يُعدّ قرار منظّمة الصّحّة العالميّة بتصنيف التّلك (الطّلْق) ضمن الموادّ الّتي يُشتبه بشكل معقول في أنّها مسبّبة للسّرطان قرارًا مثيرًا للجدل. كيف تحّدد المنظّمة ما إذا كانت موادّ معيّنة قد تسبّب السّرطان؟
نظرًا لتعرّضنا بشكل يوميّ لمجموعة واسعة من الموادّ الكيميائيّة، من الضّروريّ توخّي الحذر خاصّة فيما يتعلّق بالموادّ المسبّبة للسّرطان، أو تلك الّتي يُشتبه في أنّها مسبّبة للسّرطان. تلعب منظّمة الصّحّة العالميّة (World Health Organization، باختصار (WHO) دورًا مهمًّا في تقييم المخاطر المرتبطة باستخدام الموادّ، وذلك من خلال ذراعها البحثيّة: الوكالة الدّوليّة لأبحاث السّرطان (International Agency for Research on Cancer، باختصار IARC). تُصنّف هذه الوكالة الموادّ والعوامل الأخرى إلى أربع فئات وفقًا لاحتماليّة تسبّبها في السّرطان لدى البشر، وذلك بهدف مساعدة صُنّاع القرار في السّياسات (الإجراءات) الصّحّيّة في جميع أنحاء العالم على اتّخاذ قرارات مستنيرة ومدروسة بكلّ ما يؤثّر على الصّحّة العامّة. مع ذلك، يزعم منتقدو التّصنيف أنّه لا يقدّم المعلومات بشكل كافٍ ممّا يجعله غير مفيد.
تتضمّن المجموعة 1 العوامل الّتي أُثبِتَ أنّها مسرطنة بشكل مؤكّد للبشر، بما في ذلك الأشعّة فوق البنفسجيّة، التّبغ، الأسماك المملّحة على الطّريقة الصّينيّة والكحول. أمّا المجموعة 2A، فتضمّ الموادّ والعوامل الّتي يُشتبه بشكل معقول أن تكون مسرطنة للبشر، ومن ضمنها المنشّطات البنائيّة (Anabolic steroid) والعمل في نوبات (دوريّات) ليليّة، مع العلم بعدم وجود أدلّة كافية بخصوص البشر، بالمقابل وجود أدلّة كافية بخصوص حيوانات مخبريّة. تتضمّن المجموعة 2B الموادّ والعوامل الّتي لا توجد أدلّة كافية على تسبّبها في السّرطان لدى البشر أو الحيوانات المخبريّة، مثل مستخلص الصّبّار "الألوفيرا"، البنزين، والمخلّلات الآسيويّة التّقليديّة. أمّا العوامل غير المصنّفة على أنّها مسرطنة للبشر، إمّا بسبب نقص المعلومات أو معلومات غير قاطعة عنها، مثل الزّئبق والكافيين والنّفط الخام، فإنّها تُصنّف ضمن المجموعة 3. في أسفل التّصنيف تأتي المجموعة 4، حيث تحتوي على عوامل غير محتملة أن تكون مسرطنة للبشر.
إنّ تصنيف الموادّ والعوامل ضمن مجموعة معيّنة يشير فقط إلى مدى احتماليّة تسبّبها للسّرطان لدى البشر، وذلك استنادًا إلى الأدلّة العلميّة الّتي توفّرها الوكالة الدّوليّة لبحوث السّرطان. مع ذلك، لا يحدّد هذا التّصنيف ما هو مستوى الخطر الّذي قد تشكّله المادّة، إن وُجد، أو مدى الخطر المرتبط بتعرّض معين، أو ما هي درجة التّعرّض الّتي تُعتبر خطيرة.

