إرسال الصواريخ الضخمة، الجدل حول الرحلات إلى القمر، قرار جمع العيّنات من المريخ، المهمّة الصينيّة المثيرة والقنطور من حافّة النظام الشمسيّ.

ركوب الصواريخ الضخمة

شهد هذا العام إطلاقين بارزين لصواريخ كبيرة، حيث نُفّذ الإطلاق في 16 كانون الثاني من قبل شركتي "بلو أوريجين"؛ Blue Origin، و "سبيس إكس"؛ SpaceX.  بعد سنوات من التأخير والتأجيل، أطلقت شركة "بلو أوريجين"  رحلتها التجريبيّة الأولى لِصاروخها الثقيل، "نيو جلن" ؛New Glenn،. أُطلق الصاروخ من مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا، خلال نافذة إطلاق استمرت لثلاث ساعات، بدأت الساعة الثامنة صباحًا حسب التوقيت المحلّيّ في البلاد.

تأخر إطلاق "نيو جلن"، بسبب صعوبات تقنيّة واقتصاديّة واجهت شركة "بلو أوريجن"، فقد شُرِع بتطويره قبل أكثر من عقد من الزمن، وخُطّط إطلاقه سنة 2020. أُعِدَّ التخطيط لإطلاق قمرين صناعيّين صغيرين تابعين لِناسا إلى المريخ ضمن أوّل إطلاق للصاروخ، إلّا أنّ وكالة الفضاء تنازلت عن ذلك بعدما اتّضح أنّه لن يكون جاهزًا للإطلاق في النافذة الزمنيّة المتاحة من سنة 2024. بدلًا من ذلك، قررت الشركة تنظيم عمليّة إطلاق منظومة من صنعها: صُمّم الصاروخ "نيو جلن" الثقيل لنقل حمولة تصل إلى 45 طنًّا، ووضعها في مسار حول الكرة الأرضيّة، مثل إطلاق الأقمار الصناعية، وحمولة أصغر في مسارات أخرى، من ضمنها مسارات إلى القمر وكواكب سيّارة أخرى، إلى جانب إتاحة فرصًا للسياحة الفضائية. تشمل هذه الحمولات مركبة الهبوط القمرية (Lunar lander) "بلو مون" Blue Moon، المصممة لنقل البضائع والأشخاص إلى القمر، والّتي تعمل الشركة على تطويرها من ضمن مشروع أرتميس (Artemis) التابع لوكالةـ ناسا. كما تخطط الشركة لاستخدام "نيو جلن" لإرسال أجزاء محطّة الفضاء الخاصّة، والّتي تُخطّط الشركة تشغيلها، إلى الفضاء. يهدف هذا الإطلاق إلى استعراض  قدرات الشركة على المناورة في الفضاء، وقدرتها على إطلاق الحمولات إلى مسارات متعدّدة في عمليّة إطلاق واحدة. 

عند مقارنة "نيو جلن" بصواريخ شركة  "سبيس إكس"، نرى أنه يتمتع بقدرات مشابهة لصاروخ "فالكون الثقيل"؛ Heavy Falcon ، لكنه يتميز بتقنيات أحدث، مثل تلك المستخدمة في المركبة الفضائية "ستار شيب"؛ Starship. فعلى سبيل المثال، يعتمد وقود كلاهما على الميثان والأوكسجين، مما يجعلهما أكثر كفاءة واستدامة.

وفقًا لشركة "بلو أوريجين"، من المفترض أن تكون المرحلة الأولى لـ"نيو جلن" مزودة بنظام إطلاق للاستخدام المتجدّد (Reusable launch vehicle)، وأن يهبط بشكل عموديّ على منصّة مخصّصة له في البحر، وهو أمر لم يُنفذ في معظم عمليّات الإطلاق التجريبيّة لِصاروخ "فالكون الثقيل". لاحقًا، تسعى الشركة إلى أن تكون المرحلة الثانية أيضًا متجددة الاستخدام. 

