لقد أدّى التنسيق الدقيق للموادّ الطاردة للماء، إلى جانب النسج الواسع واستغلال قوّة الشعيرات الدمويّة، إلى تحسين تجربة الكثير من الرياضيّين. العلم من وراء الملابس الماصّة أو الطاردة للعرق "Dri-Fit"
يتمّ التعرّف على العديد من الألعاب الرياضيّة من خلال أنماط الملابس: يمكن التعرّف على الملاكمين من خلال قفّازاتهم، والسبّاحين من خلال ملابس السباحة والقبّعات الضيّقة، ومن المحتمل أن يكون أولئك الّذين يرتدون الأحذية مع المسامير لاعبي كرة القدم. في السنوات الأخيرة، ارتبطت رياضة الجري بشكل متزايد بالقمصان والسراويل المصنوعة من الأقمشة الاصطناعيّة الّتي تُسمََّى الملابس الماصّة للعرق، أو Dri-FIT.
Dri-FIT هو اسم تجاريّ صاغته شركة Nike في التسعينيّات للملابس المصنوعة من قماش ماصّ للرطوبة مُصمّم لتسهيل الأمر على الرياضيّين والسماح لملابسهم بالبقاء جافّة إلى حدّ ما حتّى أثناء النشاط البدنيّ الشاقّ. تنشأ هذه الحاجة من الطريقة الّتي يقوم بها البشر بتبريد درجة حرارة أجسامهم: عندما نمارس الرياضة، ترتفع درجة حرارة الجسم، واستجابة لذلك يتمّ تنشيط الغدد العرقيّة لدينا وترطيب بشرتنا.
عندما يتبخّر العرق، تبعث عمليّة التبخّر بعض الحرارة المتراكمة للهواء- وتنخفض درجة حرارة جلدنا. ولكن إذا لم يتمكّن العرق من التبخّر بشكل فعّال- لأنّه تمّ امتصاصه بواسطة قماش ثوبنا على سبيل المثال- فإنّنا نبقى مبلّلين ويستمرّ تقطّر العرق.
تبخّر العرق فعّال، ضروريّ لخفض درجة حرارة الجسم. رجل وامرأة يرتديان ملابس رياضيّة يركضان في الصحراء | Maridav, Shutterstock
القماش المناسب في المكان المناسب
عند اختيار قماش الملابس الرياضيّة، يجب مراعاة ميزتَين أساسيّتين: التركيب الكيميائيّ لألياف القماش وطريقة نسجها. يؤثّر التركيب الكيميائيّ في كيفيّة جذب القماش للماء أو طرده. الأقمشة المصنوعة من موادّ طبيعيّة، مثل القطن أو الكتّان، مصنوعة من ألياف السليولوز. السليولوز هو مادّة تنجذب إلى الماء (هيدروفيليّة: "محبّة للماء")، بسبب بعض المجموعات الكيميائيّة الّتي تتكوّن منها- على سبيل المثال الهيدروكسيل (OH). ولهذا السبب، تمتصّ هذه الأقمشة جزءًا كبيرًا من العرق ويصعب تبخّره.
الحلّ هو خياطة الملابس الرياضيّة من أقمشة طاردة للماء (كارهة للماء-هيدروفوبيّة). ولكن هل هذه هي الخطوة المطلوبة فعلًا؟ إذا كنت ترتدي أحذية مطّاطيّة في الشتاء أو سترة من النايلون تحت المطر، فمن المحتمل أنّك عند استخدام موادّ طاردة للماء قد لاحظتَ أنّ العرق ينحصر بين الجسم والملابس ولا يتبخّر على الإطلاق. لذلك، نودّ استخدام أقمشة طاردة للماء أكثر من القطن، ولكنّها ليست كارهة للماء بشكل كبير.