معدن شائع، يحتوي بشكل أساسيّ على الأكسجين والسيليكون والمغنيسيوم. تركيبة التّلك | رسم توضيحيّ: Materialscientist, CC BY-SA 3.0, via Wikimedia Commons
التّلك معدن شائع، يحتوي بشكل أساسيّ على الأكسجين، السيليكون والمغنيسيوم. يُستخدم التّلك على نطاق واسع في العديد من الصّناعات، بما في ذلك الأغذية والأدوية، ومستحضرات التّجميل لصنع الألوان. يتعرّض الأفراد للتّلك بشكل رئيسيّ من خلال الابتلاع، أو الاستنشاق العرضيّ، أو عند استعماله على الجلد كمسحوق "بودرة". يُستعمل التّلك بالأساس في منطقة العِجان (Perineum) الواقعة بين فتحة الشّرج والأعضاء التّناسليّة الخارجيّة، ممّا قد يؤدّي لانتقاله إلى أعضاء الحوض لدى النّساء والأطفال. يُعتبر العاملون في استخراج التّلك أو إنتاجه أو تصنيع منتجات تحتوي عليه معرّضين بشكل كبير لخطر التّعرّض له، وخاصّة عن طريق الاستنشاق.
نشرت مجموعة الأبحاث التّابعة للوكالة الدولية لبحوث السّرطان هذا العام ملخّصًا للاستنتاجات الجديدة حول التّلك، وقرّرت نقله من المجموعة 2B - مادّة من الممكن أن تكون مسرطنة - إلى المجموعة 2A - مادّة يُشتبه بشكل معقول في أنّها مسرطنة لدى البشر. من المتوقّع إصدار الوثيقة الكاملة لهذه الاستنتاجات خلال عام 2025. حتّى الآن، أشارت بعض الدّراسات إلى ارتباط استخدام مسحوق التّلك في منطقة الأعضاء التّناسليّة بسرطان المبيض، رغم أنّ هناك عدد غير قليل من الدّراسات الّتي لم تجد مثل هذه الصّلة. كما أظهرت النّتائج إلى أنّ التّعرّض للتّلك أدّى إلى تطوّر أورام سرطانيّة في الحيوانات، على سبيل المثال في الرّئتين والغدد فوق الكلويّة (Adrenal gland)، ولكن ليس في المبايض. هل يشكّل استعمال مسحوق التّلك في الحياة اليوميّة خطرًا حقيقيًّا؟
كيف يعمل هذا؟
تنصّ مبادئ عمل الوكالة على أهمّيّة التّوصّل إلى تقييم شامل يرتكز على أدلّة من ثلاثة أنواع من المصادر: الحيوانات، البشر وآليّات العمل. تُصنّف هذه الأدلّة حسب درجة تعكس موثوقيّتها: قويّة، كافية، محدودة، أو غير كافية. نشرت المجموعة ملخّص الاستنتاجات بعد مراجعة كمّيّة كبيرة من المعلومات، بدرجات متفاوتة من الموثوقيّة، وتوصّلت إلى أنّ هناك أدلّة محدودة على سرطان المبيض لدى البشر، وأدلّة كافية في التّجارب على الحيوانات، وأدلّة قويّة في مزارع الخلايا البشريّة تشير إلى أنّ التّلك ينشّط آليّات في الخلايا مرتبطة بتطوّر الأورام السّرطانيّة. من الجدير بالذّكر إلى أنّ المجموعة اعتمدت، كلّما أمكن، على الدّراسات الّتي تناولت التّلك الّذي من المرجّح أنّه لم يكن ملوّثًا بالأسبستوس إلى حدّ كبير، نظرًا لأنّ الأسبستوس مادّة مسرطنة معروفة، وبالتّالي، هو مُصنّف ضمن المجموعة 1.
