العوامل الوراثيّة، الكيراتين، وحتّى مبنى الخلايا في بصيلات الشّعر - جميعها تشترك في العمليّات الّتي تحدّد إذا كان شعرنا ناعمًا أو مموّجًا

يُعتبر شعر الرّأس ذا أهميّة كبيرة في حياتنا، إذ يحمي فروة الرّأس من أشعة الشمس ويحافظ على حرارته في فصل الشّتاء. من ناحية اجتماعيّة أيضًا، يُعتبر الشّعر رمزًا للجمال، كما تؤكد الصّناعة الواسعة لمستحضرات الشّعر والحلول المعروضة لمشكلة الصلع.

ما يميّز الشّعر أيضًا عن باقي الأنسجة في الجسم هو أنّه مكوّن من طبقات من الخلايا الميّتة المرتَّبة كألواح القرميد والمتّصلة عبر كميّات كبيرة من بروتين يدعى كيراتين (Keratin). الكيراتين هو بروتين يُنتَج في بصيلة الشّعرة بواسطة الخلايا الكيراتينيّة، وهو يتكوّن من أحماض أمينيّة صغيرة جدًّا تمنحه المبنى الكثيف والمترابط. يجعله ذلك يكسِب النّسيج صلابته. الشعر الغنيّ بالكيراتين هو أسمك وأقوى من شعر فيه الكيراتين منخفض.

ما الّذي يحدّد إن كان شكل الشّعر ناعمًا أو مجعدًا؟ على المستوى الجزيئيّ، نعلم أنّه كلّما زادت الأربطة الكبريتيّة بين الأحماض الأمينيّة في الكيراتين، زاد تجعّد الشّعر. ولكن يبدو أنّ الأمر لا يقتصر على ذلك.

شكل البصيلة

أحد الاختلافات بين الشّعر المجعّد والشّعر النّاعم يتعلّق بكيفيّة نموّ الشّعر داخل البصيلة. بكلّ بساطة، بصيلة الشّعر النّاعم هي مستقيمة، أما بصيلات الشّعر المموّج أو المجعّد فهي دائرية أكثر.

يتمّ تحديد شكل كلّ بصيلة خلال التّطوّر الجنينيّ، وللعوامل الوراثيّة تأثير كبير على ذلك. ولكن ما زال العلماء لا يفهمون تمامًا كيف يحدث الأمر. كما أنّ البصيلة يمكن أن تختبر كلّ بضع سنوات تغييرات في مبناها قد تؤثّر على شكل الشّعر.

يستمرّ نموّ الشّعرة عادةً بين سنتَين وستّ سنوات قبل أن تنتقل إلى مرحلة "الرّاحة" لبضعة أشهر، ثم تسقط في النّهاية. هنا تضمر بصيلة الشّعرة وتتقلّص. ولبدء دورة نموّ جديدة، تكبر بصيلة الشّعرة من جديد وتعود إلى شكلها الأصليّ لتنمو فيها شعرة جديدة. بصيلات الشّعر الملتوية تنتِج دائمًا شعرًا مجعّدًا، لكن العمليّات التي تؤدّي إلى تجديد الالتواء في البصيلة ما زالت غير معروفة.

سؤال آخر يشغل علماء البيولوجيا والفيزياء هو كيف يؤثّر شكل البصيلات وطريقة انتشارها في الرّأس على طريقة تجعّد الشّعر، مثلًا على اتّجاه التجعّد أو على عدم استمراريّته. ومن غير الواضح أيضًا كيف تنتقل هذه الصّفات بالوراثة.

שלושת סוגים של תאי השערה | איור: University of Waikato

قد تحدّد النّسبة بين أنواع الخلايا درجة التجعّد. في الصّورة ثلاثة أنواع من خلايا الشّعر| الرسم التوضيحيّ: University of Waikato

النّسبة بين أنواع خلايا الشّعر

تتكوّن الشّعرة من ثلاثة أنواع من الخلايا: الخلايا القشريّة الوسطى (mesocortical) الموجودة تقريبًا في مركز الشّعرة، الخلايا خارج القشرة (paracortical) الموجودة حولها، والخلايا المنتصبة (orthocortical) الّتي هي أيضًا في المحيط. في البداية، تكون هذه الخلايا ناعمة، دائريّة، ومليئة بالسّوائل. لكن مع نموّ الشّعر، تصبح الخلايا أطول، أدقّ، وأصلب، بفضل الكيراتين الّذي يحيط بها.

