يتركّب جسم الإنسان من مليارات الخلايا الّتي لا تتوقَّفُ عَنِ الموت والتَّجدُّد. فبعد أن تُخصِبَ الخليّة المنويّة البُويضةَ، ينتُجُ مبنًى خلويّ، ولكلّ خليّة فيه القدرة على التَّطوُّر إلى خلايا من أنواع كثيرة ومختلفة. تتكاثر الخلايا، وتزدهر وتتمايز لوظائِفَ مختلفة في الجسم. تنقسِمُ الخلايا وتتكاثر في فتراتٍ معيّنة كي يتمكَّنَ الجسم مِنَ النُّموّ، في حين أَنّه في ظروفٍ أُخرى، يحدُثُ موتٌ مُخطَّط ومراقَب للخلايا الاستماتة  (بالإنكليزية: أبوبتوزيس)، بهدفِ مراقبة أَشكالِ تطوُّر الجسم (هكذا تتكوَّنُ، على سبيل المثال، الفراغاتُ بين الأصابع في فترة التّطوّر الجنينيّ)، أو للتّخلُّصِ من خلايا غير ضروريّة. أو بكلماتٍ أخرى "لكلّ زمان، وفترة لكلّ غرض".


ا
لاستماتة (أبوبتوزيس) | رسم توضيحيّ: ويكيبيديا

تكوُّن الوَرَم

عند المخلوقات متعدِّدة الخلايا ، "تعرف" الخلايا متى تتكاثر، وإذا كان القيام بذلك أَصلًا حسب مؤشرات كيميائيّة تستوعبها من بيئتها. عندما يكون ردُّ فعل الخلية غير مُناسبٍ لهذه المؤشرات، وتستمرّ بالانقسام خِلافًا للتعليمات، يُشخِّص الجهاز المناعيّ هذه الخليّة على أَنّها عامل مُعادٍ يحدُّ مِن سلامة الكائن الحيّ. فيقوم بإبادتها. لا ينجَحُ الجهاز المناعيّ في تشخيص السُّلُوك غير السّليم للخلايا في الوقتِ المناسب دائمًا، وحينها تستمرّ الخليّة بالانقسام فيتكوَّنُ الوَرَم.

تتحوّل خليّة عاديّة إلى خليّة سرطانيّة بسبب تغييرات وراثيّة. يمكنُ أن تتراكم الطّفرات وتسبِّبَ السّرطان نتيجة الشَّيخوخة، والعدوى بالفيروسات والبكتيريا، والتّعرُّض للأشعّة، والخلل في نشاط الجهاز المناعيّ وغيره. تُبذَلُ موارِدُ كثيرة منذ سنين في بحث السّرطان وتبذَلُ جهودٌ كبيرة لتعقُّبِ الآليات المكوّنة للحالاتِ السَّرطانيّة.


خلايا سرطانيّة بشريّة، المادّة الوراثيّة مصبوغة بالأزرق، ويمكن رؤية الخليّة الّتي على اليسار في حالة انقسام | صورة: ويكيبيديا

حميد أم خبيث

الوَرَمُ الحميد هو حالة يبدأ فيها نسيجٌ مِنَ الخلايا بالانقسام والنّموّ، في أعقاب تغييرات بجينوم خليّة وحيدة. يحتوي الوَرَمُ الحميد على خلايا عاديّة ليس بإمكانها تكوينُ نقائِل أَورام، أي الزّحف إلى مناطِقَ أبعد. هذه الأورام ضررُها أقلُّ من ضرر الأورام الخبيثة، لكنّها يُمكن أن تُشكِّل ضغطًا ضارًّا على الأنسجة المجاورة لها. أَضِفْ إلى ذلك، أنه في حالات معيّنة، قد يتحوَّلُ الوَرَمُ الحميد إلى وَرَمٍ خبيث.