لماذا صُنّفت الأدلّة الّتي تشير إلى الإصابة بسرطان المبيض لدى البشر على أنّها محدودة؟ يعود ذلك إلى أنّ الدّراسات الّتي أشارت إلى علاقة بين استعمال التّلك وسرطان المبيض، قد تحتوي على تأثيرات مخالطة (Confounding factor)، وهي متغيّرات خارجيّة لم يتمّ اعتبارها بشكل صحيح، بحيث قد تؤثّر على النّتائج. قد تؤدّي التّأثيرات المختلطة (العوامل الضّبابيّة) إلى التّوصل إلى استنتاجات خاطئة - ضبابيّة بشأن وجود علاقة سببيّة بينهما، ممّا يثير الشّكّ حول مصداقيّة النّتائج. العامل الضّبابيّ الرّئيسيّ هو وجود الأسبستوس في التّلك. على الرّغم من محاولات المجموعة استبعاد مستحضرات التّلك المحتوية على الأسبستوس من المراجعة، فإنّ العديد من المستحضرات قد تحتوي على الأسبستوس على الرّغم من ذلك، وبالتّالي فمن المستحيل تحديد المادّة المسؤولة عن خطر الإصابة بالسّرطان بشكل قاطع.
الأدلّة الّتي تشير إلى وجود صلة بين استخدام مسحوق التّلك وسرطان المبيض ضعيفة للغاية. صورة مجهر إلكترونيّ ملوّن لخلايا سرطان المبيض | مصدر: Steve Gschmeissner / Science Photo Library
أبحاث جيّدة وأبحاث أقلّ جودة
يشير ملخّص الأدلّة الّتي استندت إليها الوكالة بقرارها إلى دراستين كبيرتين اُجريتا على البشر. شملت الدّراسة الأولى تحليل بيانات لأكثر من 18 ألف امرأة من عدّة دراسات الحالات والشّواهد (Case–control study). تقارن دراسات الحالات والشّواهد بين أشخاص مصابين بمرض معيّن مع أشخاص غير مصابين بنفس المرض، ويسألون الأشخاص عن المسبّب الّذي يقومون بدراسته. سألوا نساء مصابات بسرطان المبيض (المجموعة التّجريبيّة) والنّساء غير المصابات بسرطان المبيض (المجموعة الضّابطة) عن استخدامهنّ المساحيق في منطقة الحوض خلال حياتهنّ، وأظهرت النّتائج زيادة طفيفة في خطر الإصابة بسرطان المبيض لدى النّساء اللّاتي استخدمنها يومًا ما.
ومع ذلك، تواجه دراسات حالة - مقارنة نقديّة العديد من المشاكل. أحدها هو اعتمادها على ذاكرة الأشخاص المشاركين في البحث حول كيفيّة استخدامهم المساحيق قبل سنوات عديدة. كذلك، غالبًا ما يميل المرضى إلى إلقاء اللّوم على موادّ وعوامل تسبّبت في إصابتهم بالمرض وبالتّالي "يتذكّرون" الإفراط في استخدام المساحيق، خاصّة إذا تعرّضوا للعديد من المنشورات في وسائل الإعلام حول الخطر المفترض لمسحوق التلك، والدّعاوى القضائيّة المتعلّقة بهذه القضيّة. وبالإضافة إلى ذلك، لم تقتصر النّساء المشاركات في الدّراسة على استخدام مسحوق التّلك فقط، بل استخدمن أيضًا مساحيق أخرى، مثل مسحوق نشا الذّرة.
إحدى الطّرق للتّغلّب على بعض المشاكل في دراسات حالة - مقارنة نقديّة هي إجراء دراسات الأتراب (Cohort study) الّتي تندرج ضمن الدّراسات المستقبليّة (prospective)، وتُعدّ من أفضل الدّراسات الرّصديّة (observational study) الّتي يمكن إجراؤها. لا تعتمد هذه الدّراسات على ذكريات الأشخاص المرضى بالفعل، بل تتابع المشاركين في البحث من نقطة زمنيّة "صفر" حتّى نقطة زمنيّة معيّنة - لفترة زمنيّة طويلة - وتجمع البيانات حول عاداتهم وحالتهم الصّحّيّة، وتفحص العلاقة بين الاثنين. وبشكل عامّ، لم تجد الدّراسات الّتي بحثت في العلاقة بين استخدام مسحوق التّلك في منطقة الحوض وسرطان المبيض أيّ ارتباط من هذا القبيل.