على مرّ السّنين، حاولت نظريّتان مختلفتان تفسير كيفية تأثير هذه الخلايا على شكل الشّعرة. ادّعت النّظريّة الأولى أنّ الخلايا في أحد جانبَي الشّعرة المجعّدة تنقسم بشكل أسرع من تلك الموجودة في جانبها الآخر، ما ينشئ التواءً  في الجانب الّتي تنقسم فيه الخلايا ببطء أكثر. أما النّظريّة الثّانية فتفترض أنّ الاختلافات في طول الخلايا في كلّ من جانبَي الشّعرة، والنّسبة بينها، هي ما يحدّد درجة التجعد.

في شعر الإنسان، تلتوي الخلايا على بعضها بأنماط معقدة، ما يصعّب علينا استخلاص استنتاجات حول مساهمة ذلك في عمليّة التّجعد. لهذا السّبب، قرّر فريق من الباحثين في نيوزيلندا واليابان إجراء اختبار على شعر خِراف من نوع مارينو، فيه خلايا الصّوف أكثر ترتيبًا. وباستخدام المجهر، قاموا بقياس انحناء الشّعرة، عدّ الخلايا على أنواعها من كلّ جانب، وقياس طولها.

أظهرت نتائج الدّراسة، بشكل مفاجئ، أنّ النّظريّتين كلتَيهما لم تكونا صحيحتين. فعند فحص وتيرة نموّ الخلايا من كلّ جانب، وجد الباحثون أنّ عدد الخلايا في الجزء الداخلي من التّجعيدة ليس أقلّ من عدد الخلايا في الجزء الخارجي، لذا فإنّ النّظريّة الأولى خاطئة. لكن حتّى عند فحص النّظريّة الثّانية، وجدوا أنّ معرفة النّسبة بين الخلايا الطّويلة والخلايا القصيرة الموجودة في جانبَي الشّعرة لا تمكّنهم من التنبؤ بدرجة تجعّد ألياف الشّعر.

أما ما تمكّن فريق البحث من اكتشافه فهو أنّه في كلّ جانب من الشّعرة تكون الخلايا المنتصبة (orthocortical) أطول دائمًا من الخلايا خارج القشرة (paracortical). يعزّز ذلك الفكرة أنّ الاختلافات بين أنواع الخلايا مرتبطة بدرجة تجعّد الشّعرة.

כבשים מגזע מרינו | צילום: Shutterstock
ساهم الصّوف في حلّ اللّغز، أو على الأقلّ في نفي احتمالات. خِراف من نوع مارينو| تصوير: Shutterstock

 

العوامل الوراثيّة

للعوامل الوراثيّة دور مهمّ في تحديد شكل شعرنا. فبإلقاء نظرة قصيرة على الأبناء ووالديهم يمكننا أن نفهم أنّ الشّعر المجعّد أو النّاعم هو صفة متوارثة. لكن أيّة جينات تنتقل من جيل إلى جيل تحدّد شكل شعرنا؟

الجين الرّئيسيّ الذي ثبت تأثيره على شكل الشّعر حتى الآن يُسَمّى TCHH، وهو مسؤول عن إنتاج بروتين يدعى تريكوهيالين (Trichohyalin). هذا البروتين موجود في جذر الشّعرة، وهو يلعب دورًا مهمًّا في تقويتها. ويرتبط جين آخر، يسمى EADR، بكثافة الشّعر لدى سكّان شرق آسيا.

عدا هذين الجينين، حُدّد مؤخراعدد قليل من الجينات الأخرى الّتي تلعب دورًا في تنظيم شكل الشّعر. يفترض الباحثون أنّ بعضها يخضع لعوامل فوق - جينيّة، أي لعوامل غير الـ DNA تؤثّر على التّعبير الجينيّ، بحيث يتأثّر شكل شعرنا ببيئتنا أيضا.

يحاول العلماء فحص المزيد من الاتّجاهات البحثيّة الّتي قد تلقي ضوءًا أكثر على كيفية تكوّن التّجاعيد، مثل توزيع الكيراتين في الشّعرة أو انقسام الخلايا في جذر الشّعرة. لذلك عندما تقف أمام المرآة وتتمنّى أن يبدو شعرك مغايرًا، تأكّد أنّ العلماء يعملون بجدّ لفهم الآليّات الدّقيقة الّتي تحدّد شكل الشّعر.

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات