يُعدّ تناول المكمّلات الغذائيّة أمرًا شائعًا جدًّا، ولكن ليست جميعها مفيدة للصّحّة، بل قد يؤدّي بعضها إلى إلحاق الضّرر بها، حتّى لو كانت من مركّبات "طبيعيّة".

جميعنا نستخدم الأدوية من وقتٍ لآخر، ومن المعروف أنّ الإفراط في تناولها قد يسبّب العديد من الآثار الجانبيّة، الّتي قد يكون بعضها غير قابل للعلاج. لذلك، يجب أن تكون هُناك مراقبة طبّيّة على الجرعة الدّوائيّة ومدّة العلاج. بالنّسبة للعديد من الأشخاص، فإنّ نمط الحياة الصّحّيّ لا يشمل النّشاط البدنيّ واتّباع نظام غذائيّ متوازن فحسب، بل يشمل أيضًا، تناولَ مكمّلات غذائيّة. لكن وكما هو الحال مع الأدوية، فإنّ الاستهلاك غير المنضبط للمكمّلات الغذائيّة قد يكون ضارًّا؛ لذا، يجب تناولها باعتدال، واستشارة طبيب/ة العائلة، وأحيانًا قد يكون من الأفضل عدم تناولها على الإطلاق.

"المكمّلات الغذائيّة" هي في الواقع مصدر مركّز من المُغذّيات (Nutrients) المهمّة لصحّتنا، والّتي لا نحصل عليها دائمًا بكمّيّات كافية من الطّعام الّذي نتناوله، وتشمل عادةً فيتامينات، معادن، أحماض دهنيّة، أحماض أمينيّة ومكوّنات عشبيّة، وتُستَهلَك على شكل حبوب، أقراص، مشروبات، قطرات ومساحيق. مؤخّرًا وفي العقود الأخيرة، شهد سوق المكمّلات الغذائيّة العالميّ نموًّا كبيرًا، ومن المتوقّع أن ينمو بشكل أكبر، من قيمة تقدّر بحوالي 130 مليار دولار في عام 2021 إلى حوالي 200 مليار دولار في عام 2028. وتختلف نسبة الأشخاص الّذين يستهلكون المكمّلات الغذائيّة بشكل كبير بين البلدان والسّكّان، وقد تصل إلى حوالي 71 في المائة من إجماليّ السّكّان - وكانت هذه هي الحال في الدّنمارك عام 2015.

في كثير من الحالات، ينصح خبراء التّغذية بتناول المكمّلات الغذائيّة ذات الفوائد الواضحة والمُثبَتَة علميًّا. مع ذلك، فإنّ معظم استهلاك المكمّلات الغذائيّة يتمّ حسب تقدير المستهلكين أنفسهم، دون استشارة الاختصاصيّين مثل الطّبيب/ة أو الصّيدليّ/ة، في المتاجر أو عبر شبكة الإنترنت، لذلك لا يوجد أيّ إشراف طبّيّ من أيّ نوع. إنّ عدم وجود مراقبة وإشراف على العديد من المكمّلات الغذائيّة قد يؤدّي إلى تناول جرعات زائِدة، أو تناول مكمّلات لا فعاليّة مثبتة لها، أو حتّى تناول مكمّلات قد تكون ضارّة.

في بعض الأحيان، هُناك عدم إشراف على المكمّلات الغذائيّة نفسها، لذلك لا يمكننا أن نتأكّد جازمينَ ممّا نتناوله. أظهرت دراسة فحصت تركيب 272 مكمّلًا غذائيًّا مختلفًا أنّ 51 بالمائة منها لا تحتوي على تركيب المكوّنات المذكورة على الملصق. وأظهرت دراسة أخرى فحصت 776 مكمّلًا غذائيًّا أنّ الكثير منها يحتوي، خلافًا للقانون، على المكوّنات النّشطة للأدوية الموصوفة طبّيًّا، وأنّ نحو 20% منها يحتوي على أكثر من مكوّن نشط واحد. توضّح هذه النّتائج مشكلة الافتقار إلى التّنظيم في الصّناعة.


لقد شهد سوق المكمّلات الغذائيّة العالميّ نموًّا كبيرًا في العقود الأخيرة، ومن المتوقّع أن ينمو بشكل أكبر. رفوف المكمّلات الغذائيّة  في المتجر | Shutterstock, Elena_Alex_Ferns

 

ضروريّة، لكن إلى حدٍّ ما!

