محاولة أخرى لحلّ الجدل الّذي يدور حول الانتقال إلى وسائل النّقل الكهربائيّة: وفقًا لتقديرات باحثين من هولندا وبريطانيا، سينخفض مستوى انبعاث ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير في العالم

ثمة مواجهة مثيرة في طليعة صناعة السّيّارات في السّنوات الأخيرة حول جدوى السّيّارات الكهربائيّة. فبعد كلّ مقال يتوِّج هذا الاختراع كأفضل حلّ للتّخلّص من الغازات الدّفيئة المنبعثة سيساهم في تغيير المناخ العالميّ، يُنشَر مقال ردٍّ لدحض الأمر. والآن يُظهر بحث حديث أدلّة جديدة على أنّ السّيّارات الّتي تتحرّك باستخدام الطّاقة الكهربائيّة يمكنها أن تقلّل من انبعاث الغازات الدّفيئة في المستقبل على مستوى عالميّ.

الفكرة من وراء السّيّارات الكهربائيّة هي بسيطة - إذا كانت السّيّارة لا تحرق الوقود، فإنّها لا تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. وقد حفّزت هذه الفكرة الاتّحاد الأوروبيّ على سنّ قانون يقضي بأنّه حتّى عام 2030 يتوجّب على شركات صناعة السّيّارات في أوروبا الحدّ من انبعاث الكربون من السّيّارات المصنوعة فيها إلى 59 جرامًا لكل كيلومتر سفر - حوالي نصف المعدّل ​​الحاليّ. من ناحية أخرى، يدّعي المعارضون أنّ السّيّارات الكهربائيّة ستؤدّي إلى زيادة انبعاث الكربون، نظرًا لأنّ عمليّة إنتاج البطّاريّات وشحنها تستهلك طاقة أكثر من السّيّارات الّتي تتحرّك باستخدام البنزين والديزل.

في محاولة لتسوية هذا الخلاف، نُشر في مجلّة Nature Sustainability مقال حلّل فيه علماء من هولندا وبريطانيا التّأثيرات البيئيّة للانتقال إلى إنتاج واسع النّطاق للسّيّارات الكهربائيّة. أخذ الباحثون بالحسبان المعطيات حول الطّاقة اللّازمة لصناعة هذه السّيّارات، استخدامها، وصيانتها. وعندما دمجوا بين هذه المعطيات والصّورة العامّة لاستهلاك الطّاقة في 59 منطقة في العالم، توصّلوا إلى الاستنتاج أنّ التّكنولوجيا الجديدة ستقلّل بشكل ملحوظ من انبعاث ثاني أكسيد الكربون في 53 منطقة في العالم.

على سبيل المثال، وجد الباحثون أنّه في الدّول الّتي تعتمد فيها عمليّة توليد الكهرباء بشكل أساسي على محطّات الطّاقة النّوويّة أو موارد الطّاقة المتجدّدة، مثل فرنسا والسّويد، يمكن تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون بحوالي 70% عند الانتقال إلى السّيّارات الكهربائيّة. أما في الدّول الّتي ما زالت تعتمد على حرق الوقود الأحفوريّ، مثل بريطانيا، فإنّ فوائد استعمال السّيّارات الكهربائيّة أقلّ. ولكن هناك أيضًا، من المتوقّع أن يؤدّي الانتقال المخطّط له إلى موارد الطّاقة المتجدّدة إلى الاستفادة أكثر من السّيّارات الكهربائيّة.

סכר של תחנת כוח הידרואלקטרית בשוודיה | צילום: Mariusz Hajdarowicz, Shutterstock
ستقلّل السّيّارات الكهربائيّة من انبعاث الغازات الدّفيئة، خاصّةً في الدّول الّتي تولّد "الكهرباء الخضراء". سدّ محطّة توليد طاقة كهرمائيّة في السّويد | الصّورة: : Mariusz Hajdarowicz, Shutterstock

 

تقليل الاستهلاك - في البيت أيضًا

ليست السّيّارات الكهربائيّة التّكنولوجيا الوحيدة الّتي يمكنها التّقليل من انبعاث الغازات الدّفيئة، بل هناك وسائل أخرى يشير إليها الباحثون، مثل المضخّات الحراريّة. تعمل الثّلاجات المنزليّة، مكيّفات الهواء، آلات صناعة الثّلج، بعض أجهزة التّدفئة، وغيرها من الأجهزة المشابهة كمضخّات حراريّة للتّبريد أو التّدفئة، وتُعتبَر ناجعة جدًّا من ناحية استهلاك الطّاقة. ويتوقّع الباحثون أنّ الزّيادة في استخدام المضخّات الحراريّة، كبديل لأنظمة التّدفئة المعتمِدة مباشرةً على الوقود، يمكن أن تقلّل من كميّة الكربون المنبعث في العالم بمقدار 0.8 جيجا طن سنويًّا حتّى عام 2050 - كمية  تعادل انبعاث الكربون الكلّيّ في ألمانيا كلّها اليوم.

يوضح قائد فريق البحث فلوريان كنوبلوخ من جامعة نايميخن في هولندا: "إنّ فكرة زيادة انبعاث الكربون جرّاء استخدام السّيّارات الكهربائيّة والمضخّات الحراريّة هي مجرّد خرافة". ويتابع: "أدركنا أنّ هناك معلومات مغلوطة كثيرة تُنشَر حول هذا الموضوع، ودراستنا تدحضها بشكل لا لبس فيه".

تحفّز نتائج البحث الحكومات الّتي تسعى إلى الحدّ بشكل كبير من انبعاث ثاني أكسيد الكربون. مع ذلك، ليس هذا حلًّا ناجعًا للجميع، إذ لا تزال دول كثيرة تواجه مشكلة في تطوير موارد الطّاقة النّظيفة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلّب الانتقال إلى تقنية  تعمل بالاعتماد على الكهرباء إنشاء بنى تحتيّة واسعة لدعمها، مثل توفير محطات شحن، ما يتطلب بذل جهود كبيرة. كما يُخبر الخبراء أنّه بالإضافة إلى الانتقال إلى السّيّارات الكهربائيّة، يجب التّخفيف من استعمال وسائل النّقل الخاصّة. ستخبرنا الأيّام ما إذا كانت نتائج هذا البحث والأبحاث الشبيهة به ستُحدِث تغييرًا ملموسًا في العالم كله.

 
 
الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
التدقيق العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات