ما هي عمليّة تخصيب اليورانيوم؟ كيف تحدث؟ ما السبب في كونها عمليّة مُعقّدة؟ وما هي أهمّيّتها؟

أحد الأهداف الأساسيّة لنشوب الحرب الأخيرة هي إضعاف البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وإحباط الجهود الإيرانيّة المستمرّة لإنتاج ما يكفي من المادّة النوويّة، لتحضير قنبلة نوويّة في عمليّة تُسمّى تخصيب اليورانيوم. وفق تقرير الوكالة العالمية للطاقة النوويّة (IAEA)، في أيّار 2025، كان لدى إيران ما يُعادل 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60 في المائة، والذي على ما يبدو جعلها قريبة جدًّا من إنتاج مادّة نوويّة تكفي لعدّة قنابل نوويّة. ما هو تخصيب اليورانيوم؟ ما السبب  وراء صعوبة إنتاجه؟ وكيف يرتبط ذلك بقدرتنا على استغلال الطاقة الكبيرة الموجودة في نواة الذرّة؟

انشطار اليورانيوم

اليورانيوم هو أحد العناصر الفلزيّة الثقيلة والنشطة إشعاعيًّا، وهو موجود في أسفل الجدول الدوريّ للعناصر - عدده الذرّيّ 92 أي يوجد 92 بروتونًا في نواته، وهو العنصر الأخير في الجدول  الموجود في الطبيعة بكمّيّات كبيرة. العنصر غير نادر الوجود في الكرة الأرضيّة وتوفّر احتياطيّاته كمّيّات كبيرة يمكن استخدامها لفترة طويلة، إذا تمكّنّا من استحضاره من ماء البحر بشكل خاصّ. 

يتميّز اليورانيوم بأنّه، في ظل ظروف معيّنة، قادر على الخضوع لعمليّة انشطار نوويّ، حيث تنشطر نواتُه الذرّيّة وتتحلّل إلى نوى ذرّات أَخفّ. تختلف هذه العمليّة عن التحلّل الطبيعيّ الذي يحدث في جميع الموادّ المشعّة، والذي تنبعث خلاله جسيمات أو إشعاعات كهرومغناطيسيّة من نواة الذرّة.

تحتوي نواة الذرّة على البروتونات ذات الشحنة الكهربائيّة الموجبة والنيوترونات عديمة الشحنة الكهربائيّة. يحدث الانشطار في نواة الذرّة. يُحدّد عدد البروتونات ماهية العنصر، ويُحدّد معظم خصائصِه. وليس بالضرورة أن يكون عدد النيوترونات في عنصر معيّن ثابتًا، فقد يتّخذ عنصر معيّن أشكالًا، بأعداد مختلفة من النيوترونات في النواة، وتُسمّى هذه الأشكال بالنظائِر. في جميع ذرات الكربون، على سبيل المثال، هُناك ستّة بروتونات وفي معظمها ستة نيوترونات وتسمّى  هذه الكربون-12. تحتوي بعض ذرات الكربون على سبعة نيوترونات (الكربون-13) ويحتوي البعض الآخر على ثمانية نيوترونات (الكربون-14). تتشابه نظائر عنصر معيّن تقريبًا في خصائصها الكيميائيّة، لكنّها تختلف في بعض الخصائص الفيزيائيّة. على سبيل المثال، الكربون-12 ليس مشعًّا، بينما الكربون-14 مشعًّا ويتحلّل بمرور الوقت. لهذا السبب، يمكن تأريخ المادة العضويّة بنسبة كمّيّات الكربون-12 إلى الكربون-14 فيها، ويُحدّد عمرها بمعدّل تحلّل الكربون-14 في الجسم.


