لقد أثارتِ الكواكبُ والكُوَيكِباتُ حبَّ استطلاع الإنسان منذ أَيّام كوفرينكوس وجاليليو. وقد ساهَمَ شكلُ حركتهم المثيرة، في عَدَدٍ مِنَ الاكتشافات في عالم الفيزياء، وساعَدَ نيوتُنَ في اكتشافِ قانون الجاذبيّة، وتحديد أُسُسِ الفيزياء التّقليديّة الّتي نستعملها حتّى يومنا هذا. وقد كَشفَت مُشاهداتٌ إضافيّة للكواكبِ، أَنَّ الكون يتوسَّعُ ويتسارع، وكَشفَت أَمرَ وجود الطّاقة المظلِمَة والمادّة المظلمة، وأَكَّدَتِ التّوقعاتِ بعيدة المدى للنّظريّة النِّسبيّة العامّة. ومع ذلك، فقد تطوّرت في العَقدَيْنِ الأَخيرَيْنِ فقط، التّكنولوجيا الّتي تُمكِّن مِن إجراءِ بحثٍ معمَّقٍ عَنِ الكُوَيكِبات (الكواكب القزمة السَّيَّارة) خارج مجموعتنا الشَّمسيّة.

الكوكب هو جسمٌ في السّماء، يحصُلُ على الطّاقة ويطلقها على شكل أَشعّةٍ ألكترومغناطيسيّة وجُسيمات نيوترينو . الكواكبُ أَجسامٌ كبيرة بنوعٍ خاصّ، والضّغط ودرجة الحرارة في مركزها كبيرانِ لدرجةٍ كافية من أجل حُدُوثِ انصهارٍ نوويّ يمنح الكوكبَ طاقتَهُ، ويُنتِجُ الأَشعّة الّتي يُطلِقها.

الكُوَيكَبُ (الكوكب القزم السَّيَّار) هو جسم أصغر بكثير مِنَ الكوكب، لذا فَلا يوجد في مركزِهِ انصهارٌ نوويّ، ويُطلق القليلَ مِنَ الأشعة الألكترومغناطيسيّة. يدور الكُويكِبُ حول الكوكبِ (فالكرة الأرضيّة هي الّتي تدورُ حولَ الشّمس مثلاً)، وهو كبيرٌ بدرجة كافية كي يكونَ له شكلٌ دائريّ تقريبًا، على العكس مِنَ الكُويكباتِ الصّغيرة جدًّا، والأَجسام الأَصغر.

حسب الأشعّة الّتي تُطلقها الكواكب، يُمكننا حسابُ الكتلة، والسُّرعة، والحجم، والتّركيب الكيميائيّ، وصفاتٍ إضافيّة لها. ولأَنّ الكُويكِباتِ لا تطلِقُ الكثيرَ مِنَ الأَشعّة، فَمِنَ الصَّعبِ كشفها، وقياسات صفاتها يجبُ أن تكون أكثر دقّةً، ويجبُ استعمال أجهزةِ كشفٍ حسّاسة أكثر. معظَمُ الوسائل الّتي طُوِّرَت حتّى الآن للكشف عَنِ الكُويكباتِ وبحثِ صفاتها، ترتكز على تأثيرها على الكوكبِ الّذي تدورُ حوله.

القوة المهمّة في حركة الكواكب هي قوّة الجاذبية. تُجذَبُ الكرةُ الأَرضيّة للشّمس بسبب كتلتها الكبيرة، ولهذا فإنّها (أَيِ الكرة الأرضيّة) تدور حولها بدورة مدتها 365 يومًا. لكنّ الشّمس أيضًا، تشعُرُ بقوّة جذبِ الكرة الأَرضيّة الّتي تتسبَّبُ في أَن تتحرَّكَ حركةً دائريّة. عمليًّا، فالكرة الأَرضيّة والشّمس تتحرّكانِ بحركة دائريّة حول مركزٍ مشترَكٍ. ولأَنّ كتلة الشّمس أكبر بكثير، فإنّ المركز المشترَكَ يتواجد قريبًا جدًّا مِنَ مركز الشّمس، وَمِنَ الصّعب تمييز حركتها.

وكما هي حالُ الكرة الأَرضيّة، فإنّ كلّ كويكب آخر أيضًا، يؤثّر على الكوكب القريب منه، ويؤدّي إلى أن يتحرَّكَ حركة دائريّة. يمكِنُ قياسُ الحركة الدّائريّة للكوكب بواسطة تأثير دولفر، والاستنتاجُ عَن وجود الكُويكِبِ وحتّى تقدير كُتلتِهِ.


