هل الغِذاء المُستنْبَت مُغذٍّ أكثر؟

كيف تُولد الشَّتلة؟

لمعرفة ما إذا كان الطّعام المستنبَت صحِّيًّا أكثر من الطّعام غير المستنبَت، يجب مقارنة القيمة الغذائيّة للبذور النّابتة بقيمة البذور من نفس النّوع الّتي لم تمرّ بعمليّة إنباتٍ. لهذا من المهمّ أن نفهم أوّلًا ما يحدث للبذرة أثناء إنباتها. عادة ما يتمّ تقسيم بُنية البذرة إلى ثلاثة مكوِّنات رئيسيّة: القشرة، الإمدادات الغِذائيّة (السُّوَيداء) والجنين، الّذي من خلاله يتطوّر النّبات. مخزون الغذاء عبارة عن خزّان للموادّ الاحتياطيّة الّتي سيستخدمها الجنين في عمليّة الإنبات: الكربوهيدرات، البروتينات والدّهون، والّتي تختلف النّسبة بين كمّيّاتها وفقًا لنوع البذرة: تحتوي بذور الحبوب بشكلٍ أساسيٍّ على الكربوهيدرات، تحتوي البقوليّات بشكلٍ أساسيٍّ على البروتينات، وتحتوي المكسّرات على نسبةٍ عاليةٍ من الدّهون. تُستخدَم القشرة للحماية من الأخطار في البيئة. كلّما زادت سماكتها وصلابتها، زادت فرصة الحفاظ على البذرة. من ناحيةٍ أُخرى، فإنّ مثل هذه القشرة تُصعّب على الجذر عمليّة الخروج؛ وبالتّالي فإنّ سرعة الإنبات ستكون أبطأ.

أثناء الإنبات، تتعرَّض البذرة للرُّطوبة، وتزداد نسبة الماء الّتي تمتصُّها، وهي في الواقع، "تستيقظ" من حالة "الغيبوبة". تتضمَّن هذه اليقظة العديد من التّغيُّرات الفيزيائيّة والكيميائيّة الحيويّة، من بينها: إضعاف القشرة، تنشيط الإنزيمات، تفكيك الموادّ الغذائيّة وإنتاج البروتينات الّتي تستخدمها الشّتلة في تطوّرها. نظرًا لأنّ هذه العمليّات تتطلّب طاقة، فإنّ الإنزيمات المخصّصة تقوم بتفكيك المادّة الحافظة- النشا إلى سُكريّات أحاديّة، والّتي تنتج البذور منها الطّاقة المُتاحة. بالإضافة إلى انخفاض كمّيّة النّشا في المستنبَتات، تزداد تركيزات البروتين والألياف الغذائيّة فيها، كما تتغيّر تركيبة الفيتامينات والمعادن في بعض الحالات. في دراسة أُجريت عام 2012، والّتي فحصت الملف الغذائيّ لبقلة الماش، وُجد أنّ كمّيّة فيتامين C في الماش زادت 24 مرّة تقريبًا أثناء الإنبات. في شتلات الحبوب الكاملة، هناك زيادة في كمّيّة الأحماض الأمينيّة الحُرّة، وهي اللَّبِنات الأساسيّة اللّازمة لإنتاج البروتينات. مثال آخر هو مستنبَتات البروكلي: بعد الإنبات، تمّ العثور على جُزيء يُسمَى "سلفورافان" (sulforaphane) فيها بمعدّل 15 مرّة أعلى من البروكلي النّاضج.

مع ذلك، فإنّ الاختبارات الكيميائيّة لمكوّنات الغذاء ليست كافية لتحديد ما إذا كان للأغذية المختبَرَة فوائد غذائيّة بالفعل. السّبب في ذلك هو أنّه لا يتمّ امتصاص جميع مكوّنات الطّعام في أجسامنا بنفس القدر. يتمّ تعريف النّسبة بين كمّيّة مكوّنٍ معيّن من الطّعام الّذي امتصّه الجسم، وكمّيّة هذا المكوّن الّذي كان موجودًا في الطّعام كبدايةٍ في عالم التّغذية على أنّه التّوافر البيولوجيّ (Bioavailability). لحمض الفيتيك، على سبيل المثال، وهو مركّب يحتوي على معظم الفوسفور في البذور، غالبًا ما يكون تأثير سلبيّ على امتصاص المعادن أثناء عمليّة الهضم، لأنّه يميل إلى الارتباط بالمعادن، مثل: الحديد والكالسيوم والمغنيسيوم، وبالتّالي منع امتصاصها. أي أنّ حمض الفيتيك قد يقلّل من التّوافر البيولوجيّ لهذه المعادن، على الرّغم من أنّ الدّراسات تظهر أنّ هذا ليس هو الحال دائمًا. يقلِّل حمض الفيتيك أيضًا من خطر الإصابة بحصوات الكِلى، وله نشاط مضادّ للأكسدة. بعد الإنبات، تقلّ كمّيّة حمض الفيتيك في البذور.

