لا يُستحسن إلقاء نوى الثمارعفويًّا في أنحاء الطبيعة؛ لأنّ ذلك قد يضرّ بالبيئة المحليّة، ولن تكون الثمار لذيذة الطعم حتّى لو تخطّت النّوى المنثورة الصِّعاب ونَمَت
تداولت وسائل التواصل الاجتماعيّ أكثر من مرّة منشورًا يحثّ على الاحتفاظ بنوى ثمار الفاكهة بعد أكلها وبعثرتها من شباك السيارة خلال السفر أينما كان. وأشار كاتبو المنشور إلى أنّ هذه العادة شائعةٌ في سلوفينيا ودول آسيويّة دون ذِكر أسماء هذه الدول، وأنّ جوانب الطرقات في تلك الدول تعجّ بفضل هذه العادة، حسب ما يدّعي هؤلاء، بالأشجار المثمرة كالتفاح والمشمش والبرقوق والإجاص.
تبدو الفكرة رائعة لأوّل وهلة؛ إلّا أنّ ثلاثة أسباب على الأقلّ تجعلنا نوصي بالامتناع عن هذا السلوك.
علينا إعادة النظر في الفكرة مع أنّها قد تبدو حسنة لأوّل وهلة. شجر البرقوق في إيطاليا | إيجور أرمياتش شطاينفرس
السبب الأوّل: على الأرجح ألّا تتكلّل العمليّة بنجاح
مصدر غالبيّة الأشجار المثمرة في البلاد هو مناطق يسود فيها المناخ القارّيّ أو شبه الاستوائيّ. تتميّز المناطق الّتي يسود فيها المناخ القارّيّ مثل آسيا الوسطى (أرمينيا وأفغانستان وشمال الصين على سبيل المثال) وشرق أوروبا (سلوفينيا مثلًا) بشتاء بارد وصيف حارّ وموسمَي أمطار رئيسين: الخريف والربيع. وتتميّز المناطق شبه الاستوائيّة الرطبة بدرجات حرارة معتدلة نسبيًّا وموسم أمطار رئيسٍ واحد هو الصيف. تُصنَّف المناطق المناخيّة في البلاد والّتي تشمل المناخ الشرق أوسطيّ ومناخ وادي عربة والمناخ الصحراويّ بأنّها شبه استوائيّة هي الأخرى، إلّا أنّها تمتاز جميعها بأمطار الشتاء.
يحرص المزارعون في البلاد على ريّ الأشجار المثمرة الّتي يغرِسونها في الموسم المناسب وعلى إزالة الأعشاب المحليّة الّتي قد تُنافس الأشجار المثمرة وتمنع عنها الموارد الضروريّة بسبب ملاءمتها للمناخ المحليّ. تحتاج أشجار مثمرة معيّنة، كتلك الّتي تصمد وتبقى على قيد الحياة في طبيعة البلاد عند بلوغها، للرعاية في أوّل حياتها. لن تتوفّر الظروف المؤاتية لنموّ نوى ثمرة التفاح أو بذرة البرتقالة الّتي تُلقَى على حافّة الطرقات في البلاد ولا ينجم عن ذلك غير تلوّث البيئة.
تحتاج الأشجار إلى الريّ بالماء وهي لا تستطيع منافسة النباتات المحليّة. أشجار تفاح في إيطاليا | إيجور أرمياتش شطاينفرس
السبب الثاني: سيضرّ ذلك بالبيئة حتّى إذا تكلّل بالنجاح
قليلة جدًّا هي الأماكنُ الّتي تتوفّر فيها ظروف طبيعيّة تناسبُ نموّ الأشجار المثمرة الشائعة نموًّا تلقائيًّا. يسود مناخ شبيه في الإقليم القارّيّ في قمم جبل الشيخ على ارتفاع يزيد عن 1200 متر، وتنمو هناك أصناف محليّة من أشجار التفاح والبرقوق والكرز تعيش بين النباتات النامية.
