بعد مرور عام منذ أن حذّرت منظمّة الصحّة العالميّة من استخدام المحلّيات الصناعيّة في حِميات التنحيف، تكشف دراسة جديدة وشاملة نتائج قد تتطلّب إعادة النظر في التوصية

احتدم الجدل في السنوات الأخيرة حول تناول المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة تزامنًا مع تزايد معدّلات السمنة على مستوى العالم، يفضّل المزيد والمزيد من الأشخاص تناول هذه المشروبات، باعتبارها مشروبات "دايت"، على تلك المحلّاة بالسكّر، لتصاعد حصّتها في السوق المحليّ والعالميّ على حدّ سواء. وفي ظلّ هذه التطورات، أصدرت منظمّة الصحّة العالميّة في مايو من العام الماضي توصية بالامتناع عن استهلاك هذه المشروبات واعتمادها كجزء من حِميات التنحيف، وقد قوبلت هذه التوصية بانتقادات عديدة من الباحثين.

يرتكز النقاش حول نجاعة هذه المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة في التنحيف على الأسس العلميّة للدراسات المستخدمة لدعم تلك الادّعاءات. غالبيّة الأبحاث في مجال التغذية هي ابحاث مراقبة، أي، تفحص العلاقات بين متغيّرات معيّنة في مجموعة سكانيّة معيّنة، كالعلاقة بين استهلاك المشروبات المحلّاة والسمنة في إسرائيل- ولكنّها لا تستطيع تحديد ما إذا كانت هذه العلاقة سببيّة. وغالبًا ما تشير هذه الأبحاث إلى وجود علاقة بين استهلاك المشروبات بالمحلّيات الصناعيّة وزيادة الوزن.

على النقيض، تشير الدراسات التدخّليّة (interventional study)، والّتي يتمّ فيها إجراء تغيير في سلوك المشاركين وفحص تأثيره في السمنة أو متغيّر آخر، إلى صورة مختلفة. تفضي معظم هذه الدراسات إلى أنّ التحوّل إلى هذه المشروبات يؤدّي إلى فقدان الوزن، بل وتبدو هذه المشروبات أفضل قليلًا حتّى من نظام غذائيّ يعتمد على شرب الماء فقط دون تحلية. إلّا أنّ العيب الرئيس في معظم الدراسات التدخّليّة هو أنّها تتابع المشاركين لفترة محدودة فقط، ولا تفحص ما إذا كان فقدان الوزن قد استمرّ لفترة أطول من مدّة المتابعة قي الدراسة، أي، لمدّة أطول من ستّة أشهر بعد بدء النظام الغذائيّ.


يفضّل الكثيرون المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة بدلّا من المشروبات الّتي تحتوي على السكّر. امرأة ترفض تناول مشروب غازيّ | Cat Box, Shutterstock

متابعة دقيقة

ضمن دراسة تدخّليّة واسعة النطاق وطويلة الأمد، تمّ تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: مجموعة اتّبعت نظامًا غذائيًّا يشمل تناول مشروبات محلّاة بالمحلّيات الصناعيّة، وأخرى اعتمدت نظامًا غذائيًّا خاليًا من المحلّيات واكتفت بشرب الماء لمدّة أربعين أسبوعًا. وبعد مرور عام، تبيّن أنّ المشاركين الّذين تناولوا المشروبات المحلّاة قد فقدوا 6.2 كيلوغرامًا من وزنهم في المتوسّط، بينما خسر أولئك الّذين شربوا الماء فقط 2.5 كيلوغرامًا في المتوسّط. وهذا يبرز فعاليّة المشروبات المحلّاة في دعم فقدان الوزن المستدام حتّى بعد عام.

في سنة 2023، نُشرت النتائج الأوّليّة لدراسة تدخّليّة أخرى تمّ تقسيمها إلى ثلاث مراحل. كما سبق وذكرنا، في المرحلة الأولى من الحمية (ثلاثة أشهر)، فقدَ المشاركون الّذين شربوا المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة والّذين شربوا الماء أيضًا في المتوسّط حوالي ستة كيلوغرامات من وزنهم. أمّا المقال الحاليّ فيلخّص المرحلة الثانية من الدراسة، والّتي ركّزت على الحفاظ على فقدان الوزن خلال الأشهر التسعة التالية. تلقّى المشاركون خلالها علاجًا سلوكيًّا شهريًّا وإرشادات من خبراء التغذية وطُلب منهم الاستمرار في استهلاك المشروبات كما هو محدّد لهم. وفي المرحلة الثالثة، والّتي تجري حاليًّا، سيحاول المشاركون الحفاظ على وزنهم الحاليّ لمدّة عام آخر، دون متابعة دقيقة هذه المرّة .

تهدف المرحلة الثانية من الدراسة إلى فحص مدى نجاعة اعتماد المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة في إنقاص الوزن والحفاظ عليه على المدى الطويل. وتمّت الدراسة على 262 مشاركًا، وهم يشكّلون أكثر من نصف عدد الّذين أنهوا المرحلة الأولى بقليل، حيث تمّ فحص عدّة مقاييس إلى جانب فقدان الوزن منذ بداية الدراسة، مثل محيط الخصر، والمقاييس الأيضيّة مثل توازن مستويات السكّر والدهون في الدم، وظائف الكبد، مستوى الجوع ودرجة النشاط البدنيّ.