احذروا، بكتيريا مُتسلّلة 

وماذا عن التّأثيرات الصِّحِّيَّة؟ على الرّغم من الادّعاءات بأنّ المستنبّتات يمكن أن تساعد في تحسين حالة الأشخاص الّذين يعانون من طيف التّوحُّد، أو العلاج أو الوقاية من الأمراض، مثل: السّرطان، ألزهايمر، الخرف والسُّكري؛ لا توجد دراسات كبيرة وعالية الجوْدة على البشر تظهِر ذلك. تزيد عمليّة الإنبات من القيمة الغذائيّة للبذور، وقد تساعد في حالة النّقص الغذائيّ، لكن لا يبدو أنّها  تجعلها دواءً.

مع ذلك، فإنّ تناول المستنبَتات النّيِّئة قد يكون له تأثير سلبيّ على الصِّحّة. من المخاطر الكامنة في تناول الطّعام المستنبّت هو الخوف من التّلوُّث البكتيريّ؛ لأنّه في كثير من الحالات، يتمّ استهلاك المستنبَتات كما هي دون طهيٍ. قد تشجِّع عمليّة الإنبات، الّتي تتضمّن رطوبة عالية ودرجة حرارة مناسبة على نموّ مجموعة متنوّعة من البكتيريا. بين عامي 1996 و 2016، على سبيل المثال، كان هناك ما لا يقلّ عن 48 حالة تفشٍّ لِتسمّم غذائيّ في الولايات المتّحدة، نشأت عن أكل المستنبَتات. أصابت حالات التّسمّم قرابة 2500 شخص وتسبّبت في وفاة ثلاثة. في عام 2011، تُوفّي 51 شخصًا في ألمانيا بسبب التّسمّم النّاجم عن بكتيريا الإشريكيّة القولونيّة (E.coli)، نتيجة توكسين الشّيغا الّذي تفرزه البكتيريا. كشف تحقيق وبائيّ أنّ مصدر التّسمم هو مستنبَتات الحلبة الّتي تنمو في مزرعة عضويّة، وتُباع في المقاهي والمطاعم في ألمانيا.

ظروف نموٍّ غير ملائمة، أعطال في سلسلة التّزويد والتّخزين السّيّء- كلّ ذلك قد يؤدّي إلى انتشار البكتيريا أيضًا على الخضروات والفواكه الأخرى، مثل: الخس، الفراولة والخيار. مع ذلك، فإنّ خطر هذا الأمر يكون أكبر بكثير في المستنبّتات، والّتي يتمّ تعريفها على أنّها غذاء يمكن أن يسبِّب التّسمّم الغذائيّ باحتماليّة عالية.

تنمو المستنبَتات في بيئة رطبة ودافئة، وهي أيضًا مثاليّة لنموّ البكتيريا. حتّى ولو كان عدد قليل من البذور ملوّثًا ببعض البكتيريا، فإنّ ظروف النّموّ ستسمح لها بالتّكاثر إلى مستويات تهدِّد الصّحّة، ممّا يؤدّي إلى تلويث المستنبَتات والبيئة. لهذا السّبب، يتجنّب بعض علماء الأغذية تمامًا المستنبّتات النّيّئة؛ كما وتوصي المنظّمات الصِّحِّيَّة الأشخاص المعرّضين للإصابة بالعدوى- مثّل: النّساء الحوامل، الأطفال، كبار السِّن والأشخاص الّذين يُعانون من نقص المناعة- بعدم تناول المستنبَتات غير المطهيّة. سواء اِشتريتم المستنبَتات أو اخترتم أن تقوموا بعمليّة الإنبات بأنفسكم، من المهمّ أن تتصرّفوا بحذرٍ: تناول المستنبَتات وهي لا تزال طازجةً، تخزينها في الثّلاجة لإطالة عمرها الافتراضيّ واستهلاكها مطبوخةً جيّدًا قدر الإمكان.

افعلوها بأنفسكم

إذا قرّرتم استهلاك المستنبَتات، يمكنكم زراعتها بأنفسكم بسهولة. بالنّسبة لأولئك الّذين يرغبون في تجربة الإنبات، ليست هناك حاجة لأدوات متطوّرة أو جهود خاصّة. هناك عدّة طُرقٍ لإنبات البذور، في بعضها تُستخدم التُّربة كوسيط للنّموّ، وبعضها يعتمد على الماء فقط. تتضمّن العمليّة الأساسيّة نقع البذور في الماء لعدّة ساعات، ثمّ نقلها إلى غربالٍ وتغطيتها بمنشفة، للحفاظ على ظروف الرّطوبة الّتي ستحفِز البذور على الإنبات. من وقتٍ لآخر، يُوصى بسكب الماء من خلال المصفاة، لكن ليس بكمّيّات زائدة، خشية أن "تغرق" البذور في الماء وتتعفّن. يختلف وقت الإنبات الدّقيق اعتمادًا على نوع البذور، ولكن من المتوقّع أن تنبت الجذور في معظمها في غضون أيّام قليلة. اِنتبهوا،نظرًا لأنّ مصدر تلوُّثِ المستنبَتات هو البذور عادةً، فإنّ الزّراعة المنزليّة لا تحمي من البكتيريا، ويُوصى بعدم تناول المستنبَتات نيّئة، خاصةً إذا كنتم تنتمون إلى مجموعة معرّضةٍ للخطر.