كيف نحصل على بلّورات كبيرة وجميلة من السُّكّر؟ الجمال وحلاوة المذاق في علوم التبلور
سنوظّف قوى الطبيعة في هذه التجربة، ونتحلّى بالصبر، لنبني بلورات كبيرة من السُّكّر من حبيبات سُكّر صغيرة ومن الماء.
تستدعي هذه التجربة رقابة شخص بالغ
الموادّ والأدوات
-
سُكّر
-
ماء يغلي (الحذر!)
-
مرطبان أو كأس زجاجية كبيرة
-
صحن عميق
-
ملعقة كبيرة
-
ورق الخَبْز
-
منظف الغليون (يمكن شراؤه من متجر الحِرَف اليدويّة) أو سيخ خشبي
-
مطاطات
-
قلم رصاص أو حبر
-
أصباغ طعام (اختياريّ)
-
مجفّف الشعر (الفين)
-
التحلّي بالصبر
مَجرى التجربة
يمكنكم مشاهدة مَجرى التجربة من خلال الڤيديو التالي:
ملاحظة: إذا لم تلاحظوا بداية نموّ البلورات على السيخ الخشبيّ خلال يومين - ثلاثة، ولاحظتم أنّ حبيبات السكّر من حوله قد ذابت، ذلك يشير الى أنّ المحلول ليس مشبّعًا. أخرِجوا السّيخ، وكرّروا عمليّة لصْق حبيبات السكّر عليه، وإعادته داخل المرطبان.
ما هي البلّورات؟
نحن نستخدم السكّر والملح في المطبخ يوميًّا، لكنّنا نادرًا ما نتوقّف هنيهةً ونلقي نظرة متفحّصة عليهما. نلاحظ، عندما ننظر إليهما عن كثب، أنّهما ليسا مجرّد مساحيق دقيقة، بل يتكوّنان من حبيبات لها شكل محدّد - يمكن لذوي العيون الحادّة منّا تشخيص هذا الشكل، خاصّةً إذا كانت الحبيبات كبيرة كتلك التي يتكوّن منها الملح الخشن. ويمكننا رؤية ذلك الشكل في الحبيبات الصغيرة أيضًا، عن طريق استخدام وسيلة تكبير بسيطة مثل العدسة المكبّرة أو المجهر.
نلاحظ، عند استخدام العدسة المكبّرة أو المجهر، أنّ للحبيبات هياكل هندسيّة نموذجيّة متماثلة، مثل الهرم، المكعّب المشوّه، المخروط، أشكالٌ سطوحها الخارجيّة على شكل مَعيّن، أو متوازي الأضلاع وغيرها، وأنّ هذه الهياكل متشابهة في جميع الحبيبات. تبدو تمامًا مثل أحجار الكريستال البرّاقة التي تستخدم للزينة، وتشابهها هو جوهريّ وليس تشابه خارجيّ فقط، فهو قائم في مبنى المادّة بعينها. أحجار الكريستال والسكّر والملح جميعها ذات مباني بلّوريّة، أو ما يسمّى كريستال بالأجنبيّة.
نشاهد أشكالًا مثيرة للاهتمام عند النظر إلى بلّورات السكر من خلال عدسة المجهر | تصوير: آڨي سايڠ وعيدان چليكازليك
تتجمّع الجسيمات الصغيرة التي تتكوّن منها البلّورة في مبنى منتظم جدًّا - كأن يتواجد كل جسيم في إحدى زوايا مكعب، أو أن يكون كلّ جسيم محاطًا بستّ جسيمات أخرى في كلّ مستوى، ويتكرّر هذا الانتظام المرّة تلو الأخرى. تخيّلوا حبّات برتقال مرتّبة داخل صندوق، أو علبًا مرتّبة في خزانة، أو عيدان الكبريت في علبتها، لكنّ الجسيمات المرتّبة في البلّورات هي جسيمات صغيرة جدًّا وعددها هائل. تُسمّى الجسيمات التي تتكوّن منها الموادّ ذرات، أو جزيئات، أو أيونات - أي ذرّات أو جزيئات مشحونة بشحنة كهربائيّة.
لبِنات الأساس التي تتكوّن منها البلّورات متنوعة: يتكوّن السكّر من جزيئات، والملح من أيونات (أي جسيمات مشحونة كهربائيًّا)، والكوارتز من ذرّات، أما الچاليوم والبزموث فيتكونان من أيونات فلزيّة وإلكترونات حرّة الحركة، والأنسولين هو زلال (بروتين) - عبارة عن جزيئ كبير جدًّا. جميعها تنتظم في مبنى منتظم مكونةً بلّورات.
مواد مكونة من جسيمات مختلفة، إلّا أنّ لجميعها مبنى بلوريّ | تصوير: matanya ويكيميديا
النظام يتشكّل تلقائيًّا
تُسمّى عمليّة تشكّل البلورة بالتبلور، وبما أنّ البلورة هي عبارة عن مبنى منتظم، فَالتبلور هو في الواقع عمليّة انتظام أو ترتيب؛ يتكرّر انتظام الجسيمات في مبنى منتظم في ثلاثة أبعاد. قد يتبادر إلى ذهنكم السؤال: ما أو من يحثُّ الجسيمات على الانتظام؟ الإجابة هي أنّه لا تشارك أيّة قوّة خارجيّة في عمليّة انتظام الجسيمات: تنتظم الجسيمات، ببساطة، من تلقاء نفسها.
