يُلزمنا النقص في الأعضاء البشريّة للزراعة البحث عن حلول في أماكن أخرى. هل تكمن الحلول في الخنازير بالذات؟
وفقًا لمعطيات وزارة الصحّة في البلاد، يلاقي أكثر من 6500 شخص كلّ عام حتفهم في إسرائيل بسبب أمراض القلب- غالبيّتهم بسبب سكتة قلبيّة- وهم يُشكّلون أكثر من 15 بالمئة من الموتى.على الرغم من اعتبار السكتات القلبيّة عادةً حوادث فجائيّة، إلّا أنّه يمكن، في معظم الحالات، تحديد عوامل الخطر المستمرّة، مثل ضغط الدم العالي، السّكّريّ، التدخين، السُّمنة، أمراض القلب الشائعة والوراثة.
تعتبر زراعة القلب الملاذ العلاجيّ الأخير لِمرضى القلب، وهي تُطيل حياتهم فعلًا وبشكل ملحوظ: يعيش أكثر من ثلاثة أرباع (76 بالمائة) من الأشخاص الّذين زُرعَت لهم قلوب خمس سنين على الأقلّ بعد عمليّة الزراعة، ويبقى ثلاثون بالمائة منهم على قيد الحياة لمدّة تزيد عن عشرين سنة مع وجود قلبٍ مزروعٍ في صدورهم. تكمن المشكلة في الافتقار إلى المتبرّعين: يجب أن تتوفّر شروط صارمة جدًّا كي تنجح عمليّة الزراعة. يجب ألّا يتعدّى عمر المتبرِّع، مثلًا، خمسة وأربعين عامًا، وأن يتواجد في حالة موت دماغيّ، وأن يكون طوله ووزنه قريبَين جدًّا من طول ووزن مستقبِل العضو، وله نفس نوع الدم. كما لا يسمح لِلمفرطين في التدخين، و مدمني المشروبات الكحوليّة، ومُتعاطي المخدّرات التبرّع بالقلب.
تبقى عمليّة زراعة القلب خطرة وصعبة حتّى بعد العثور على متبرِّع مناسب تخطّى الشروط المذكورة آنفًا. جهاز المناعة البشريّ مهيّأ لمهاجمة وإبادة أيّ عامل غريب يخترق الجسم، وهو يعمل كذلك ضدّ الأعضاء المزروعة المأخوذة من متبرِّع غريب، فيكون ردّ الفعل المناعيّ فائق الشدّة ويؤدّي في نهاية المطاف إلى رفض العضو. يتوجّب إذًا على من زُرِع له عضو من متبرِّع تناول أدوية تُثبِط جهاز المناعة طوال حياتهم. تقلّل هذه الأدوية من خطر رفض العضو المزروع فعلًا، إلّا أنّها قد تؤدّي إلى آثار جانبيّة صعبة، وإلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المُعدية.
يلاقي الكثير من مرضى القلب حتفهم قبل أن يصل دورهم للزراعة، وذلك بسبب الصعوبة الكبيرة في توفّر قلب مناسب من متبرِّع. تمّت في البلاد سنة 2022 زراعة 32 قلبًا، وهو رقم قياسيّ، إلّا أنّ 91 من المرضى- تقريبًا ثلاثة أضعاف- ينتظرون دورهم لزراعة القلب. أحد الحلول الممكنة لهذا الفارق هو زراعة قلوب حيوانات لهؤلاء المرضى، وكثيرًا ما تأتي هذه القلوب من الخنازير.
إنّ تركيب ومقاسات قلب الخنزير قريبة جدًّا من تركيب ومقاسات قلب الإنسان. زراعة قلب معدّل وراثيًّا من خنزير في جسم الإنسان. | Lightspring, Shutterstock
لماذا الخنزير بالذات؟
يتمتّع الخنزير بميزة كبيرة بالنسبة لنا مقارنة بالحيوانات الأخرى: أوجه الشبه بين أعضاء جسم الخنزير وبين الأعضاء البشريّة كبيرة للغاية. تركيب أعضاء جسم الخنزير قريب من تركيبها لدى الإنسان، كما أنّ مقاسات بعض هذه الأعضاء قريبة من مقاسات الأعضاء البشريّة. أضف إلى ذلك أنّه من السهل تربية الخنازير، فهي تنمو وتكبر بسرعة، وتُكمِل أعضاؤها تطوّرها خلال وقت قصير. يمكن، بالإضافة إلى ذلك، إحداث تغييرات وراثيّة (جينيّة) مُسبقة في الخنزير المُعَدّ لزراعة الأعضاء، يساعد في تقليل احتمال رفض العضو، في حين يتمّ استقبال الأعضاء البشريّة للزراعة على حالتها دون تغيير.