العنصر الأخير في جدول العناصر الدوريّ الموجود بكمّيّات كبيرة في الطبيعة، والأهمّ من ذلك أنّه قابل للانشطار. قرصٌ مصنوع من اليورانيوم الفلزيّ المُخصّب. | US Department of Energy

تحتوي نوى نظير اليورانيوم 235 على 92 بروتونًا وَ143 نيوترونًا. لو أصاب النيوترون مثل هذه النواة بسرعة مناسبة، فهناك احتمال كبير إلى حدّ ما أن تتفكّك النواة إلى قسمين غير متساويين، وتطلق قدرًا كبيرًا من الطاقة على هيئة إشعاع. في هذه العمليّة، يُصدَر أيضًا اثنان أو ثلاثة نيوترونات من النواة الانشطاريّة. وقد تصطدم هذه النيوترونات بنوى اليورانيوم 235 المجاورة، ممّا يؤدّي إلى زعزعة استقرارها، ويؤدّي إلى انشطارها أيضًا. وهكذا تستمرّ العمليّة، في نوع من التفاعل المتسلسل الذي يغذّي نفسه، ويطلق المزيد والمزيد من الطاقة. تُسمّى هذه المادّة، القادرة على الخضوع لتفاعُل متسلسل من الانشطارات النوويّة، بالمادّة الانشطاريّة (fissile). 

بالرغم من ذلك، فإنّ نظير اليورانيوم 235 يمثّل أقلّ من واحد في المائة من ذرّات اليورانيوم الموجودة في الطبيعة. أكثر من 99 بالمائة من ذرّات اليورانيوم في الطبيعة هي من نظير اليورانيوم-238، الذي يحتوي على 92 بروتونًا و146 نيوترونًا في نواته. وهو نظير ذو نشاط إشعاعيّ منخفض جدًّا. يمكن لليورانيوم 238 أيضًا أن يخضع للانشطار النوويّ، ولكن هذا يتطلّب تأثير نيوترون عالي الطاقة يتحرّك بسرعة عالية. علاوة على ذلك، فإنّ النيوترونات المنبعثة من انشطار اليورانيوم 238 ليست نشطة بما يكفي لتقسيم نوى اليورانيوم 238 الإضافيّة، بالتالي فإن ّهذه المادّة لا تستطيع خلق التفاعل المتسلسل اللازم للقنبلة النوويّة. وهذا يعني أنّ اليورانيوم 238، في حين أنّه يمكن أن يخضع للانشطار النوويّ (fissionable)، فإنّه ليس مادّة انشطاريّة (fissile)، وبالتالي فهو غير مناسب لإحداث انفجار نوويّ.

مع وجود مادة انشطاريّة مناسبة، بإمكان التفاعل المتسلسل أن يتصاعد بسرعة كبيرة، حتّى الوصول إلى عدد هائل من الانشطارات في أقلّ من جزء من المليون من الثانية، كما يحدث في الانفجار النوويّ. يمكن أيضًا أن يتمّ ذلك بطريقة مُتحكّم بها وبكثافة ثابتة نسبيًّا، كما يحدث في المفاعلات النوويّة، التي تستخدم عادةً الطاقة المنبعثة أثناء الانشطار لإنتاج الحرارة واستخدامها لتوليد الكهرباء.

تعتمد سرعة وقوّة التفاعل المتسلسل، من بين أمور أخرى، على كمّيّة المادّة الانشطاريّة وتركيزها. كلّما زادت نسبة المادّة الانشطاريّة، زادت فرصة أن يصطدم النيوترون المنبعث، أثناء تحلّل نواة واحدة بنواة مجاورة ويسبّب تحلّلها أيضًا.


عملية تُطلق فيها طاقة هائلة. يخترق نيوترون نواة ذرة اليورانيوم-235، محولاً إياها فوراً إلى يورانيوم-236، الذي ينشطر بدوره إلى ذرتي كريبتون وباريوم، مُصدراً ثلاثة نيوترونات تُكمل التفاعل المتسلسل | صورة توضيحية: MikeRun, Wikipedia

تخصيب اليورانيوم: التركيز على الشيء المهمّ
توجد عقبة كبيرة في طريق استخدام الطاقة الكامنة في نواة اليورانيوم. يتكوّن اليورانيوم الطبيعيّ من نظيرين رئيسيّين: غالبيّته العظمى من النظير يورانيوم-238، غير القابل للانشطار ولا المرور بتفاعل نوويّ متسلسل في أيّة حال. الباقي، سبعة أجزاء من الألف فقط من اليورانيوم الموجود في الطبيعة هو من النظير يورانيوم-235 القابل للانشطار، وهو المادّة الطبيعيّة الوحيدة التي تتمتّع بهذه الصفة أي قابليّة الانشطار. 

لا يكفي هذا التركيز المنخفض من اليورانيوم-235 لتكوين تفاعل متسلسل بقدر كافٍ، عدا عن عدد قليل جدًّا من المفاعلات التي تمّت ملاءمتها لذلك خصيصًا. يتطلّب تسهيل حدوث التفاعل المتسلسل تخصيب اليورانيوم - أي زيادة تركيز النظير يورانيوم-235 في اليورانيوم الخام. يعلو سؤالان بهذا الخصوص: الأوّل هو لأيّة نسبة تخصيب يجب أن يُخصّب اليورانيوم، ويتطرّق السؤال الثاني إلى كيفيّة تنفيذ عمليّة التخصيب.

الجواب عن السؤال الأوّل يعتمد على الاستخدام الذي نريد أن نجعله لليورانيوم، ونوع التفاعل المتسلسل الذي نبحث عنه. في المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، حيث نريد إطلاقًا مستمرًّا ومستقرًّا للطاقة، دون الوصول إلى انفجار نوويّ بالطبع، وعادةً ما يكون التخصيب إلى تركيز منخفض يتراوح بين 3-5 في المائة كافيًا، وكما ذكرنا، هناك مفاعلات قادرة على العمل باليورانيوم الطبيعيّ غير المخصّب. هناك أيضًا مفاعلات، مثل المفاعلات السريعة، تتطلّب تخصيبًا أعلى، لكنّه عادةً لا يتجاوز 20 بالمائة. والاستثناءات هي المفاعلات الصغيرة، كتلك التي تزوّد الغواصات بالطاقة أو السفن الكبيرة مثل حاملات الطائرات، والتي تستخدم اليورانيوم المخصّب إلى مستوى أعلى بكثير، وأحيانًا أعلى من 90%، لأنّ المستوى العالي من التخصيب يسمح ببناء مفاعل أصغر حجمًا.


تتطلّب الاستخدامات المختلفة تركيزًا مختلفًا من نظائر اليورانيوم. الفرن النوويّ التجريبيّ المصغّر الذي استُخدمَ في "مشروع مانهاتن" لتطوير القنبلة الذرّيّة في الحرب العالميّة الثانية. | Los Alamos National Laboratory 

تتطلّب القنابل النوويّة مستويات عالية من التخصيب: بالرغم من أنّه يمكن اعتبار اليورانيوم المخصّب لدرجة عشرين بالمائة أو أكثر سلاحًا إلّا أنّ بناء قنبلة من اليورانيوم بهذه الدرجة من التخصيب ليس عمليًّا ويحتاج إلى ما لا يقلّ عن مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم. 

من هُنا، يتمّ تخصيب اليورانيوم المعدّ للاستخدام العسكريّ إلى درجة تفوق تسعين بالمائة يورانيوم-235. يُعتبر مستوى التخصيب 93.5 بالمائة، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مثلًا، نسبةً تقنيّةً للاستخدام العسكريّ. كانت نسبة تخصيب اليورانيوم في القنبلة الذرّيّة التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية سنة 1945  الـ 80 بالمائة فقط ذلك لأنه لم يكن هناك متّسع من الوقت لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى. فيما لو استخدمت نفس كمّيّة اليورانيوم، لكن بمستوى تخصيب تسعين بالمائة لكانت شدّة انفجار القنبلة التي ألقيت على هيروشيما مضاعفة

كيف يُجرى تخصيب اليورانيوم؟
السؤال الثاني - كيف يُخصّب اليورانيوم - هو أكثر تعقيدًا. تتشابه نظائر اليورانيوم فيما بينها بالخواص الكيميائية إلى حدٍّ كبير ممّا يجعل استخدام التفاعلات الكيميائيّة للفصل بينها غير ناجع بتاتًا، في حين يختلف الأمر في العناصر الأخفّ من اليورانيوم. يتطلّب الفصل بين نظيرَي اليورانيوم المتشابهين كثيرًا في خواصهما استغلال الفروق البسيطة في صفاتها الطبيعية عامّةً وفي الكتلة بشكل خاصّ. ليس ذلك سهلًا لأنّ الفرق بين كتلتي النظيرين، اليورانيوم-235 واليورانيوم-238 لا يبلغ الواحد والنصف بالمائة. 