تأثير قوّة جاذبية الكرة الأَرضيّة على حركة الشّمس | رسم: ويكيبيديا

خلال دوران الكُويكب حولَ الكوكب، يمكِنُ أن يحجُبَ الكويكبُ قسمًا من أشعّة الكوكب، ويمنعَ وصولها إلى الكرة الأَرضيّة. يُمكن في هذه الحالة، أَن نرى زيادةً أَو نُقصانًا في شدّة الضّوء الواصِلِ مِنَ الكوكب، وذلك خلال الفترة الزّمنيّة القصيرة الّتي يمرُّ بها الكُويكِبُ أَمامَهُ (بالنّسبة للمشاهد مِنَ الكرة الأَرضيّة). خلال حركة الكُويكِبِ يمرُّ ضوء الكوكب من خلالِ الغلاف الجويّ للكُوَيكِب، وإذا حلَّلْنا خطوطَ الإشعاع والامتصاص في الطَّيف، يُمكِنُ تشخيصُ قسمٍ مِنَ العناصر في الغلاف الجويّ، ويمكن كذلك تقديرُ قُطرِها.

السَّلبيّة الرّئيسيّة لهذه الطّريقة، هي أَنَّ معظم الكُويكب لا يمرُّ تمامًا في خطِّ رؤية الكوكب مِنَ الكرة الأرضيّة، ولذلك لا يمكن التّنبُّؤ بانخفاض شدّة الضّوء الّتي تَصِلُ مِنَ الكوكب.

يُمكِّننا دمجُ هذَيْنِ القِياسَيْنِ من قياس حجم الكُويكب وكتلته، وحساب معدّل كثافته. ولأَنّ للموادّ المختلفة كثافاتٍ مختلفة، فَيُمكن تقديرُ تركيبة الموادّ التي تُكوِّنه.

أَشعَّةُ الكُويكَب
 

كما ذكَرتُ، لا تُنتِجُ الكُويكبات طاقةً في مراكزها، ولهذا فلا تُطلِقُ الكثيرَ مِنَ الأشعة. ومع ذلك، فإنّ القليلَ مِنَ الأَشعّة الّذي يَصِلُ إلينا منها، يمكِنُ أَن يكونَ مِن مصدَرَيْنِ: انعكاسِ أَشعّة الكوكب القريبِ مِنَ الكُويكب (كضوءِ القمر الّذي نراه، إذ هُو انعكاسٌ لأَشعّة الشّمس)، وأَشعّة حراريّة تُطلَقُ على شكلِ موجاتٍ أَطول (تحت حمراء). أَشعّةٌ كهذه تُطلَقُ من كلِّ جسمٍ درجةُ حرارتِهِ ليست صفرًا، وذلك بسبب حركة الذّرّات والجزيئات الّتي تُكوِّنُهُ.

ولأَنَّ الكُويكبات قريبةٌ من كواكِبَ شِدَّةُ الضّوء فيها قويّة، فَمِنَ الصّعبِ تمييزُ الأَشعّة الضّعيفة مِنَ الكُويكب بسبب الأَشعّة القويّة للكوكب. وبالرّغم من كلِّ ذلك، فهنالك طريقةٌ واحدة لتمييزها، وهي عندما يدورُ الكُويكب في مسارٍ بعيدٍ عَنِ الكوكب. ويمكِنُ في هذه الحالة قياسُ الأَشعّة الواصلة مِنَ الكُويكب، وتقديرُ التّركيب الكيميائيّ لغلافِهِ الجوّيّ بواسطةِ التّحليل الطيفيّ.


كُويكباتٌ حول الكوكب HR8799 | صورة: ناسا

طريقةٌ أُخرى للقيام بذلك، هي بِاستعمال قطبيّة الأَشعّة. الأَشعّة المنبعثة مِنَ الكوكب غير قطبيّة، أَي أَنَّ اتّجاه المجال الكهربائيّ في موجاتها عَفَوِيّ. وبالمقابل، فإنّ الأَشعّة المنعكسة مِنَ الكُويكب قطبيّة بسببِ التّفاعل مَعَ الجزيئات الّتي في الغلاف الجوّيّ، ولهذا يمكِنُ الفَصلُ بين مَصدَرَيِ الأَشعّة، وقياس الأَشعّة الواصلة مِنَ الكُويكب بدقَّةٍ مُتناهِية.

ردّ – بالعودة إليك
اُكتُشِفَ كُويكبٌ يدور حول كوكبٍ، وفي مجال رؤية المشاهِد مِنَ الكرة الأرضيّة، فإنّ الكوكبَ يحجُبُ الكُويكِبَ في جزءٍ من مسارِهِ. هل تستطيعُ بمساعدة قياسِ الأَشعّة الواصلة مِنَ الكوكب والكويكِبِ، بنقاطٍ مختلِفة من مسارِهِ، أن تخمِّنَ تركيبةَ الغلاف الجوّيّ للكُويكب؟

 

0 تعليقات