 أما شركة "سبيس إكس"، خططت إطلاق الرحلة التجريبيّة السابعة لمنظومة ستارشيب (ٍStarship) في 16 كانون الثاني 2025. أُطلقت هذه الرحلة من قاعدة الشركة جنوبي تكساس، وكسابقاتها، كانت دون مدارية (Sub-orbital)، حيث حلّقت في مسار منحن على شكل قوس حتى ارتفاع 250 كيلو متر تقريبًا، دون أن تدخل في مسار حول الكرة الأرضيّة. كان من المقرر أن تهبط المركبة في المحيط الهنديّ مع نهاية المناورة الّتي تُحاكي فيها هبوطًا عموديًّا يتمّ التحكّم به من الأرض ولكن في منطقة أعلى من فوق سطح الماء. تتألف عملية الإطلاق من المركبة الفضائية "ستارشيب"، والصاروخ المعزز "سوبرهيفي"؛SuperHeavy booster. تعتبر أبرز أهداف هذه الرحلة هي محاولة إعادة "سوبرهيفي" مباشرة إلى منصة الإطلاق، كما حصل بنجاح في الرحلة التجريبيّة الخامسة، ولكن لم يتمّ تجريبه في الرحلة السادسة. 

تمّ تخطيط العديد من التحديثات التي ستستخدم في الرحلات المستقبلية، وعلى رأسها وضع الأقمار الصناعيّة في الفضاء. من المفروض أن تُطلق المركبة الفضائية "ستارشيب" خلال الرحلة عشرة أقمار صناعيّة وهميّة تشبه شكل وحجم أقمار "ستار لينك"؛ Starlink - وهي شبكة إتّصالات الأقمار الصناعيّة التابعة لـ "سبيس إكس". ستسقط هذه الأقمار الصناعيّة هي الأخرى في المحيط الهندي، ولن تبقى كنفايات في الفضاء. 

سوف يتمّ اختبار تحديثات إضافيّة في هذه التجربة، تشمل موادّ جديدة دُمجت في درع المركبة الواقي من الحرارة، وطبقة واقية إضافيّة تحت لبِنات الوقاية، وتغيير الطلاء الحراريّ لأجنحة المركبة الفضائيّة وشكلها، وذلك لتحسين مقاومة المركبة للحرارة عند عودتها ومرورها بالغلاف الجويّ إلى الأرض. كما وستؤدّي إعادة تخطيط منظومة الدفع والتحريك إلى زيادة كميّة الوقود في المركبة بنسبة 25 بالمئة. 

الخطوة المحدثة الأخرى، هي دمج أوّل مُحرّك معاد التدوير في صاروخ الإطلاق. واحد من ثلاثة وثلاثين محرِّكًا للصاروخ المعزز "سوبرهيفي"  أُستخدم مسبقًا في رحلة الطيران الخامسة. إنّها خطوة أخرى في طريق تحويل "ستار شيب" إلى منظومة متعدّدة الاستخدام حقيقةً، مثل صواريخ "فالكون 9"؛ Falcon 9، والّتي أُطلقت مرحلتها الأولى أكثر من عشر مرّات. 

يجري التخطيط في "سبيس إكس" لِرحلات كثيرة تقوم بها "ستارشيب" في السنة الجارية. قد تقفز المركبة الفضائية درجةً نوعيّة في التجربة التالية، في حال تكلّلت رحلة الطيران السابعة بالنجاح، لِتشمل الانخراط في مسار حول الكرة الأرضيّة، وتشغيل المحرّكات من أجل العودة الى الغلاف الجويّ. 


عهد جديد من السباق بالصواريخ الثقيلة؟ صاروخ نيو جلن على منصّة الإطلاق في فلوريدا، بانتظار أوّل إطلاق له | تصوير: Blue Origin

التوقّف على القمر في الطريق إلى المريخ؟ يتعلّق بمن نسأل

يجري مشروع أرتميس - والّذي تخطّط وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا، في إطاره، إنزال أشخاص على القمر في العقد الحالي للمرّة الثانية-  تحت مظلّة أكثر اتّساعًا تُسمَّى "من القمر إلى المريخ" (Moon to Mars). والمقصود هو أن يتمّ استخدام النشاط البشريّ على القمر، والّذي يشمل إقامة محطّة للمكوث لمدّة طويلة، أيضًا في اختبار وتطوير تقنيّات تتيح- بعد إجراء التعديلات المناسبة- استخدامها في المهامّ المأهولة إلى المريخ. تشمل هذه التقنيّات البنى التحتيّة للاتّصال والمِلاحة، إنتاج الطاقة، تعدين المعادن، البناء، المركبات وغيرها. 

