نموذج يشرح سبب تولُّد كمّيّات أكبر من الكهرباء السّاكنة عند احتكاك مادَّتَيْن، مقارنةً بتلامسهما فقط

دعونا نبدأ بالتّعريف: تُشير عبارة "الكهرباء السّاكنة" إلى مجموعة من الظّواهر الّتي تنشأ نتيجة تراكم شحنات كهربائيّة ثابتة – تلك الّتي لا تكون في حالة حركة؛ ويختلف هذا عن الظّواهر النّاتجة عن التّيّار الكهربائيّ، حيث تكون الشّحنات الكهربائية في حالة تدفّق. في حين أنّ الشّعور بما نُطلق عليه "الشّرارة" أو "اللَّسْعة" النّاتجة عن الكهرباء السّاكنة، يحدث عندما تتراكم الشّحنات الكهربائيّة في منطقة معيّنة من الجسم، أو على جسم قريب منّا. وعندما تصبح الفجوة في الشّحنة كبيرة بما فيه الكفاية، تقفز هذه الشّحنات من أحد الجسمَيْن إلى الآخر، في محاولة لإعادة التّوازن بين الشّحنات، وهو ما نشعر به كتيّار كهربائيّ لَحظيّ.

رغم أنّ هذه الظّاهرة لوحظت على الأرجح منذ بدء الإنسان بارتداء الصّوف، إلّا أنّ النّقاش العلميّ والفلسفيّ بشأنها قد بدأ، على ما يبدو، في اليونان القديمة قبل نحو 2500 عامًا. ويُنسب العديد من الكتب والمقالات الملاحظات الأولى في هذا المجال إلى فيلسوف قد سبق سقراط، وهو طاليس الملطي، وإن لم توجد أدلة قاطعة على ذلك. بحسب الرّوايات، لاحظ طاليس أنّ الكهرمان – عند فركه بالصّوف أو بالفَرْو – يجذب الرّيش والغبار، وهي الظّاهرة الّتي أصبحت تُعرَف لاحقًا بالكهرباء السّاكنة. وقد افترض طاليس أنّ السّبب في ذلك هو أنّ للكهرمان "روحًا"، كما قال الأمر ذاته عن الجُسَيْمات المغناطيسيّة الّتي تجذب الحديد.

لاحقًا، أصبحت الكهرباء السّاكنة تُعرّف بوصفها حالةً خاصّةً من "التّأثير التّريبوكهربائيّ (الكهرباء الاحتكاكيّة)" – أي انتقال الشّحنات الكهربائيّة بين جسمَيْن في حالة تَماس مباشِر. وجدير بالذكر أنّ أصل المصطلح يعود إلى اللُّغة اليونانيّة القديمة، ويتكوّن من كلمتين: "trivo" بمعنى فرك، و"ēlektron" التي تعني كهرمان، وهو ما كان يُعرف قديمًا باسم "إلكترون".


تُعدّ الكهرباء الساكنة مثالًا على التّأثير التّريبوكهربائيّ، حيث تنتقل الشّحنات الكهربائيّة بين جسمَيْن متلامِسَيْن. ويتجاذب البالونان أو يتنافران تبعًا لشحنتهما الكهربائيّة | KRPD, Shutterstock

الفرق بين الاحتكاك وأنواع التَّماس الأخرى

في دراسة حديثة نُشرت في المجلة العلّميّة Nano Letters، قدّم الباحثان كارل أولسون (Olson) ولورنس ماركس (Marks) نموذجًا مبتكرًا يشرح لماذا يؤدّي الاحتكاك إلى توليد شحنة كهربائيّة ساكنة، أكثر بكثير من مجرّد التّلامس السّطحيّ بين مادّتين. فعلى مدار التّاريخ، طُرحت العديد من الفرضيّات لتفسير هذه الظّاهرة، غير أنّ معظمها لم يفسّر بوضوح الفرق بين الاحتكاك وسائر أنواع التّلامس، كالتّدحرج مثلًا، أو لم تتوافق نتائجه مع المعطيات التّجريبيّة.

وفقًا للنّموذج المقترح، عند تلامس واحتكاك سطحَيْن ببعضهما البعض، فإنّ مناطق مختلفة من السَّطحَيْن تتعرّض لشدّ أو تغيّر في الشّكل بدرجات متفاوتة. ويؤدّي هذا التّفاوت في التّشوه إلى تراكم غير منتظم في الشّحنات الكهربائيّة على امتداد السّطح. ويكمن جوهر النّموذج في أنّ هذا الاختلاف بين مقدّمة السّطح ومؤخّرته يؤدّي إلى كسر التّماثل البنيويّ للمادّة، ما يفضي إلى نشوء شحنة كهربائيّة صافية.

لتفسير هذه الآليةّ، يركّز الباحثان على خاصّيّة تُعرف باسم الكهربيّة الانحنائيّة (Flexoelectricity)، وهي ظاهرة تنشأ فيها استجابة كهربائيّة – أي استقطاب للشّحنات – نتيجة لانحناءات أو تشوّهات غير متجانسة في مادّة معيّنة. ويُظهر النّموذج أنّ الاحتكاك يعزّز بشكل كبير من هذا الاستقطاب، ممّا يضاعف تأثير الكهرباء السّاكنة، مقارنةً بما يحدث عند تلامس بسيط أو أثناء التّدحّرج. كما تُظهِر التّوقّعات الّتي يطرحها النّموذج توافقًا كبيرًا مع نتائج تجريبيّة سابقة، إذ يتبيّن أنّ كمّيّة الشّحنة السّاكنة النّاتجة تعتمد على عدّة عوامل، من بينها: سرعة الاحتكاك، مساحة منطقة التّماس والقوّة المطبّقة بين السَّطحَيْن.

تُستخدَم الكهرباء السّاكنة في مجالات عديدة، بدءًا من مساعدتها في عمليّة تلقيح النّباتات بواسطة الحشرات، وصولًا إلى استخدامها في توليد أشعة إكس باستخدام شريط لاصق (نعم، يوجد فيديو يوضِّح ذلك!). ويُعدّ هذا البحث خطوةً مهمّةً نحو تعميق فهمنا لآليّة توليد الكهرباء السّاكنة عبر الاحتكاك، وقد يفتح الباب في المستقبل أمام تطوير تقنيات جديدة، مثل محرّكات تعتمد على الكهرباء السّاكنة، أو حلول للحدّ من تراكم الشّحنات غير المرغوب فيها في قطاعات صناعيّة متعدّدة.

 

0 تعليقات