تعمل قوى كهربائيّة بين الجسيمات التي تتكوّن منها المادّة، قوى تجاذب أحيانًا، وقوى تنافر أحيانًا أُخرى. تنجم هذه القوى عن وجود شحنات كهربائيّة دائمة أو لحظيّة على الجسيمات، إذ تنجذب الشحنة الكهربائيّة الموجبة إلى الشحنة السالبة، في حين تتنافر الشحنات الكهربائيّة المُتطابقة فيما بينها. تعمل هذه القوى، فيما تُمليه المباني الفراغيّة للجسيمات ذاتها، على ترتيب الجسيمات وتكوين المبنى البلّوريّ.
لنأخذ مثالًا من عالمنا، عالم الأجسام الكبيرة، لتجسيد الأمر: تخيّلوا أنّنا نُقرِّب قطعةً مغناطيسيّة مُستطيلة إلى قطعة أخرى مثلها، ثم نأتي بقطعة ثالثة ونقربها، وقطعة رابعة، وهكذا.. سوف تنتظم هذه القطع المغناطيسيّة من تلقاء ذاتها، بتأثير القوّة المغناطيسيّة العاملة فيما بينها، في مبنى منتظم تكون فيه كلّ قطعة مربوطة إلى القطع الأخرى في مبنى ثلاثيّ الأبعاد. تتبلور جسيمات المادّة بطريقة مشابهة. يمكننا تخيّل مثال آخر: قطع ليݞو متشابهة تم تصميمها في المصنع بحيث يمكن لكل منها الالتصاق بالقطع الأخرى في اتّجاه معين فقط. يمكن عندها لصق قطع كثيرة من الليݞو وإنشاء مبنى منتظم يكرّر نفسه المرّة تلو الأخرى.
نتائج التجربة: بلّورات سكّر كبيرة جدًّا على السيخ الخشبيّ | تصوير: آڨي سايڠ
طرق البلّورة
توجد عدّة طرق لبلّورة المواد، منها الصهر - أي تسخين المادّة الصلبة حتّى تصبح سائلة، ثمّ ندعها لتبرد من جديد - كما فعلنا نحن في تجربة حلوى الكريستال. طريقة أخرى هي إذابة المادّة في سائلٍ ما، الماء مثلًا، كما فعلنا في هذه التجربة. عند إذابة المادة، أو عند صهرها، تصبح جسيماتها حرّة الحركة، والانتظام من جديد.
توجد إمكانيّتان لإعادة بلّورة المادّة بعد إذابتها في سائل مناسب. الأولى هي تبريد المحلول: تقلّ ذائبيّة كثير من الموادّ عند تبريد محاليلها. لذلك، ينفصل قسم من المادّة المذابة، القسم الذي لا يمكنه أن يبقى ذائبًا،عن المحلول ويتبلور. أمّا الإمكانيّة الثانية فهي تبخير المذيب، وهو الماء في تجربتنا هذه. تتبلور المادّة المذابة عند تبخير المذيب وتنفصل عنه إذ لا يبقى لها متّسع بين جسيمات المذيب التي تبخر قسم منها. يُسمّى المحلول الذي لا يتّسع للمزيد من المادّة المذابة باِلمحلول المُشبّع.
نحن دمجنا في تجربتنا هذه بين الطريقتين: جعلنا السكّر يتبلور عن طريق تبريد المحلول أولًا، ثمّ بخّرنا الماء. لاحظوا أنّنا ألصقنا بضع حبيبات من السكر على السيخ الخشبي. تشكّل هذه الحبيبات "نويات التبلور"، تنتظم جزيئات اخرى من السكر من حولها ويزداد حجم البلّورة المتشكلة.
هناك ظاهرة مماثلة تحدث في الطبيعة، إذ تتجمّع جزيئات الماء حول "نويات التكاثف"، وتتشكّل الغيوم من بخار الماء. يمكن أن يحدث التبلور بدون إضافة نواة التبلور، إلّا أنّ وجودها يُسهّل العمليّة. تساهم نويات التبلور في انتظام الجزيئات حولها، مثل مُسطّح الليݞو الذي يُسهّل التصاق القطع به، كما أنّها، أي نويات التبلور، توجّه تراكم البلورات في الموضع الذي نريده - حول السيخ الخشبيّ، وليس في موضع آخر لا نريده، مثلًا على جدران المرطبان.
يفضّل إبطاء عمليّة تنمية البلورات، إذ يمنح ذلك الجسيمات وقتًا أطول للانتظام، والتبلور الذي يستغرق عدّة أيّام أو حتّى أسابيع، يعطي نتائج جيدة تناسب التوقّعات. تكون النتيجة خلّابةً حقًّا - سيخ خشبيّ مغلّفٌ ببلّورات كبيرة وجميلة من السكّر - وحتّى أنّها تصلح للأكل، إذا اهتممنا بنظافة الأدوات التي نستخدمها في التجربة.