أعلن باحثون، في مقال نُشر في شهر تموز/ يوليو من هذا العام، عن عمليّتين جراحيّتين تجريبيّتين أُجريتا لِزراعة قلوب خنازير معدّلة جينيًّا في الإنسان. أُجريت العمليّة التجريبيّة، لأسباب أخلاقيّة، في جسدَي رجل وامرأة في حالة موت دماغيّ، وتمّ إبقاؤهما على قيد الحياة بواسطة الأجهزة. من الأسهل إجراء الفحوصات الغازية على أجساد مستقبِلي الأعضاء لأنّهم ليسوا على قيد الحياة، ومتابعة حالتهم الجسمانيّة بشكل مكثّف ومتواصل. يمكن مثلًا، بخلاف المعالَجين الأحياء، أخذ عيّنات من ألياف عضلة القلب ومتابعة الضرر المتراكم في خلايا القلب، بدون الخوف من إلحاق الضرر بصحّتهم وسلامتهم.
يستدلُّ من المقال أنّ قلوب الخنازير المزروعة أدّت وظائفها بشكل سليم بعد إجراء العمليّة. كما أظهرت العيّنات الّتي أخذت أنّ التغييرات الوراثيّة (الجينيّة) الّتي أُجريت على الأعضاء المزروعة قد حقّقت الهدف: لم يهاجم الجسم العضو الغريب المزروع، حتّى وإن وُجدت لدى مستقبِلي القلوب مضادّات مقاومة لِخلايا الخنزير.
عندما تتواجد في الجسم مضادّات وظيفتها مهاجمة أنسجة المتبرِّع بالعضو، قد يرفض الجسم العضو المزروع فورًا، وقد ينشأ هذا الرفض الحادّ المفرط خلال بضع ساعات بعد العمليّة الجراحيّة، وقد يتطوّر الرفض أحيانًا بشكل أسرع، خلال بضع دقائق. يبدو أنّ التغييرات الّتي أُجريت في عشرة من جينات الخنزير هي الّتي أعاقت حدوث مثل هذا الرفض المُهلِك في التجربة، ذلك على الرغم من وجود تلك المضادّات لدى الشخصَين اللّذَين زُرِعت لهما قلوب الخنازير. يحتمل، بناء على ذلك، أنّه من شأن مثل هذا الإجراء، فيما إذا أُجري لِأشخاص أحياء خاضعين لزراعة الأعضاء، أن يعفينا من الحاجة لاستعراض المضادّات المسبق في أجسام المعالَجين، قبل عمليّة الزراعة.
تمّ إيقاف التجربة بعد 66 ساعة، وعلى الرغم من أهميّة النتائج والاستنتاجات المستقاة عن ردّ الفعل الأوّليّ لجهاز المناعة على زراعة قلب الخنزير المعدّل جينيًّا، إلّا أنّه لا يمكننا أن نستنتج من التجربة المذكورة شيئًا عن التأثير بعيد المدى للعلاج وعن ردود فعل المتأخّرة لِجهاز المناعة. أضف إلى ذلك أنّ فحوصات ألياف عضلة القلب، الّتي أُخذت بعد عمليّة القلب المفتوح بفترة وجيزة، قد تكون تأثّرت هي الأخرى من العمليّة الجراحيّة بحدّ ذاتها. أظهرت نتائج تجارب سابقة أنّه يمكن أن تؤثّر العمليّات الجراحيّة في مؤشّرات الالتهابات، ويمكن أن تلحق إجراءات أخذ العيّنات من الألياف الضرر بخلايا عضلة القلب.