أمّا الدّراسة الثّانية المذكورة في ملخّص الأدلّة فقد حلّلت بيانات من أكثر من 250 ألف امرأة من دراسات الأتراب المختلفة، ولم تجد أيّ فرق في خطر الإصابة بسرطان المبيض لدى النّساء اللّاتي استخدمن مسحوق التّلك واللّاتي لم يستخدمنه.
أدّى استنشاق التلك إلى زيادة في تطوّر عدّة أنواع من الأورام في الجرذان. باحث ينظر إلى جرذ في المختبر | تصوير: Motortion Films, Shutterstock
عودة إلى استنتاجات الوكالة - لماذا تُعتبر الأدلّة على تطوّر سرطان المبيض لدى الحيوانات كافية؟ أظهرت التّجارب الّتي أُجريت على الجرذان أنّ استنشاق التّلك يزيد من تطوّر عدّة أنواع من الأورام الحميدة والخبيثة. خضعت هذه التّجارب للرّقابة، حيث كان مستوى الموثوقيّة من أنّ التّلك غير ملوّث بالأسبستوس مرتفعًا. ومع ذلك، فإنّ كمّيّة التّلك الّتي تعرّضت لها الحيوانات أكبر بكثير نسبيًّا من الكمّيّة الّتي تعرّض لها البشر، كما أنّ أنواع الأورام الّتي تطوّرت لديهم تختلف عن تلك الّتي يشتبه في تطوّرها لدى الأشخاص المعرّضين للتّلك.
لماذا تُعتبر الأدلّة على آليّات العمل المرتبطة بتطوّر سرطان المبيض قويّة؟ عند مقارنة خصائص التّلك وتأثيراته المحتملة في الجسم مع تأثيرات الموادّ الأخرى المعروفة بأنّها مسببة للسّرطان، يظهر تشابه في آليّات عملها. على سبيل المثال، قد يسبّب التّلك التهابًا مزمنًا، بالإضافة إلى الإجهاد التّأكسديّ الّذي قد يؤدّي إلى موت الخلايا، ويمكن أن يؤثّر على نمو الخلايا وانقسامها. في هذا السّياق أيضًا، اعتمد الباحثون على دراسات كانت فيها احتمالات تلوّث التّلك بالأسبستوس منخفضة للغاية.
إذًا، ما الّذي دفع مجموعة الأبحاث التّابعة للوكالة الدّوليّة لبحوث السّرطان إلى تغيير تصنيف التّلك من المجموعة 2B إلى المجموعة 2A؟ كانت الوكالة قد نشرت وثيقة سابقة عن التّلك في عام 2010، الّتي أشارت إلى أنّ الأدلّة على وجود صلة بين استخدام التّلك في منطقة الحوض وسرطان المبيض لدى النّساء كانت محدودة، وهكذا كانت الأدلّة من الدّراسات على الحيوانات. لكن الآن، أُضيفت أدلّة أكثر موثوقيّة، خاصّة فيما يتعلّق بالآليّات الخلويّة، ممّا برّر في نظرهم تغيير التّصنيف.