تعتمد جميع طرق تخصيب اليورانيوم على هذا الفرق البسيط. يُنتج مركّب من اليورانيوم وعنصر الفلور لأنّ غالبية طرق التخصيب تتطلّب وجود اليورانيوم في الحالة الغازيّة. المركّب الناتج هو سداسيّ فلوريد اليورانيوم، وهو مادّة سامّة جدًّا تؤدي إلى التآكل لكن من السهل تحويلها إلى الحالة الغازيّة. توجد أفضليّة أخرى لهذا المركّب وهي أنّه يوجد للفلور في الطبيعة نظير واحد فقط؛ لذلك يعود الاختلاف في كتل جزيئات مركّب سداسيّ فلوريد اليورانيوم لاختلاف نوعيّة نظير اليورانيوم فيها فقط. 

الطريقة الأكثر رواجًا ونجاعةً لتنفيذ عمليّة الفصل هي أجهزة الطّرد المركزيّ. يُدخل الغاز بهذه الطريقة إلى أسطوانة يبلغ طولها بضعة أمتار تدور بسرعة فائقة تصل مائة ألف دورة في الدقيقة تقريبًا. هكذا يتمّ الفصل - يتجمّع النظير الأثقل في الجزء الخارجيّ من الأسطوانة ويتجمّع النظير الخفيف في مركزها.  

الطريقة الأكثر شيوعًا وفعاليّة المستخدمة اليوم هي بواسطة أجهزة الطرد المركزيّ، وهذه هي الطريقة التي يستخدمها الإيرانيّون أيضًا. في هذه الطريقة يوضَع الغاز داخل أُسطوانة طويلة طولها عدة أمتار، تدور بسرعة هائلة تصل إلى ما يقارب مائة ألف دورة في الدقيقة. ويؤدّي هذا إلى خلق نوع من الانفصال - حيث يميل النظير الأثقل، اليورانيوم 238، إلى التركيز في الأجزاء الخارجيّة من الأسطوانة والنظير الأخفّ، اليورانيوم 235 - في وسط الأسطوانة.


الطريقة الأكثر شيوعًا وفعاليةً لتخصيب اليورانيوم اليوم هي استخدام أجهزة الطرد المركزي. يميل النظير الأخف، اليورانيوم-235، إلى التركيز في مركز الأسطوانة. رسم تخطيطي لجهاز طرد مركزي غازي | Wikipedia, Inductiveload

راج في الماضي استخدام طريقة انتشار الغاز في عمليّة الفصل إلّا أنّها تكاد لا تستخدم اليوم. تعتمد هذه الطريقة على مبدأ انتشار المواد من المنطقة التي يكون فيها التركيز عاليًا إلى المكان الذي يكون فيه التركيز منخفضًا. تمرُّ جزيئات سداسي فلوريد اليورانيوم، في عملية انتشار الغاز، من خلال حاجز فصل فيه خروق صغيرة. تتحرّك الجزيئات الخفيفة بسرعة أكبر من الجزيئات الثقيلة، الأمر الذي يؤدّي إلى أن تكون جزيئات الغاز الموجودة خلف الحاجز أكثر خصوبةً قليلًا من جزيئات الغاز التي لم تمرّ. 

القاسم المشترك بين الطريقتين هو أنّ الفصل فيهما بعيدٌ عن أن يكون فصلًا تامًّا ولا يكون الناتج مكونًا من اليورانيوم-235 الغازيّ واليورانيوم-238 الغازيّ كلًّا على انفراد، إنّما ناتج غازي يحتوي على نسبة من اليورانيوم-235 أعلى بقليل من النسبة البدائيّة وناتج غازيّ آخر فيه نسبة أقلّ قليلًا. سبب ذلك هو الفرق البسيط، كما ذكر سابقًا، بين كتل الجزيئات وسرعتها: الفرق بين سرعة الجزيئات، في طريقة انتشار الغاز، التي تحتوي على نظيريْ اليورانيوم هو صغير جدًّا. لذلك، توجد حاجة لآلاف المراحل من عمليّات الفصل، الواحدة تلو الأخرى. ولا يتمّ تخصيب اليورانيوم بطريقة الطرد المركزيّ من مرحلة فصل واحدة، إنّما يتطلّب ذلك منظومة من آلاف أجهزة الفصل الطاردة عن المركز الذي يمرّر فيها الغاز من جهاز فصل إلى آخر فتزداد نسبة تخصيبه قليلًا كلّ مرّة.