تشارك شركة "سبيس إكس" هي الأخرى في هذا البرنامج: تمّ اختيار مركبتها الفضائيّة "ستارشيب" لاستخدامها كمركبة هبوط في المهامّ المأهولة، ومن المفروض أن تُطلق الشركة مشاريع أخرى في إطار البرنامج، مثل مركبات لِتزويد الموارد لِمحطّة الفضاء، والّتي تخطّط ناسا وضعها في مسار حول القمر. حظيت "سبيس إكس" بعقود من وكالة الفضاء بلغت مليارات الدولارات، وذلك لتطوير هذه الإمكانيّات. إلّا أنّ إيلان ماسك (Elon Musk)، مؤسّس "سبيس إكس" ومديرها العامّ وأحد أقوى الشخصيّات في صناعة الفضاء الأمريكيّة والعالميّة، أعلن تحدّيه لتصوّرات ناسا ومفاهيمها، إذ نشر تغريدة في نهاية الأسبوع، نصّها "نحن متّجهون نحو المريخ مباشرة، القمر هو تضليل".

انتقد ماسك قبل ذلك ببضعة أيّام برنامج أرتميس بشكل مباشر وعلنيّ، عبر تغريدة، أنّ "طريقة بنائه (البرنامج) غير ناجعة إلى حدِّ كبير، ويجري التركيز فيها على توفير العدد الأكبر من فرص العمل، وليس على الكميّة الأكبر من النتائج. يتطلّب الأمر شيئًا جديدًا للغاية". 

لقد تحدّث ماسك منذ فترة طويلة عن تطلّعاته لإنشاء مستوطنة مأهولة على المريخ، بالاستعانة بمركبات "ستارشيب". كما وقال، عدّة مرّات، إنّ هذا هو سبب إنشائه "سبيس إكس" منذ البداية. صرّح ماسك أنّه ينوي إطلاق مركبات "ستار شيب" غير مأهولة إلى المريخ خلال نافذة الإطلاق الزمنيّة من سنة 2026، وأنّه يصبو إلى إرسال رحلات مأهولة، إذا هبطت المركبات غير المأهولة بسلام، في نافذة الإطلاق الزمنيّة التالية، سنة 2028. 

ومع ذلك، لم يعتد ماسك، قبل نشره تلك التغريدات، انتقاد وكالة الفضاء بشكل علنيّ. أمّا الآن فقد تغيّر الوضع، على ما يبدو نظرًا للتغيّرات السياسيّة. ماسك هو أحد الأشخاص المقرّبين من دونالد ترامب (Donald Trump)، رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة المنتخب، وقد أُعِدَّت له وظيفة مستشار للحكومة برتبة موازية لرتبة الوزير، وسيتمّ تعيينه القائم على زيادة نجاعة المؤسّسات الحكوميّة. وناسا هي من ضمن هذه المؤسّسات، علمًا بأنّه يحصل منها على مليارات الدولارات لصالح أعماله الخاصّة، كما وتتأثّر هذه الأعمال بسياستها.

لم يكشف ماسك عن تفاصيل نواياه العمليّة بعد. قد يخسر ماسك مليارات الدولارات في حال ألغى عقوده مع ناسا. ليس هذا فحسب، بل قد تتحوّل الأموال إلى شركة "بلو أوريجن" الّتي يمتلكها جيف بيزوس (Jeff Bezos)، غريمه في الأعمال والتجارة. تُطوّر "بلو أوريجن" هي الأخرى، ضمن مشروع أرتميس ، مركبة مأهولة للهبوط على القمر، وتقوم، كما ذكر آنفًا، بتطوير صاروخ إطلاق ثقيل. لا يُشكّل هذا الصاروخ، في الواقع، تحدّيًا حقيقيًّا لـ"ستار شيب"، إلّا أنّه قد يدعم جوانب أخرى من البرنامج القمريّ.

وإمكانيّة أخرى هي أن يضغط ماسك لتغيير سياسة وكالة الفضاء وإلغاء مشروع أرتميس  وتوظيف موارده لِمشروع الرحلات إلى المريخ، والّذي تقوده شركته. قد لا يكون ذلك أخلاقيًّا ومهنيًّا، لكنّه يبدو أكثر وأكثر معقولًا، إذا أخذنا في الحسبان أنّ المرشّح لرئاسة ناسا هو زميل ماسك وزبونه، الملياردير جارد ايزكمان (Jared Isaacman)، والّذي قاد مهمّتين فضائيّتين خاصّتين في المركبة الفضائيّة "دراجون"؛ Dragon التابعة لـ "سبيس إكس". 