إذا كانت هناك علاقة بين استخدام مسحوق التلك وسرطان المبيض، فقد يكون ذلك بسبب تلوّث الأسبستوس. صورة المجهر الإلكترونيّ للأموسيت (الأسبستوس البنّيّ) | تصوير: Denver Microbeam Laboratory, U.S. Geological Survey
هناك معارضة
بعد نشر الوثيقة الجديدة للتّلك، ظهرت أصوات تشكّك في إعادة التّصنيف، مدّعية أنّ الأدلّة لم تكن قويّة بما فيه الكفاية، وأنّ التّأثيرات المخالطة (العوامل الضّبابيّة) ربّما أدت إلى استنتاجات خاطئة. أشار بول فارواه (Paul Pharoah)، بروفيسور علم الأوبئة السّرطانيّة، إلى أنّ استخلاص استنتاجات حول البشر استنادًا إلى التّجارب على الحيوانات يعدّ خطأ في هذا السّياق، لأنّ الأدلّة على وجود صلة بين التّلك والسّرطان لدى البشر ضعيفة للغاية، وأشار إلى أنّ الارتباط بين استخدام مسحوق التّلك في المنطقة التّناسليّة وسرطان المبيض قد يكون نتيجة لعوامل مخالطة أخرى، وخاصّة تلوّث التّلك بالأسبستوس. إضافة إلى ذلك، حتّى لو كانت هناك علاقة سببيّة، فإنّ المخاطر المحتملة منخفضة للغاية. وقال: "أرى أنّ الأدلّة مجتمعة تشير إلى أنّ النّساء اللّاتي استخدمن مسحوق التّلك في المنطقة التّناسليّة في الماضي، لا ينبغي لهنّ أن يشعرن بالقلق بشأن خطر الإصابة بسرطان المبيض أو أيّ نوع آخر من السّرطان في المستقبل". ولتعزيز ادّعائه، يمكن الاستشهاد بدراسة أجريت عام 2014، والّتي لم تجد أيّ صلة بين استخدام مسحوق التّلك في منطقة المهبل وخطر الإصابة بسرطان المبيض.
وفقًا لبروفيسور الإحصاء كيفن ماكونواي (Kevin McConway)، لا يوجد مبرّر كافٍ لاعتبار التّلك مادّة أكثر خطورة ممّا كان يُعتقد سابقًا، لأنّ مجموعة البحث نفسها أشارت إلى صعوبة إثبات علاقة سببيّة بالاعتماد على الدّراسات الرّصديّة، نظرًا لاحتمالية وجود تحيّز. مع ذلك، مُنحت هذه الدّراسات وزنًا كبيرًا. كما أشار ماكونواي إلى أنّ فهم دلالات تصنيف الموادّ والعوامل إلى مجموعات ليس بالأمر السّهل، إذ إنّ تصنيفها في مجموعة معيّنة لا يشير بالضّرورة إلى أنّ التّعرّض للمادّة في تركيز معيّن، أو تحت ظروف معيّنة، تزيد من خطر الإصابة بالسّرطان، بل يهدف التّصنيف إلى تقييم الإمكانيّة المحتملة للإصابة بالسّرطان، لكن تحت أيّة ظروف وبأيّة شروط؟ الوكالة لا تتطرّق لهذه الأمور.
في الواقع، صرّحت الوكالة الدّولية لبحوث السّرطان، أنّ تصنيف الموادّ أو العوامل إلى مجموعة لا يحدّد مستوى التّعرّض الّذي يُعتبر خطيرًا، أو تحت أيّة ظروف تُعتبر خطيرة، ولكّنه يشير فقط إلى قوّة الأدلّة، أي درجة الموثوقيّة من أنّ مادّة ما قد تسبّب السّرطان بالفعل. على سبيل المثال، أعلنت الوكالة العام الماضي أنّ المُحلّي الأسبارتام (Aspartame) يُشتبه في أنّه مادّة مسرطنة محتملة (مجموعة 2B)، ولكن في الواقع، للوصول إلى مستوى خطير من الأسبارتام، يتعيّن على الشّخص العاديّ شرب حوالي سبعة لترات من المشروبات السّكّريّة يوميًّا، وهو أمر غير مرجّح. تندرج اللّحوم المصنّعة ضمن الموادّ المسرطنة، ولكنّها لا تُعامل بنفس الطّريقة الّتي يُعامل بها تدخين التّبغ، والّذي يُصنّف في نفس المجموعة. إنّ تدخين علبة سجائر يوميًّا يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرّئة بنسبة 1900%، في حين أنّ استهلاك وجبة يوميّة من اللّحوم المصنّعة يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون بمقدار لا يُذكر. في الواقع، لا يأخذ تصنيف الموادّ في الاعتبار السّياق أو طبيعة التّعرّض أو درجة التّعرّض، والّتي تعتبر مهمّة للغاية لتقييم المخاطر.