تنبع من هنا سمة أخرى مشتركة بين جميع طرق تخصيب اليورانيوم: فهي تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، بالتالي فهي مكلفة للغاية. على سبيل المثال، في أجهزة الطرد المركزيّ، يجب تدوير آلاف الأجهزة معًا بسرعة عالية ولمدّة طويلة. وبالمثل، في الانتشار الغازيّ، يجب إعادة ضغط الغاز بعد كلّ خطوة، حتّى يكون معدل الانتشار كبيرًا. إنّ استهلاك الكهرباء بهذه الطريقة أعلى بحوالي 50 مرة من طريقة الطرد المركزيّ، وبالتالي فهي أقلّ ربحيّة بكثير. تتضمّن تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم عددًا لا يحصى من التطوّرات التكنولوجيّة السرّيّة، مثل الموادّ التي تصنع منها أجهزة الطرد المركزيّ، لتمكينها من العمل بكفاءَة، والوصول إلى مستويات التخصيب اللازمة للاستخدامات العسكريّة.


منظومة الطرد المركزي في مصنع تخصيب اليورانيوم في أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات الثمانين من القرن العشرين. الأجهزة الحديثة أقل ارتفاعًا إلّا أنها تصل، مع ذلك، إلى ارتفاع بضعة أمتار | United States Department of Energy

هاتان هما الطريقتان الرئيسيّتان لتخصيب اليورانيوم. توجد طرق أخرى لكنّها ليست قيد الاستخدام، وبالطبع ليس . من هذه الطرق الفصل الكهرومغناطيسي، وهو مكلف جدًّا ويستهلك كمّيّات أكبر من الطاقة، ومنها عملية الفصل بالليزر، ما لم تنضج التكنولوجيا الخاصّة بها بعد. 

الناتج الجانبي من عملية التخصيب هو اليورانيوم المُنضّب أي اليورانيوم-238 النقي تقريبًا، ويحتوي على كمّيّات قليلة جدًّا من اليورانيوم-235، وهو ينتج بكمّيّات كبيرة. يكاد استخدام اليورانيوم المنضّب في الأفران النوويّة أو في تطوير الأسلحة معدومًا، لكنّ نشاطه الإشعاعيّ أقلّ من اليورانيوم الطبيعيّ وسعره رخيص لكونه ناتجًا مرافقًا. توجد لليورانيوم المنضّب استخدامات في المجالات المدنيّة والعسكريّة وغيرها مثل الدروع الواقية للدبابات والوقاية من الاشعاع والرصاص مخترق الدروع.  وغيرها من الاستخدامات التي تعتمد على خواص اليورانيوم الكيميائيّة والهندسيّةـ فهو فلز متين وثقيل ذو كثافة عالية جدًّا.


تنتج كمية كبيرة من اليورانيوم المُنَضَّب كناتج مرافق في عملية التخصيب وهو فلز رخيص متين وذو كثافة عالية. رصاصة مصنوعة من اليورانيوم المنضب | Wikipedia, Choihei

تخصيب اليورانيوم على النطاق العالميّ
يعد تخصيب اليورانيوم مهمًا أيضًا للاستخدام العسكري، بالإضافة إلى إنتاج الوقود الذي يدير حوالي 500 محطة للطاقة النووية في العالم. تحتاج معظم محطات الطاقة النووية إلى اليورانيوم المخصب إلى أقل من خمسة في المائة، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من اليورانيوم المخصب حاليًا في العالم يتم تخصيصها إلى هذا المستوى. مثل هذا اليورانيوم، كما ذكرنا، غير قابل للاستخدام في إنتاج القنابل النووية، لكن الطريق من إثراء اليورانيوم لتلبية احتياجات إثراء الطاقة للاستخدام العسكري يعتبر قصيرًا نسبيًا، لذلك من المهم الحد ومراقبة أولئك الذين باستطاعتهم تخصيب اليورانيوم.