كشفت النتائج أنّ كلًّا من الّذين شربوا المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة والّذين شربوا الماء فقدوا وزنًا متقاربًا، بأفضليّة طفيفة وغير ذات دلالة إحصائيّة لصالح المجموعة الّتي استهلكت المشروبات المحلّاة، حيث فقدوا أكثر بقليل من كيلوغرام واحد مقارنة بالآخرين. وقد تمكّن مستخدمو المحلّيات الصناعيّة من الوصول إلى ذروة الفقدان للوزن بشكل أسرع، إذ استغرقوا 36 أسبوعًا مقارنة بـ 44 أسبوعًا لأولئك الّذين شربوا الماء. بالنسبة لبعض المشاركين، قاس الباحثون التغيّر في تكوين أنسجة أجسامهم، ووجدوا أنّ كلا المجموعتين شهدتا نفس الانخفاض في نسبة الدهون.


تناول بعض المشاركين في الدراسة التدخّليّة مشروبات محلّاة بالمحلّيات الصناعيّة بينما شرب البعض الآخر الماء فقط. مياه تُسكب من إبريق إلى كوب | Shutterstock, STUDIO 19

تحدّيات الدراسة

بسبب القيود الّتي فُرضت خلال جائحة كورونا، واجه الباحثون صعوبات في متابعة المشاركين والحصول على عيّنات الدم منهم كما ينبغي خلال بعض فترات الدراسة. علاوة على ذلك، أفاد المشاركون بأنفسهم عن وزنهم ومحيط خصرهم، ما قد يؤدّي إلى عدم دقّة في البيانات.من ناحية أخرى، كان هناك قلق بشأن معدّل التسرّب العالي، حيث إنّ 53.1% فقط من المشاركين أتمّوا فترة الحفاظ على الوزن، وكانت غالبيّة باقي المشتركين من النساء (70%) حيث إنّ الغالبيّة العظمى منهن (75.9%) قد استهلكن  مشروبات الدايت سابقًا. ومن هنا فإنّه من الضروريّ تحليل ما إذا كانت هناك اختلافات جوهريّة بين المشاركين الّذين أكملوا السنة الأولى، وأولئك الّذين انسحبوا منها، عسى أن يكشف التحليل عن عوامل حاسمة في تفسير نتائج الدراسة.

  من الوارد أن يكون نجاح المنسحبين من التجربة في الحفاظ على فقدان وزنهم أقلّ في إحدى المجموعتين أو في كليهما، أو أن يكون استهلاك المشاركين المسبق للمشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة ذا صلة بنجاح الحمية. والحقيقة هي أنّ الدراسة الحاليّة تعجز عن الإجابة عن هذا السؤال؛ لأنّ ربع المشاركين الّذين أكملوا المتابعة (69 من 262) فقط لم يشربوا مثل هذه المشروبات قبل بدء الدراسة.

يتطرّق تساؤل آخر إلى مدى تمثيل وتطابق مجموعة الدراسة مع الجمهور العام. فبمجرد تتبّع قياس عدد الخطوات الّتي قام بها المشاركون يوميًّا، سنكتشف أنّهم كانوا أكثر نشاطًا من الأشخاص الآخرين الّذين لديهم خصائص مماثلة. وقد تكون هذه  الفجوة ذات دلالة إلى أنّ المشاركين في الدراسة كان لديهم حافز شديد للتغيير أساسًا.


إحدى المشاكل في الدراسة هي أنّ المشاركين أفادوا بأنفسهم عن وزنهم ومحيط خصورهم. امرأة تقف على ميزان شخصيّ | olegius, Shutterstock

حان الوقت لإعادة التفكير

تشير نتائج الدراسة إلى أنّ اعتماد استهلاك المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة يساعد فعلًا في فقدان الوزن على المدى الطويل نسبيًّا، بل وإنّ اعتمادها يتفوّق بعض الشيء على شرب الماء فقط. كما ويمكن اعتبارسرعة فقدان الوزن ميزة للمشروبات الخالية من السكّر مقارنة بشرب الماء، فهي تمنح الشعور المحسوس بالإنجاز، ما قد يشجّع على الاستمرار في الحمية.

كانت منظمّة الصحّة العالميّة قد برّرت تحذيرها العام الماضي من استخدام المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيّة لأغراض إنقاص الوزن بسبب عدم وجود أدلّة كافية على فعاليّتها. إلّا أنّ الدراسة الجديدة، والّتي تُعتبر أطول دراسة تدخّليّة سريريّة أُجريت حتّى الآن، قد غيّرت الصورة إلى حدّ كبير، فهي مدعّمة  بأدلّة قويّة تتطلّب إعادة النظر في تلك التوصية.

وأخيرًا، بالرغم من أنّ الدراسة لم تجد أيّ دليل يشير إلى وجود ضرر صحّيّ ناتج عن شرب المشروبات المحلّاة بالمحلّيات الصناعيذة، هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لاستبعاد هذه الاحتماليّة تمامًا. كما أنّ الدراسة أُجريت على مجموعة من الأشخاص السليمين باستثناء السمنة، ومن الضروريّ مواصلة فحص تأثير استهلاك المحلّيات في الأفراد الّذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل السكّري وأمراض الأمعاء والقلب والأوعية الدمويّة.

0 تعليقات