مِنَ المهمّ متابعة خصائِصِ الشّامات للتّأكُّد من أنّها وَرَمٌ حميد | صورة: ويكيبيديا

يتركّبُ الوَرَمُ الخبيث من خلايا اكتسبت، ولو بشكلٍ جزئيّ على الأقلّ، صفاتٍ تُمكِّنها مِنَ التّوسُّعِ إلى أنسجة مجاورة، أَو قد تنتشر في عمليّة إنتاج نقائِلَ لمناطِقَ إضافيّة في الجسم مع تيّار الدّم أَو مَعَ الجهاز اللّمفاويّ. في حالةٍ كهذه تنتشِرُ الخلايا في أَجهزة النّقل لدى الكائن الحيّ، وتتكوَّنُ أَورامٌ إضافيّة في عمليّة تُسمَّى "ميتاستازيس"..

في الخلايا السَّرطانيّة، ينعكِسُ أثرُ جيناتٍ تُمكِّنها مِنَ الانقسام بشكلٍ غير مراقبٍ، وعدمِ الاستجابة لموادَّ يُفرزها الجسم بهدف كبتها. وكذلك فإنّ باستطاعة خلايا كهذه، أن تجنِّدَ موادَّ نموٍّ لحاجاتها، وأَن تدفع لتكوين أَوعيةٍ دمويّة باتّجاهها، كي تزوِّدَها بالموادِّ الغذائيّة الضَّروريّة لبقائها.

تختلِفُ الخلايا السَّرطانيّة عَنِ الخلايا العاديّة في عدّة صفات، بالمنظر وبالسُّلوك. في الخلايا العاديّة مثلًا، الإنزيم تيلوميراز غير نَشِطٍ؛ يُمكِّن هذا الإنزيمُ الخليّةَ مِنَ الانقسام بصورةٍ غير محدَّدة دونَ إصابة الجينوم. في الخلايا العاديّة، تَنقَسِمُ الخليّة عدَّةَ مرّات محدَّدة، حتّى يؤدِّيَ تراكُمُ الضَّرر فيه إلى إبادته. وبالمقابل، فإنّ إنزيم التّيلوميراز موجودٌ في حَالةٍ نَشِطةٍ في الخلايا الجنينيّة والخلايا السّرطانيّة، ويُمكِّنُ النّسيجَ مِنَ التّكاثر بدون تحديدٍ، ويحفَظُ المعلوماتِ الوراثيّة الموجودة فيها.

آليّة إضافيّة مرتبطة بالمحافظة على انقسام طبيعيّ للخلايا، هي فعاليّة الزّلال p53، الّذي يُشجِّعُ موتًا مُخطَّطًا لخلايا (أبوبتوزيس)، يكونُ جينومُهَا غيرَ سليم. وُجِدَت علاقاتٌ بين إصابة نشاطِ هذا البروتين، وبين تطوُّرِ حالاتٍ سرطانيّة

يتمُّ التّمييز بين الوَرَمِ الحميدِ والوَرَم الخبيث بواسطة الخزعة.

الأَورامُ لدى مخلوقاتٍ أُخرى

يتعلَّقُ نشوء أَورامٍ من أنواعٍ مختلفة بالكيمياء الحيويّة للكائن الحيّ. على سبيل المثال، في الوقت الّذي نجد فيه أورامًا حميدة وأورامًا خبيثةً عِندَ الحيوانات أَيضًا، نَجِدُ في النباتات أورامًا حميدةً فقط. مثال لِوَرَمٍ كهذا هو العفص، وهو تكاثرٌ مُبالغ فيه لنسيجِ ورقة النّبتة، كردِّ فعلٍ لعلاقةٍ متبادلة مع حشرةـ تلوِّثٍ بكتيريّ أَو فطريّ.

سببُ الاختلاف هو الفسيولوجيا والعمليّات البيوكيميائيّة في النبتة، وبعضها يختلف بشكلٍ جوهريّ عن تلك الّتي تحدُثُ لدى الإنسان والحيوانات الأُخرى. أَحَدُ العوامل لذلك، هو أَنَّ خلايا النّبتة مُحاطة بجدارٍ يحدِّدُ تحرُّكها، ويمنَعُ الأَورامَ مِنَ التَّوسُّع إلى أَنسجةٍ بعيدة، في حين أنّ تحرُّكَ الخلايا الحيوانيّة أكبر بكثير.


عفص في ورقة شجرة سنديان بسبب تفاعل مع الدَّبُّور| صورة ويكيبيديا 

 

كيف تساعِدُ الموادُّ المضادّة للأكسدة، في منع نشوء الأَورام السَّرطانيّة؟

 

0 تعليقات