من الواضح أنّ هناك عدّة إمكانيّات وسطيّة أخرى، مثل تعديل مخطّط برنامج أرتميس ، بحيث يشمل عددًا محدودًا من المهامّ القمرية تتبعها مهامّ إلى المريخ. وقد تتنازل ناسا عن استخدام مركباتها الفضائية "أوريون"؛ Orion، ونظامها للإقلاع الفضائي (Space Launch System، وباختصار SLS)،  لصالح استخدام مركبات "سبيس إكس" الفضائيّة في الطريق إلى القمر. 

لم ترُدّ وكالة ناسا رسميًّا على تصريحات ماسك، إلّا أنّ مسؤولين كبارًا في الوكالة أبدوا تحفّظات على فكرة تخطّي القمر، والطيران مباشرة إلى المريخ. صرّح مايكل شابل (Michael Chappell)، أحد أعضاء فريق تخطيط الرحلات إلى المريخ في وكالة ناسا، في مؤتمر أقامه المعهد الأمريكيّ للملاحة الجويّة والفضائيّة (American Institute of Aeronautics and Astronautics، وباختصار AIAA)، أنّ "القمر هو حلبة اختبار ممتازة لصالح ما نُعدّه من تطويرات لرحلات المريخ. أرى أنّه من الضروريّ أن نعود إلى القمر قبل أن نتوجّه إلى المريخ". وأضاف قائلًا: "تنقصنا المعرفة فيما يتعلّق بالتأثيرات الصحيّة للمهامّ الطويلة في الفضاء العميق، والّتي هي ضروريّة لِلرحلات إلى المريخ. إنّها أمور يمكن أن نتعلّمها من المهامّ إلى القمر بشكل أسرع". 

وتطرّق جيرميا مَكنات (Jeremiah Mcnatt)، وهو خبير تكنولوجيّ كبير لمنظومات الطاقة في الوكالة، إلى الموضوع قائلًا: "هناك الكثير الكثير من تقنيّات الطاقة الّتي يمكن اختبارها في مجال إنتاج الكهرباء وتخزينها، إلى جانب الكثير من الفرص الّتي ستُفتح أمامنا في حال أجرينا ذلك على القمر". 


سيحدث ذلك أم لا؟ محاكاة ستارشيب بهيئة مركبة هبوط مأهولة على القمر، المفروض أن يتمّ ذلك في إطار مشروع أرطميس | المصدر: SpaceX/NASA

جمع العيّنات من المريخ: قرار بعدم اتّخاذ القرار

قامت مركبة المريخ بريسيفرنس (Perseverance) الّتي بدأت عملها قبل حوالي أربع سنوات أرضيّة،  بجمع عشرات العيّنات من تربة الكوكب وتخزينها في حاويات محكمة الإقفال،خلال فترة مكوثها. كان من المفروض أن تُرسل هذه الحاويات إلى الأرض في إطار مهمّة مستقبليّة خطّطت وكالة الفضاء ناسا القيام بها سويّة مع وكالة الفضاء الأوروبيّة، إلّا أنّ وكالة ناسا أعلنت في العام الماضي عن إلغاء البرنامج، وذلك في أعقاب التأخيرات الكثيرة والتوقّعات بأنّ العيّنات من المريخ لن تصل إلى الكرة الأرضيّة قبل سنة 2040. 

دعت وكالة ناسا شركات خاصّة، وذلك لتقديم عروض لإحضار العيّنات من المريخ بتكلفة أقلّ وجدول زمنيّ أقصر. حصلت الوكالة على عروض من إحدى عشرة شركة أو مجموعة. أعادت الوكالة، بتزامن مع فحص العروض، فحص مخطّط المهمّة. 

توصّل خبراء الوكالة، وفقًا للبيان الّذي صدر عنها هذا الأسبوع، إلى أنّه يمكن لِصاروخ الإطلاق الّذي ينطلق من المريخ حاملًا معه العيّنات إلى الأرض أن يكون أصغر ممّا كانوا يعتقدون. يمكن، بناءً على ذلك، إنزال مركبة المهمّة على المريخ بنفس الأسلوب الّذي أُنزلت به مركبتا الطرق الوعرة الكبيرة- بريسيفرنس وكيوريوسيتي (Curiosity). تُحلّق  مركبة الهبوط، بهذه الطريقة، من فوق سطح المريخ باستخدام محرّك صاروخيّ، ثمّ تُدلي بحمولتها باستخدام الكوابل، ويضمن ذلك هبوطًا سلسًا  للغاية. 

