لماذا يعمل مُوجِّه بالسيّارة لمسافةٍ أكبر عندما نقرّبه إلى الرّأس؟
هل تبحثون عن سيّارتكم في موقف السيّارات ولا تتمكّنون من العثور عليها؟ استخدموا رؤوسكم. وفقًا للإشاعة الّتي انتشرت على شبكة الإنترنت منذ سنوات، يمكن زيادة نطاق مُوجِّه السيّارة عن طريق تقريبه إلى الرّأس عند تشغيله. قد يبدو الأمر سخيفًا ومُضحكًا أيضًا، لكن تبيّن أنّ هذه الإشاعة صحيحة! سنشرح في هذه المقالة أسباب ذلك، وفي ذات الوقت سنتعرّف قليلًا على طريقة عمل الإشعاع الكهرومغناطيسيّ.
يفحص چيرمي كلاركسون الطّريقة في برنامج "توب ڠير" على الـ بي بي سي:
إنتاج الموجات
يتّصل مُوجِّه سيّارتنا عن طريق الموجات الصُغْرِيّة (ميكرويّة)، وهي نوع من الموجات الكهرومغناطيسّيّة. تُعتبر الموجاتُ الكهرومغناطيسيّة اهتزازاتٍ كهربائيّة ومغناطيسيّة تتقدّم عبر الفراغ بطريقة دوريّة وبسرعة الضّوء. عدد الدّورات الّتي تنتجها الأمواج في الثانية هو عبارة عن مقدار تردّدها، ويُقاس بوحدة هيرتز (Hertz).
هنالك خصائص مختلفة للموجات ذات التّردّدات المختلفة. بعض الظّواهر الّتي نعرفها من الحياة اليوميّة، وتبدو لنا غير مرتبطة ببعضها، هي أنواع مختلفة منها: كالضّوء الّذي نراه، والموجات الميكرويّة الّتي نستخدمها لتسخين الطّعام، وموجات الرّاديو الّتي من خلالها نرسل ونتلقّى الأخبار. كلّ هذه موجات كهرومغناطيسيّة في تردّدات مختلفة.
الموجات الميكرويّة موجاتٌ كهرومغناطيسيّة في مجال تردّد ما بين 300 ميچاهيرتز إلى 300 چيچاهيرتز، أي ما بين 300 مليون و300 مليار مرّة في الثّانية. للمقارنة، فإنّ تردّد الضّوء المرئيّ قريبٌ من پيتا هيرتز، أي مليون مليار مرّة في الثّانية. تُعتبر الموجات الميكرويّة مناسبة بشكل خاصّ للاتّصالات بعيدة المدى بسبب سهولة إنتاجها نسبيًّا، ويمكن صنع هوائيّات فعّالة لتوجيهها، ويمكنها نقل معلومات بوتيرة كافية لمختلف الاستخدامات التكنولوجيّة.
تذبذب الهوائيّات
إحدى الطّرق لتوجيه الموجات الكهرومغناطيسيّة، ولا سيّما الموجات الميكرويّة، هي من خلال الهوائيّ. يُعتبر الهوائيّ جسمًا مُوصلًا له شكلٌ ملائم للموجة الّتي نريد استقبالها أو بثّها. تصطدم الموجة بالهوائيّ وتسبّب تذبذب الشّحنات الموجودة فيه بتردّد يساوي تردّد الموجة. نظرًا لوجود العديد من الشّحنات الّتي تتذبذب الآن في تردّد معيّن، فإنّه يُنتج اهتزازه الخاصّ في المجال الكهربائيّ- موجة كهرومغناطيسيّة مع نفس تردّد الموجة الأصليّة. نتيجةً لذلك يبثّ الهوائيّ موجةً جديدة بنفس تردّد الموجة الّتي وصلت إليه، في الاتّجاه الّذي يمليه شكلُ الهوائيّ. هناك العديد من أنواع الهوائيّات المناسبة لِلموجات المختلفة والإرسال في اتجاهات مختلفة، للعديد من الاحتياجات المتنوّعة.