تتضمّن المجموعة الأكبر والأهمّ من المكمّلات الغذائيّة مكمّلات متعدّدة الفيتامينات (MultiVitamins)، المعادن والأحماض الدّهنيّة (مثل أوميغا 3). جميع هذه الموادّ، بالكمّيّة المناسبة، ضروريّة لعمل الجسم بشكل سليم، ونقصها قد يؤدّي إلى الإصابة بأمراض مختلفة. على سبيل المثال، حمض الفوليك والحديد مهمّان لحملٍ صحّيّ. تساعد مكمّلات الكالسيوم والمغنيسيوم وفيتامين د على بناء وتقوية العظام، ويُوصى بها للأشخاص الّذين يعانون من تخلخل العظام (Osteoporosis). قد يؤدّي نقص فيتامين B12، حمض الفوليك أو الحديد، إلى الإصابة بفقر الدّم، إذ يُعدّ الحديد مكوّنًا أساسيًّا للهيموجلوبين، وتتمثّل وظيفته في نقل الأكسجين من الرّئتين إلى خلايا الجسم. يلعب فيتامين B12 وحمض الفوليك دورًا رئيسيًّا في تكوين الـ DNA، بالتّالي يلعبان دورًا رئيسيًّا في إنتاج خلايا الدّم الحمراء، في حين أنّ النّقص الشّديد في فيتامين C قد يؤدّي إلى مرض الإسقربوط (Scurvy). 

لا شكّ أنّ هذه الموادّ مهمّة للصّحّة، لكن في كثير من الحالات، إنّ النّظام الغذائيّ المُتوازِن سوف يوفّر لنا منها كمّيّة أكبر من الكمّيّة المرجوّ اكتسابها. مع ذلك، إذا كان من الضّروريّ تناول المكمّلات الغذائيّة، فمن المهمّ أن تُستهلَك بطريقة خاضِعة للرّقابة وبجرعتها المناسبة، إذ أنّها قد تسبّب في بعض الحالات آثارًا جانبيّة كبيرة: فقد يؤدّي تناول الكثير منها إلى التّسمّم أو حتّى الموت.

هناك مجموعة أخرى تمثّل حوالي 5 إلى 12 في المائة من إجماليّ المكمّلات الغذائيّة، وهي المكمّلات الّتي تُسمّى "طبيعيّة"، والّتي غالبا ما تكون مستمدّة من النّباتات أو الفطر. على الرّغم من كلمة "طبيعيّة"، فإنّ الحديث هو عن منتجات مرّت بعمليّة مُعالجة، بالتّالي فهي ليست كتلك الّتي تنشأ في الطّبيعة. تتضمّن هذه المجموعة المكمّلات الغذائيّة مثل الكركمين، مستخلصات الشّاي الأخضر، والكافا كافا (Piper methysticum)، الأشواغاندا (Withania somnifera)، والغارسينيا كامبوغيا (Garcinia gummi-gutta) وغيرها. لم تُثبَت ضرورة هذه المكمّلات الغذائيّة للعمل السّليم للجسم علميًّا، وعادةً ما تُباع دون تنظيم أو دون رأي طبّيّ، وتُسوَّق كحلّ لمجموعة متنوّعة من الحالات الطّبّيّة، مثل التّعامل مع التّوتّر، القلق، زيادة الوزن، العجز الجنسيّ، الالتهابات، الألم وأمراض مختلفة.


الفيتامينات والمعادن، بالكمّيّة المناسبة، ضروريّة لعمل الجسم بشكل سليم، ونقصها قد يؤدّي  إلى أمراض مختلفة. اِمرأة حامل تتناول أقراص الدواء | Shutterstock, Nemer-T

مكمّل (غير) جيّد للصّحّة

تشير دراسة واسعة النّطاق أُجريت في الولايات المتّحدة إلى أنّ ما يقرب من 23 ألف زيارة لغرف الطّوارئ كلّ عام، ترتبط بمشاكل طبّيّة ناجمة عن استهلاك المكمّلات الغذائيّة. حوالي 66 بالمائة من زيارات البالغين حدثت بسبب مشاكل تتعلّق باستهلاك مكمّل واحد يُعرف بأنّه عشب طبّيّ أو مكمّل غذائيّ، بخلاف الفيتامينات أو المعادن. وكانت الأعراض الرّئيسيّة الّتي أدّت إلى زيارة غرفة الطّوارئ هي ضربات القلب السّريعة وألم الصدر، وأعراض أُخرى كالصّداع، الدّوار، الغثيان والتّقيّؤ، ردود الفعل التّحسّسيّة والقلق. مصدر حوالي 10 و 25 في المائة من الزّيارات هو استهلاك المنتجات المخصّصة للمساعدة في زيادة الطّاقة أو إنقاص الوزن، على التّوالي.