تلعب طريقة نسج القماش أيضًا دورًا مهمًّا في صنع الملابس الماصّة للعرق. تصنع معظم الأقمشة من الألياف الّتي تشكّل خيوطًا، والّتي يتمّ نسجها أو حياكتها لتكوين نسيج مترابط. بكون النسيج في معظم الأقمشة كثيفًا للغاية ولا يترك مساحة كافية لتمرير العرق وتبخّره في الهواء. ولكن عندما يُنسج القماش بكثافة أقلّ، يمكن للعرق أن يمرّ عبر القماش بواسطة الخاصيّة الشعريّة. في هذه الخاصيّة، يتحرّك الماء من الألياف إلى الخارج، ضدّ القوى المؤثّرة فيه، مثل الجاذبيّة، على غرار حركة الشمع المُذاب في أعلى فتيل الشمعة المشتعلة. إذا استخدمنا نسيجًا كارهًا للماء تمامًا، لكان تأثير الخاصيّة الشعريّة أقلّ فعاليّة.
تستخدم الأقمشة الماصّة للعرق، بما في ذلك ال Dri-fit الأصليّة، هاتين الخاصيّتين: فهي مصنوعة من ألياف صناعيّة، خاصّة البوليستير (Polyester)، وتُنسج بطريقة تسمح بمرور الماء من خلالها. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأنّ الأقمشة صناعيّة، فمن السهل التعامل مع خواصّها الكيميائيّة. الأقمشة الماصّة للعرق مُغطّاة من الداخل بطبقة رقيقة من الموادّ الطاردة للماء، وبطبقة مماثلة من الموادّ الجاذبة للماء من الخارج. يُدمج بالبعض ألياف ماصّة للماء. يساعد هذا المزيج على نقل الرطوبة من الجلد إلى السطح الخارجيّ للقماش، حيث يسهل عليه التبخّر.
تحسين عمليّة التبخّر يحسّن تجربة الركض، ويمكن أن يمنع الاحتكاك، ويعزّز الشعور بالبرودة. لا عجب أنّ المزيد والمزيد من الأشخاص يختارون ارتداء ملابس طاردة للعرق عند ممارسة الرياضة. غالبًا ما توفّر هذه الأقمشة خصائص أخرى تفيد الرياضيّين، مثل حجب الأشعّة فوق البنفسجيّة الضارّة (UV)، أو أقمشة أكثر مرونة ومتانة. كما تحتفظ الألياف الصناعيّة عمومًا على شكلها وخصائصها الأخرى بشكل أفضل من القطن، حتّى بعد الغسيل المتكرّر.
لا تتحلّل الألياف الصناعيّة بسهولة وقد تلوّث البيئة بجزيئات الميكروبلاستيك. قمصان ملوّنة معلَّقة على علّاقة | Trong Nguyen, Shutterstock
الكامل لا يخلو من العيوب
لا تخلو تقنيّة تبخّرالعرق من العيوب. إنّ خصائص الألياف الطاردة للماء تجعلها تمتصّ موادّ أخرى كارهة للماء، مثل الزيوت والجزيئات العضويّة الدهنيّة الّتي تفرزها أجسامنا. لذلك، تعتبر عمليّة غسيل جزء كبير من الملابس المصنوعة من القماش أقلّ جودة مقارنة بالأقمشة المصنوعة من الألياف الطبيعيّة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف متزايدة بشأن التأثير السلبيّ لهذه الموادّ الصناعيّة في البيئة؛ لأنّها على عكس الألياف الطبيعيّة، لا تتحلّل، وقد تنبعث منها جزيئات الميكروبلاستيك أثناء الاستخدام أو بعد أن ينتهي الأمر بالملابس في سلّة المهملات دون معالجتها بالشكل الصحيح. كما أنّه من الصعب إعادة تدوير معظم هذه الأقمشة، ويجب تطوير تقنيّات جديدة لفصل الأقمشة وإعادة تدويرها.
منذ أوائل التسعينيّات وحتّى اليوم، أحدثت تقنيّة النسيج الطاردة للعرق ثورة في أسلوب ارتداء الرياضيّين، ووفّرت لهم المزيد من الراحة الّتي ساعدتهم على تحسين أدائهم إلى مستوى خياليّ. تدرّ صناعة الملابس الرياضيّة في أيّامنا عشرات إلى مئات المليارات من الدولارات سنويًّا، والجزء الكبير منها بفضل الملابس الطاردة للعرق.