للغالبية العظمى من الدول التي تمتلك الأسلحة النووية القدرة على تخصيب اليورانيوم بقدر كبير. لبعض الدول، منها ألمانيا وهولندا واليابان، القدرة على تخصيب اليورانيوم ولكنّها لا تستغلّ هذه القدرة في تطوير الأسلحة النوويّة. تمتلك روسيا، من بين سائر الدول، القدرة الأكبر على تخصيب كمّيّات كبيرة من اليورانيوم خلال فترة قصيرة، تليها شركة أورينكو، مملوكة بشكل مشترك لشركة إنجليزيّة هولنديّة ألمانيّة، شركة مملوكة من قبل الحكومة الصينيّة، وشركة فرنسيّة مع شركاء من جميع أنحاء العالم. تنتج هذه الشركات مجتمعةً يورانيوم مخصّبًا يفوق احتياجات العالم. ويُعتبر تركيز الإنتاج العالميّ في عدد محدود من المراكز الكبيرة الخاضعة للرقابة، وسيلةً مهمّةً لمنع انتشار السلاح النوويّ.

تكاد خمس الدول النووية العظمى - الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا - لا تُصَنّعُ اليورانيوم المخصب للاحتياجات العسكريّة وقد توقفت، تقريبًا، عن تطوير أسلحة نوويّة جديدة.

بالرغم من ذلك لا داعي للقلق، فهي تمتلك مُجمّعات هائلة من القنابل كانت قد كدّستها خلال الحرب الباردة ولا حاجة لها بإنتاج أسلحة جديدة. في الواقع، كانت نسبة كبيرة من الوقود النوويّ المستخدم في العقود الأخيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، المُخصّص أصلًا للقنابل. بعد تفكيكه، خُلط اليورانيوم المخصّب باليورانيوم الطبيعيّ حتّى الوصول إلى مستوى التخصيب المنخفض المطلوب لتشغيل المفاعلات. تُعتبر هذه العمليّة من النجاحات الكبيرة في تقليص الترسانة النوويّة العالميّة، إلّا أنّها أدّت أيضًا إلى تدهور الجدوى الاقتصاديّة لمحطّات التخصيب الغربيّة، وزيادة حصّة روسيا من إمدادات اليورانيوم العالميّة.


تتقدم روسيا الدول التي تمتلك أدوات وأجهزة تخصيب اليورانيوم. أجهزة الطرد المركزي الغازي في مصنع تخصيب اليورانيوم في روسيا | Sputnik, Science Photo Library

استخدمت الباكستان، مع بدء تطوير خطتها النوويّة، أجهزة الطرد المركزيّ في عمليّة تخصيب اليورانيوم. من المحتمل أنّ دولة الباكستان نجحت في الحصول على خطط بناء وتشغيل أجهزة الطرد المركزيّ بفضل عالم باكستانيّ كان يعمل لدى شركة أورينكو الأوروبية في سبعينيات القرن العشرين ونقل منها الخطط خدمةً لوطنه. هناك ادّعاء بأنّ هذه الخطط بيعت لاحقًا لدول أخرى، منها إيران. 

تقاس قدرة التخصيب بوحدات العمل الفاصلة (SWU). يمكن حساب كم SWU نحتاج لتخصيب اليورانيوم من مستوى إلى آخر بواسطة أدوات سهلة متوفرة اليوم، أو حساب كمية خام اليورانيوم اللازمة للوصول إلى مستوى التخصيب المرغوب بواسطة كمٍّ معيّن من وحدات العمل الفاصلة. 

يبلغ إجمالي قدرة التخصيب في العالم اليوم بضع عشرات ملايين SWU معظمها في روسيا وأوروبا الغربية ويتمّ التخصيب في جميعها تقريبًا بأجهزة الطرد المركزيّ. نحتاج إلى أكثر من مائة ألف SWU في السنة لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى التخصيب المنخفض المناسب لتزويد الوقود لمحطات الطاقة النوويّة، وتُكرّس جلّ جهود تخصيب اليورانيوم في العالم لهذا الغرض.