يوجد للموجة طول- وهو عبارة عن البعد بين قيمتين قياسيّتَين مجاورتَين للموجة، كما ويوجد للموجة تردّد- وهو عدد الدّورات عند نقطة معيّنة في وحدة زمنيّة. شكل نموذجيّ لِموجة إشعاع كهرومغناطيسيّ | مصدر: Carlos Clarivan, Science Photo Library
إحدى القواعد الأساسيّة لتصميم هوائيّ جيّد أن يكون طوله حوالي نصف طول الموجة الّتي نريد استقبالها أو بثّها. طول الموجة هو المسافة الّتي تقطعها الموجة خلال دورة واحدة، أي في ذبذبة واحدة للمجال للأعلى وللأسفل. يرسل مُوجِّه بالسيّارة عادةً موجات بتردّد حوالي 315 ميچاهرتز، والّذي يبلغ طول الموجة لديها حوالي متر، لذا فإنّ مُوجِّه السيّارة يُعتبر هوائيًّا غير سيّء. لِحُسن حظّنا، فإنّه أمر جيّد في حالتنا! نظرًا لكونه هوائيًّا سيّئًا، فإنّه يرسل موجات لكلّ اتّجاه، لذلك يمكنه العمل حتّى لو لم نوجّهه تجاه السيّارة. تكمن المشكلة في أنّ الإرسال لكلّ الاتّجاهات يؤدّي إلى هدر كميّة كبيرة من طاقة مُوجِّه، لأنّه يتحوّل إلى موجات لا تصل أبدًا إلى سيّارتنا، مثل الموجات الّتي تتحرّك باتّجاه الأرض أو السّماء.
دخول الرأس إلى الصّورة
يحوي رأسُنا، مثل باقي أعضاء الجسم، كميّةً كبيرة من جزيئات الماء، لم يتمّ شحنها بشحنة كهربائيّة شاملة، ولكنّها مرتّبة بحيث تتمركز شحنتها الموجبة والسّالبة في أماكن مختلفة، وتُدعى الجزيئات المستقطبة. وتتفاعل هذه الجزيئات مع المجالات الكهربائيّة بطريقة مماثلة للجسيمات المشحونة. عندما نقرّب مُوجِّه إلى رأسنا، تُذَبذِب الموجات الميكرويّة جزيئات الماء الّتي في أجسامنا، مثلما يحدث في الهوائيّ. مع أنّ رأسنا أصغر من أن يُعتبر هوائيًّا جيّدًا على طول موجة مُوجِّه، ولكن تبيّن أنّ هناك خدعة تساعدنا في هذه الحالة: المرور عبر الماء وأنسجة المخّ في رأسنا (على عكس المرور عبر الهواء) "يُعيق" الموجة الكهرومغناطيسيّة ويؤدّي إلى تقصير طولها إلى الطول المناسب لحجم رأسنا! نتيجةً لذلك؛ فإنّ العبور من خلال رأسنا يعيد توجيه بثّ مُوجِّه السيّارة؛ ما يؤدّي إلى بثّ جزء أقلّ من الطّاقة للأعلى أو للأسفل وبثّ جزءٍ أكبر إلى الجوانب، أي في الاتّجاهات المحتملة لتواجد سيّارتنا. يُعتبر التأثير صغيرًا نسبيًّا، لكنّه موجود، ويمكنه إضافة بضعة أمتار إلى نطاق عمل المُوجِّه.
خلاصة القول، عندما نوجّه مُوجِّه السيّارة إلى رأسنا، فإنّنا نجعل الموجة الكهرومغناطيسيّة الّتي يبثّها الجهاز تُلتَقَط وتُبَثّ من جديد بواسطة جزيئات الماء الموجودة في رأسنا، خاصّة إلى الجوانب وأقلّ إلى الأرض أو السّماء. هذا التّفسير مبسّط، ولكنّه يصف الآليّة الرئيسة خلف هذه الخدعة المفيدة. إذا أردتم تجربتها بأنفسكم، يمكنكم أيضًا استخدام زجاجة ماء كبيرة والحصول على نتائج مماثلة.
يوضّح روجر باولي (Bowley) أنّ زجاجة الماء تزيد أيضًا من مجال عمل مُوجِّه بالسيّارة :
أخيرًا، لِننتبه أنّ هذه الخدعة تعمل أيضًا مع أجهزة تحكّم أخرى تعتمد على الموجات الميكرويّة، ولكن ليس مع مُوجِّه التلفزيون أو مُوجِّه مكيّف الهواء. هذه الأجهزة لا تنقل الموجات الميكرويّة ولكن الأشعّة تحت الحمراء، الّتي يكون فيها طول الموجة أقصر بكثير (بمليون مرّة) من طول الموجة الميكرويّة، وبالتالي يتمّ إنتاجها وبثّها بطريقة مختلفة. لهذا السّبب، عندما نستخدم مُوجِّه مكيّف الهواء، يتعيّن علينا توجيهه نَحوه، على عكس مُوجِّه السيّارة، الّذي يعمل حتّى عندما لا تكون السيّارة ضمن مجال الرؤية.