلال دمج بعض العوامل معًا لعلاج معيّن. على سبيل المثال، قد يتمّ تسجيل براءة اختراع على علاج يشمل: تسلسل sgRNA، بروتين Cas معين، وطريقة معينة لإدخالهم أو تنشيطهم في الخلايا، أو على عمليّة إنتاجهم لاستخدام علاجيّ معيّن، طريقة إدخالها للمرضى وعمليّة متابعة حال المريض. كما أنّه قد ترغب الشّركات في تقسيم براءات الاختراع بحيث يكون لكلّ جزء من العمليّة براءة اختراع منفصلة.

ستؤثّر القرارات في شأن براءة اختراع كريسبر/Cas9 حتمًا على جميع براءات الاختراع المستقبليّة المتعلّقة بـكريسبر. مثلًا، هل ستعتبَر الاستخدامات الجديدة "بديهيّة" كجزء من استمرار تطوير منظومة كريسبر/ Cas9؟ قد يعتقد البعض نعم، ولكن بما أنّ أيّ تطوير جديد لمنظومة كريسبر منوط بابتكار طريقة جديدة وبأبحاث ذات أهمّيّة كبيرة فقد تكتفي السّلطات في ذلك. بالإضافة، فإنّ الاستثمار في تقنيّة كريسبر للأبحاث الطّبّيّة سيكلّف حتمًا مبلغًا كبيرًا من المال، وهناك خوف من أنّ شركات البيوتكنولوجيا لن ترغب في الاستثمار في المجال إذا لم تحظَ بحماية براءات الاختراع.

على الرّغم من اكتشاف منظومة كريسبر منذ أكثر من عشرين عامًا، إلّا أنّه يمكن استخدامها لتعديل الجينات منذ بالكاد ستّ سنوات. خلال فترة قصيرة جدًّا، أُدخِلت التّقنيّة تقريبًا إلى كلّ مختبرات الأبحاث في العالم وأصبحت مستخدمة في الإنتاج الزّراعيّ والتّجارب الطّبّيّة. لا تزال النّزاعات حول براءة الاختراع في أوجها، ولكن يجوز أنّه مع تطوّر المنظومة وتجديدها أكثر ستُنسى براءات الاختراع القديمة. ستتطلّب القضيّة الآخذة بالتّعقيد حلولاً مبدعة من قِبَل السّلطات كي لا تُحدِث ضررًا بالبحث والتّطوير وللحفاظ على حقوق الملكيّة للمخترعين.

 

شاهدوا الفيديو التالي من إنتاج Nature عن منظومة CRISPR/Cas9:

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
 

 

0 تعليقات