ورغم أنّ تخصيب اليورانيوم وتحويله إلى وقود نوويّ يتطلّب استثمارًا كبيرًا في الطاقة، إلّا أنّ هذا الاستثمار أقلّ بكثير من كمّيّة الطاقة التي ستنتجُها محطّة الطاقة النوويّة عندما تستخدم هذا الوقود، كما أنّ تخصيب اليورانيوم يمثّل نحو خمسة في المائة من تكلفة الكهرباء. مع ذلك، فإنّ الاستثمار الأوّليّ المرتفع يجعل اليورانيوم المخصّب مادّة باهظة الثمن. إنّ إنتاج اليورانيوم المخصّب إلى المستوى اللازم لصنع القنبلة يكلّف أموالاً كثيرة، لكن من الصعب تقدير قيمته الدقيقة، لأنّ هذه المواد لا يتمّ تداولها في السوق الحرّة.

تخصيب اليورانيوم في إيران

يتضمّن البرنامج النوويّ الإيرانيّ منشآت واسعة النطاق لتنفيذ المراحل المختلفة من تخصيب اليورانيوم. وبحسب ما هو معروف من مصادر معروفة، تقوم إيران بتحويل اليورانيوم إلى غاز سداسيّ فلوريد اليورانيوم في منشأة في أصفهان، وهي أيضًا واحدة من مراكزها الرئيسة للأبحاث النوويّة. وتنتج المنشأة نحو 200 طن من سادس فلوريد اليورانيوم سنويًّا، وتُنقَل إلى منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز، التي تعتبر الأكبر، ومنشأة التخصيب في فوردو المحصنة تحت الجبل. في هذه المنشآت، بحسب المنشورات، تمكن الإيرانيّون من إنتاج نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 60 في المائة من الموادّ الانشطاريّة. وعلى هذا المستوى، تصبح كمّيّة الموادّ التي يجب تركيزها في أجهزة الطرد المركزيّ لتخصيبها إلى مستوى القنبلة صغيرة بشكل متزايد، وبالتالي فإنّ الأمر يتطلّب عمليّة قصيرة نسبيًّا، للوصول إلى مستوى تخصيب يبلغ نحو 90 في المائة. وبحسب بعض التقديرات، استغرقت إيران عدّة أسابيع لإنتاج ما يكفي من الموادّ اللازمة لصنع قنبلة واحدة، وربّما تكون الموادّ الإجماليّة كافية لصنع نحو عشر قنابل.

عملت إيران على تطوير تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم منذ أكثر من 40 عامًا. وذكرت تقارير إعلاميّة أنّ منشأة نطنز تعرّضت للهجوم، ولحقت بها بعض الأضرار، رغم أنّها تقع على عمق نحو 50 مترًا تحت مستوى سطح الأرض. وتعرّضت منشأة التحويل في أصفهان أيضًا للهجوم وألحقت بها الأضرار، لكنّ المنشأة المحصّنة في فوردو لم يلحق بها أيّ أضرار.


أعلنت إيران في شهر نيسان/أبريل هذا العام أنها شرعت في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ستين بالمائة. مصنع تخصيب اليورانيوم في إيران | Digital Globe, Eurimage, Science Photo Library

تخصيب عناصر أخرى
الغاية من تخصيب عنصر اليورانيوم واضحة ومعروفة. ماذا بالنسبة للفصل بين نظائر العناصر الأخرى؟ يتمّ هذا الفصل في عناصر كثيرة، بمقادير منخفضة - بضع غرامات. تستخدم، مثلًا، نظائر الكربون والأكسجين غير النشطة إشعاعيًّا كثيرًا في تعليم ذرات الجزيئات، ثم يستخدم الباحثون هذه الجزيئات في التجارب التي تجرى في البيولوجيا الجزيئيّة. خُصّبَ عنصر الكالسيوم أيضًا بكمّيّات قليلة سابقًا لأبحاث كاستخدام أحد نظائره لاستحضار العناصر الثقيلة جدًّا. يبرز تخصيب عنصر السيليكون ضمن هذه الفئة، إذ يتمّ الحصول على كتلة مكونة من نظير واحدٍ فقط (تقريبًا) من بين ثلاثة النظائر الموجودة في السيليكون الطبيعي. التوصيل الحراري لهذا السيليكون أفضل من السيليكون الطبيعيّ بفضل المبنى البلوري الأكثر تكاملًا الذي يتمتع به النظير النقي. توجد أهمّيّة بالغة لهذه الصفة في صناعة الرقائق والحواسيب الكوانتية التي من المتوقع بناؤها في المستقبل. 