أعلنت وكالة ناسا، وفقًا لذلك، أنّها تدرس مخطّطَين لإكمال المهمّة- أحدهما بهذه الطريقة، أمّا الآخر، فهو بصاروخ يهبط عموديًّا على المريخ وينطلق منه حاملًا معه العيّنات. لم تُذكر أسماء شركات في بيان ناسا، إلّا أنّه لا توجد سوى شركتَين أمريكيّتَين تُنفّذان بشكل دائم هبوطًا عموديًّا متحكّمًا به للصواريخ- وهما: "سبيس إكس" و"بلو أوريجين". ربما كان هذا هو مصدر موجة العناوين المضللة الّتي ادّعت أنّ ناسا سوف تختار إحدى هاتَين الشركتَين للقيام بالمهمّة. ربّما يحدث ذلك لاحقًا، لكنّ القرار لم يُتّخذ بعد. 

أعلنت الوكالة في خلاصة الأمر أنّها ما زالت، في الوقت الحالي،  تطوّر العروض الّتي تناسب أحد هذَين المخطّطَين، وأنّها ستتّخذ القرار في السنة القادمة. صاغت مجلّة نيويورك تايمز ذلك بعنوان أصاب الهدف: "تركت ناسا القرار، بشأن كيفيّة إحضار الحجارة من المريخ إلى الكرة الأرضيّة، لِترامب".


تبحث عمّا ينقلها إلى الأرض. بعض حاويات عيّنات التربة الّتي جمعتها مركبة المريخ برسيفيرنس، في انتظار مركبة تنقلها إلى صاروخ الإطلاق | المصدر: NASA/JPL-Caltech/MSSS

الصين والتزوّد بالوقود في الفضاء

افتتحت الصين سنة 2025 بإطلاق موفّق للقمر الصناعيّ شي جيان  25 (Shijian-25) والّذي صُمّم لتمثيل القدرة على تزويد الأقمار الصناعيّة بالوقود وهي في مسارها، وتمديد فترة تشغيلها. تمّ إطلاق القمر الصناعيّ من على صاروخ Long March 3B من مركز الفضاء شينجيانغ الموجود في جنوب غرب الصين، واندرج في مساره المخطّط

طوّرت أكاديميّة تكنولوجيا الفضاء في شنغهاي (SAST)، وهي أحد أذرع رابطة الطيران والفضاء الصينيّة CASC، هذا القمر الصناعيّ. لم تنشر أيّة من هاتَين المؤسّستَين صورة له أو أيّة معلومات أخرى عن مهمّته. أُطلق القمر الصناعيّ إلى مسار انتقالي ثابت جغرافيًا (geostationary transfer orbit، وباختصار GTO)، والّذي يُستخدم ممرًّا للاندراج في مدار ثابت بالنسبة للأرض- على ارتفاع 36 كيلومترًا تقريبًا- وهو مدار يبقى القمر الصناعيّ الذي يدور فيه دائمًا، فوق نفس النقطة من الكرة الأرضيّة، ما يجعله المدار المفضّل لتثبيت أقمار الاتّصالات الصناعيّة الكبيرة. يحتمل أنّه من المفروض أن يلتصق القمر الصناعيّ الجديد بمثل هذا القمر الصناعيّ ويزوّده بالوقود. الوقود مُخصَّص لتصحيح المدار، ما يتيح تمديد فترة عمل القمر الصناعيّ لسنوات إضافيّة.

يبدو أنّ هذا المشروع يشبه كثيرًا ما تقوم به شركة أسطروسكيل (Astroscale)، صاحبة مركز تطوير في البلاد، إذ تطوّر ضمنه تقنيّات لإطالة فترة حياة الأقمار الصناعيّة. القمر الصناعيّ الصينيّ هو بمثابة مهمّة استمراريّة "لِشيجيان- 21"، والّذي أُطلق قبل أربع سنين، والتصق بِقمر اتّصالات صناعيّ قديم وسحبه إلى مدار أكثر ارتفاعًا، يُسمَّى "المقبرة"، حيث سيدور سنوات كثيرة دون أن يشكّل خطرًا على أقمار صناعيّة أخرى ولا يزيد من النفايات في الفضاء. تشبه هذه المهمّة هي الأخرى في طبيعتها مشروع أسطروسكيل، الّتي حازت على مناقصة الحكومة اليابانيّة لتمثيل عمليّة إخلاء قمر صناعيّ، إلّا أنّ هذه  المهمّة لم تخرج بعد إلى حيّز التنفيذ. 