اِستنشاق أيّ نوع من المساحيق قد يسبّب مشاكل صحّيّة للأطفال. أمّ، طفل ومسحوق للعناية بجسم الطفل | تصوير: New Africa, Shutterstock
إذا كان هناك شكّ، فلا شكّ؟
إنّ تصنيف مادّة ما على أنّها مادّة مسبّبة للسّرطان قد يكون له آثار واسعة النّطاق على أنظمة الرّعاية الصّحّيّة والصّناعات المختلفة. على سبيل المثال، سحبت شركة "جونسون أند جونسون" منتجاتها المخصّصة للأطفال الّتي تحتوي على التّلك من رفوف المتاجر في الولايات المتّحدة وكندا عام 2020. كما وافقت الشّركة مؤخّرًا على دفع 700 مليون دولار لتسوية دعوى قضائيّة جماعيّة رفعها مستهلكون زعموا أنّ الشّركة ضلّلتهم بشأن سلامة منتجات الأطفال الّتي تحتوي على التّلك. تواجه الشّركة الآن دعوى قضائيّة أخرى من نساء عانَيْن من سرطان المبيض، زاعمات أنّ استخدام منتجات التّلك من إنتاجها تسبّب في مرضهنّ.
أوصت الأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال لسنوات عديدة بعدم استخدام مساحيق الجسم الّتي تحتوي على التّلك لعلاج الرّضّع، واقترحت مسحوق نشا الذّرة كبديل. تبعًا لذلك، قرّرت شركة جونسون أند جونسون تسويق منتجاتها الجديدة الّتي تحتوي على نشا الذّرة في العالم بدءًا من عام 2023. رغم ذلك، إنّ استنشاق نشا الذّرة لدى الرّضّع قد يسبّب مشاكل صحّيّة مثل اضطرابات الجهاز التّنفّسيّ. لذلك، يُنصح باتّخاذ الاحتياطات اللّازمة لتجنّب تعرّضهم للمسحوق في محيطهم القريب.
كما ذكرنا، منذ أن نشرت الوكالة الوثيقة السّابقة عن التّلك، قبل 14 عامًا، تراكمت معلومات جديدة في هذا المجال. ومع ذلك، فإنّ أحدث التّقديرات الصّادرة عن الوكالة الدّوليّة لأبحاث السّرطان لا تزال غير واضحة تمامًا. ومن الواضح أنّ قرار نقل التّلك إلى المجموعة 2A لم يتمّ اتّخاذه بشكل عرضيّ أو بسهولة، لكنّه لم يكن مصحوبًا بأيّ تعليمات من الوكالة بوقف أو تقليل استخدام التّلك، ولم تُقدّم توصيات للاستخدام الآمن، إن وُجدت. وعلاوة على ذلك، لم تعدّل منظّمات أخرى، مثل المعهد الوطنيّ للسّرطان في الولايات المتّحدة (National Cancer Institute، بإختصار NCI)، تقييمها الّذي يفيد بعدم وجود أدلّة كافية تربط بين استخدام مسحوق التّلك وسرطان المبيض.
تؤكّد الآراء المعارضة لقرار الوكالة على وجود تباين في وجهات النّظر، وتبرز أهمّيّة التّمييز بين الخطر المحتمل والخطر المؤكّد للإصابة بالسّرطان. تعترف الوكالة الدّوليّة لبحوث السّرطان بإمكانية أن يسبّب التّلك السّرطان في ظلّ ظروف معيّنة، لكنّها تترك مجالًا للشّكّ، لذا من المتوقّع أن تكون لتغيير التّصنيف عواقب محدودة فقط على المستهلكين. إنّ الاستمرار في البحث في هذا المجال فقط قد يساعد السّلطات الصّحّيّة في جميع أنحاء العالم على تحديد ما إذا كان استخدام مسحوق التّلك يشكّل في الواقع خطرًا حقيقيًّا للإصابة بالسّرطان.