لم يكن ممكنًا، بالإضافة لما ذُكر أعلاه، فحص عمل القلب المزروع عن طريق قياس جريان الدم أثناء الوقوف، عندما تكون عضلات الجسم منقبضة وتحفّز نقل الدم، ذلك لأنّ الأشخاص الّذين زُرِعت القلوب في أجسامهم كانوا راقدين دونما حِراك ومُتّصلين بِجهاز التنفّس. ستكون مثل هذه الفحوصات ضروريّة للأشخاص الّذين قد يحصلون على قلب خنزير في المستقبل. أعاقت أسباب لوجيستيّة فحص مدى ملاءمة حجم قلب الخنزير المزروع لِمقاسات وأوزان مستقبِلَي القلوب. يمكن الافتراض أنّه توجد لمثل هذه الملاءمة أهميّة بالغة في أداء العضو المزروع لوظيفته، على الرغم من أنّه لمّا يتمّ الاتّفاق بعد على أفضل طريقة لملاءمة مقاس قلب الخنزير لمُستقبِليه.
أُجريت التجربة، لأسباب أخلاقيّة، على شخصيَن موجودَين في حالة الموت الدماغيّ، أبقتهما الآلات والأجهزة على قيد الحياة . يظهر في الصورة طاقم الجرّاحين حول طاولة التشريح | VesnaArt, Shutterstock
تمديد لمدّة سبعة أسابيع
كشفت دراسات وأبحاث أخرى أُجريت في السنوات الاخيرة عن الإمكانيّات الكامنة في زراعة قلب الخنزير. أُجريت، على سبيل المثال، تجربة تمّ فيها زرع قلوب خنازير لخمسة من قرود البابون، بقي فيها ثلاثة منها على قيد الحياة لمدّة تزيد عن 300 يومٍ بعد العمليّة الجراحيّة، وعاش أحدها عيشة هنيئة لمدّة سنتين ونصف السنة تقريبًا، دون أن يرفض جسمه العضو المزروع خلال هذه الفترة. بقي هذا القرد على قيد الحياة لمدّة عشرة أسابيع إضافيّة، حتّى بعد وقف تزويده بالأدوية المُثبِطة لجهاز المناعة، إلى أن غلبه، في نهاية الأمر، ردّ فعل جسمه الرافض للقلب المزروع.
وأعلن باحثون في السنة الماضية أنّه تمّت بنجاح زراعة قلب خنزير كان قد خضع لِملاءمات جينيّة في جسم رجل عمره 57 عامًا. تمّ اختيار هذا المعالَج للتجربة لأنّ حالته الصحيّة كانت أسوأ من أن يستوفي معايير زراعة القلب التقنيّة. كان ملاذه الأخير هو العلاج التجريبيّ المتمثِّل في زراعة قلب خنزير. تمّت عمليّة زراعة القلب بنجاح، وأدّى القلب المزروع وظيفته جيّدًا بعد العمليّة الجراحيّة، وعاد المريض لِيتنفّس بقواه الذاتيّة بعد فترة وجيزة.
لم يكن، لمزيدٍ من الأسف، الأمر مُشجّعًا بعد ذلك، فقد حصل رفض مفاجئ لا تفسير له للعضو المزروع بعد مرور سبعة أسابيع على العمليّة الجراحيّة، وتوفي الرجل بعد أحد عشر يومًا. تبيّن من تشريح جثّة المتوفَّى أنّ حجم القلب المزروع تضاعف، تقريبًا. نجحت زراعة القلب، على الرغم من وفاة الشخص الّذي خضع لعمليّة الزراعة، في إطالة حياته بضعة أسابيع وفي تحسين حالته. يمكن لمثل هذه الفترة الزمنيّة أن تمنح مرضى القلب بحالة خطيرة، في حالات معيّنة، فرصة ثمينة إضافيّة على أمل أن يتمّ العثور على إنسان متبرِّع مناسب.
يجب على عمليّات زراعة قلب الخنزير المستقبليّة أن تأخذ بعين الاعتبار النسبة بين حجم القلب المزروع وبين وزن جسم المُعالَج. كما يجب معرفة وفهم الجوانب المتعلّقة بانتقال الملوِّثات من الحيوان الى الإنسان. يمكن الافتراض أنّه يجب على الخنازير المُتبرِّعة بالأعضاء أن تنمو في بيئة وظروف مُعقَّمة تمامًا من ساعة ولادتها حتّى نقلها إلى المركز العلاجيّ. قد يؤدي تسرّب الملوِّثات من العضو المزروع إلى جسم الإنسان إلى رفض العضو المزروع أو إلى تلوّث عامّ في الجسم ما يعرّض حياة الشخص للخطر.