توجد لنوعَي المهامّ- إخلاء النفايات الفضائيّة وتزويد الأقمار الصناعيّة بالوقود- ميزات متشابهة، أهمّها الاتّصال الجسميّ بقمر صناعيّ لم يكن قد خُطِّط له في الأصل. يشير تقدّم الصين في هذا النوع من التقنيّات مرّة أخرى إلى قدراتها العالية في مجال الفضاء، وإلى طموحاتها المعلنة في اعتلاء القمة في هذا المجال. سجّلت الصين 68 عمليّة إطلاق موفّقة إلى مدارات حول الكرة الأرضيّة سنة 2024، ما يزيد بعمليّة إطلاق واحدة عن السنة الّتي قبلها، لكنّه أقلّ كثيرًا من مئة عمليّة إطلاق، هو عدد الإطلاقات الّتي يبدو أنّ الصين تنوي تحقيقه هذا العام. 


يبدو أنّه يُمثّل القدرة على إطالة فترة حياة أقمار الاتّصالات الصناعيّة. إطلاق القمر الصناعيّ شي جيان- 25 هذا الأسبوع  | تصوير: Ourspace

هل هذا مذنّب؟ هل هو كُويكب؟ إنّه قنطور!

يكتظ نظامنا الشمسيّ بِالأجرام السماويّة الصغيرة، والّتي تدور حول الشمس وتحتفظ داخلها على رموز عن التركيب الكيميائيّ للنظام الشمسيّ في أيّامه الأولى، وتاريخ تطوّره. الكويكبات والمذنبات هما اثنان من هذا النوع من الأجسام. الغالبيّة العظمى من الكويكبات هي أجسام صخريّة، بينما تتكوّن المذنّبات عادة من الجليد والغبار. يذوب جزء من الجليد عندما يقترب المذنّب من الشمس، ويكوّن مع الغبار المنبعث ذيلًا تمتاز به المذنّبات. 

القنطور هو النوع الثالث من تلك الأجرام السماويّة. إنّه يشبه الكائنات الخرافيّة الّذي سُمّي باسمها، بمثابة كائن هجين تندمج فيه خواصّ الكويكبات والمذنّبات. 

حاليًّا، نحن نعرف عددًا قليلًا من القناطير. كايرون (Chiron) هو أحد القناطير المعروفة والمثيرة- إنّه جرم قطره 218 كيلومترًا يدور حول الشمس في مكان ما بين مدارات الكواكب السيّارة زُحل وأورانوس. يشبه كايرون الكويكب في بنيته، لكنّه يقذف الغازات والغبار أحيانًا، كما تفعل المذنّبات، وتحيط به حلقة رقيقة من الغبار، كما لبعض الكواكب السيّارة.

استعان العلماء، في دراسة حديثة، بمقراب (تليسكوب) جيمس ويب، لفكّ شيفرة التركيب الكيميائيّ لِكايرون. اكتشف الباحثون، وعلى رأسهم نعومي بينيا ألونسو (Noemí Pinilla-Alonso)، من جامعة أوفييدو الإسبانيّة، أنّ الغازات المنبعثة من كايرون تشمل قائمة طويلة من مركّبات الكربون البسيطة: ثنائي أوكسيد الكربون، أحادي أوكسيد الكربون، الإيثان، البروبان، الأسيتيلين، الميثان وبخار الماء. بقيت مركّبات ثنائي أوكسيد الكربون والماء، حسب ما يعتقد الباحثون، في كايرون منذ فجر الأيّام الأولى للمجموعة الشمسيّة، في حين تشكّلت المركبات الأخرى في مراحل لاحقة. 

تقول بينيا ألونسو: "يبدو، اعتمادًا على البيانات المستمدّة من مشاهداتنا عبر مِقراب جيمس ويب، أنّه لا وجود لِقنطور نموذجيّ ومعياريّ"، وتابعت: "يبدو أنّ لكلّ قنطور نشِط نشاهده غرابة تميّزه. لكن ليس من المعقول أن تكون جميعها شاذّة. نحن بحاجة لتفسير السلوك المختلف لجميع القناطير، أو أنّ هناك شيئًا مشتركًا فيما بينها لم نره بعد".


عالم غريب يعجّ بالأسرار التاريخيّة. كايرون بعيون الفنّان | المصدر: Celestia Team/Wikimedia Commons/GNU General Public License

0 تعليقات