أظهرت دراسات أُخرى أنّه خلال العشرين سنة الأخيرة ازدادت حالات تَلَف الكبد، نتيجةً استعمال المكمّلات الغذائيّة، إلى درجة الفشل الوظيفيّ الحادّ حتّى الحاجة إلى عمليّة زرع. من أهمّ وظائف الكبد هي إزالة السّموم الّتي تدخل مجرى الدّم وإخراجها خارج الجسم، مع ذلك، فإنّ قدرته محدودة، وعندما يتمّ تحميله بشكل زائد - على سبيل المثال، اِستهلاك غير منضبط للمكمّلات الغذائيّة - فقد يتعرّض للتّلف. في دراسة أُجريت على مدى ما يقرب عقدًا من الزّمان، والّتي فحصت جميع المرضى الّذين أُدخِلوا إلى مركز زراعة الكبد في مستشفى أستراليّ، وجد أنّ ما يقرب من 22 في المائة من جميع حالات تلف الكبد بسبب أدوية أُخرى غير الباراسيتامول (الّتي تُسوَّق في البلاد تحت أسماء أكامول، ديكسامول وغيرها) حدثت بعد استهلاك المكمّلات الغذائيّة وهي ليست فيتامينات ومعادن، مثل المكمّلات الغذائيّة "الطّبيعيّة" المذكورة آنفًا. وظلّت نسبة هذه الحالات من إجماليّ حالات تلف الكبد في تزايد طوال فترة الدّراسة، وفي العامَيْن الأخيرَيْن منها وصلت إلى 47 % من إجماليّ الحالات الّتي حدثت بسبب أدوية أخرى غير الباراسيتامول. تتوافق هذه النّتائج مع دراسات أخرى أُجريت في الولايات المتّحدة، حيث بلغت نسبة المرضى الّذين أصيبوا بتلف الكبد بسبب الأدوية، حوالي 20% من إجماليّ المرضى، ومعظم هذه الأضرار ناجمة عن استهلاك موادّ مثل مستخلصات الشّاي الأخضر، مخاليط الأعشاب التّقليديّة ومنتجات إنقاص الوزن العشبيّة.


لقد شهدت السنوات العشرين الماضية زيادة في تلف الكبد نتيجة لاستخدام المكمّلات الغذائيّة. كبسولات الكركمين، إحدى الموادّ المشتبه في كونها سامّة للكبد | Shutterstock, Pixel-Shot

وفي دراسة أخرى نُشرت في أغسطس/آب 2024، اِستعرضت ستّ موادّ يشتبه في أنّها سامّة للكبد، بحيث يمكن أن يضرّه استهلاكها: الكركم/الكركمين، مستخلصات الشّاي الأخضر، أشواغاندا، أقتى عنقوديّة (Actaea racemosa)، غارسينيا كامبوغيا، وأرز الخميرة الحمراء (Red yeast rice)، ووجدت أنّ حوالي خمسة في المائة من جميع سكّان الولايات المتّحدة يستهلكون واحدة منها بانتظام، وبالتّالي يتعرّضون لخطر تلف الكبد. وكشفت الدّراسة أنّ استهلاك هذه الموادّ أكثر شيوعًا لدى كبار السّنّ والمرضى الّذين يعانون من التهاب المفاصل والسّكّري والأمراض المرتبطة بنشاط الغُدَّة الدّرقيّة.

يحرص الكثير منّا على الحفاظ على صحّتهم، وفي بعض الأحيان قد يكون تناول المكمّلات الغذائيّة مهمًّا ومفيدًا، مع ذلك، من المهمّ الانتباه إلى نوع المكمّلات الغذائيّة الّتي نستهلكها، قراءَة التّعليمات، معرفة المخاطر، الكمّيّات الموصى بها والتّأكّد من عدم تجاوزها. ومن المهمّ معرفة أنّ بعض المكمّلات الغذائيّة، بما في ذلك الّتي تُسوَّق على أنّها من مركّبات "طبيعيّة"، قد تشكّل خطرًا على الصّحّة، لذلك يوصى دائمًا باستشارة الاختصاصيّين وإبلاغ الأطبّاء قبل الاستخدام.

0 تعليقات