أجريَت عمليّات الفصل بكمّيّات كبيرة بلغت آلاف الكيلوغرامات في عنصرَيْ الهيدروجين والليثيوم فقط، عدا عن اليورانيوم. يستخدم الليثيوم، العنصر الثالث في جدول العناصر، وهو فلزٌ خفيف، كثيرًا في البطاريات الكهربائيّة ويستخدم أيضًا في القنبلة الهيدروجينية. يستخدم النظير الأخف من بين نظيرَيْ الليثيوم والذي نسبة انتشاره في الطبيعة هي الأقل في القنبلة الهيدروجينية. لقد أنتجت الدول النوويّة العظمى أطنانًا من الليثيوم المخصّب خلال الحرب الباردة و توقّفت عن إنتاجه كليًّا، تقريبًا، مع انتهائها. تكاد الكمّيّات المُكدّسة من الليثيوم لا تُستخدم اليوم. 

يتمّ في عملية تخصيب الهيدروجين فصل نظير الهيدروجين الثقيل وقليل الانتشار المُسمّى ديوتيريوم (الهيدروجين-2) الذي تحتوي نواة ذرّته على نيوترون واحد، عن النظير الآخر، الهيدروجين-1، الذي لا تحتوي نواة ذرّته على النيوترونات. يستخدم الهيدروجين-2 بشكل رئيسيّ في إنتاج الماء الثقيل، أي الماء الذي تحتوي جزيئاته على الديوتيريوم بدلًا من الهيدروجين العاديّ للأفران النووية. تمتلك الدول العظمى النووية مخزونًا كبيرًا من الهيدروجين المخصّب الذي يستخدم أيضًا في إنتاج القنابل النوويّة. يستخدم الديوتريوم أيضًا في فحوصات كيميائيّة معينة وفي الأبحاث البيولوجية. يمكن أن يستخدم الديوتيريوم في المستقبل البعيد في إنتاج الطاقة لكونه الوقود الرئيسيّ في عملية الانصهار أو الاندماج النوويّ.


قد يُستخدم الديوتيريوم في المستقبل في عمليات الانصهار (الاندماج) النووي. يصف التخطيط هذه العملية: تنتج ذرة هيليوم عند تصادم ذرة الهيدروجين-2 مع ذرة الهيدروجين-3 وينطلق نيوترون واحد | Seymour / Science Photo Library

تُجرى عمليات تخصيب الهيدروجين والليثيوم دون الحاجة لاستخدام أجهزة الطرد المركزيّ، وتتمّ بواسطة تقنيات أخرى undefined تعتمد على الفروق الكيميائيّة بين النظائر؛ وقد يكون ذلك لأنّ الفرق النسبيّ بين نظائر العناصر الخفيفة هو أكبر كثيرًا ممّا في العناصر الثقيلة مثل اليورانيوم، ويتجلّى هذا الفرق في الصفات الكيميائيّة للنظائر. 

يكثر استخدام تكنولوجيا الفصل بين النظائر في المجالات العسكرية النوويّة، ولها استخدامات مدنيّة. يمكن أن تكتمل الدائرة في المستقبل البعيد، ربّما بعد عدة عقود، عندما تضيء الكهرباء الرخيصة والنقية المنتَجة من الانصهار (الاندماج) النوويّ بيوتنا، ونقول حينئذ إنّ فصل النظائر تحوّل من وسيلة حربيّة إلى مصدر طاقة لا ينضبّ للاستخدام السلميّ. 

 
 

استجابة واحدة

  • 🦂

    موضوع في اوانه ، والجميل في

    موضوع في اوانه ، والجميل في الموضوع مترجم لنا كما ولو كان كاتبه من الاولياء الصالحين ، بجب اعتماد مصادر اخرى قبل ان يتم ترجمه المقال وكان كاتبه من الصديقين وبذلك نخدع مجتمعنا بمحتواه، التطبيع بعينه منشان بعض الشواقل ههههه معهد وايزمان قال