ضفاف الوديان والينابيع هي أيضًا موائل مناسبة للأشجار المثمرة في البلاد. كثيرًا ما نرى الأشجار المثمرة المحليّة مثل النخيل والتين والعنب على حافّة التجمّعات المائيّة الطبيعيّة المحليّة. انتشر قسم من هذه الأشجار وتكاثر بواسطة الطيور والخفافيش، ونشرَ الإنسان القسم الآخر مع الزمن إمّا عن سابق إصرار أو دون قصد. لم يعد التمييز بين أشجار النخيل والتين النامية بجانب الينابيع "بشكل طبيعيّ" وبين الأشجار الّتي زُرِعت في الماضي ممكنًا. تنمو إلى جانب هذه الأشجار، على ضفاف الوديان والينابيع، أصناف غير محليّة زُرِعت هناك عمدًا أو أنّها قدمت غازية إلى البلاد. التوت الأبيض (يُشار إلى أنّ ثمار البعض منه سوداء اللون) هو واحد من أكثر هذه الأشجار انتشارًا ويمكن أن نصادفه على امتداد ضفاف الوديان في شمال البلاد.
نرى الكثير من أشجار التوت الأبيض (مع أنّ ثمار بعض منه سوداء اللون)، وهو صنف غير محليّ، ناميةً على ضفاف الوديان في شمال البلاد وفي مناطق أخرى. شجرة التوت الأبيض في إحدى المدن | إيجور أرمياتش شطاينفرس
هل يُستحسن إذًا نثر نوى الفاكهة بجانب الوديان والينابيع؟
كلّا بالتأكيد. تبدو لأوّل وهلة رؤية أشجار الخوخ والمانجو المُكَدّسة بالثمار على ضفاف جدول فوّار مثيرةً، لكن علينا أن نتذكّر أنّ هذه هي مجموعة بيئيّة حيّة فعّالة تواجه الكثير من الصّعاب والتهديد على بقائها، وهي ليست مجرّد أطراف الطريق. تعيش أصناف كثيرة من النباتات (بما فيها نباتات لا تصلح غذاءً للإنسان) في الموائل الرطبة في البلاد وتقتات منها حيوانات كثيرة. تمرُّ المجموعات البيئيّة بضائقة بسبب الجفاف وتلوّث المياه، ويشكّلُ إقحام عامل غريب إليها ضائقةً أخرى هي في غِنى عنها، وينافس هذا العامل النباتات المحليّة وقد يتحوّل إلى صنفٍ من الأصناف الغازية.
تحوّلت بعض الأشجار المزروعة، مثل الواشنطونيا (شجرة زينة تشبه شجرة النخيل) واللبخ (الفيكوس، شجر زينة أيضًا)، إلى أصناف غازية في البيئات المائيّة الطبيعيّة في البلاد ولم يبقَ التهديد بمثابة حبر على الورق. أضف إلى ذلك أنّ مساحات طبيعيّة كثيرة في البلاد، مثل جبل الشيخ، هي محميّات طبيعيّة مُعلَنة يمنع القانون التدخُّل في نظامها البيئيّ.
قد يضرّ إقحام أصناف غريبة بالأنظمة البيئيّة الطبيعيّة الحيّة والفعّالة على ضفاف الجداول والوديان والينابيع. عين ماء في جنوب البحر الميت | إيجور أرمياتش شطاينفرس
السبب الثالث: النّوى والبذور ليست طريقة التكاثر المفضّلة للأشجار المثمرة
من المعتاد إكثار الأشجار المثمرة في الزراعة بطرق الترقيد الهوائيّ، على الرغم من أنّ معظم النباتات في الطبيعة تتكاثر عن طريق البذور (التكاثر النوعيّ). تُستنسَخ، بطرق الترقيد المختلفة، فسائل من النبتة بواسطة تجذيرها. يتمّ بهذه الطريقة الاحتفاظ بكامل الحُزمة الجينيّة للشجرة بدقّة، بما فيها جميع الخواصّ المطلوبة، من حيث الحجم واللون وطعم الفاكهة. يمكن استنساخ صنف كامل يعطي ملايين الثمار لذيذة المذاق على مدار مئات من السنين من شجرة برتقال أو شجرة تفاح ثمارها لذيذة الطعم. أمّا الأشجار الّتي تتكاثر من البذور والنّوى فتحوي حزمة جينيّة مخلوطة وقد تعطي ثمارًا جودتها أقلّ كثيرًا من ثمار النبتة الأم المميّزة من حيث قيمتها الطهويّة والّتي تمّ انتقاؤها دون غيرها من الأصناف.
نجد في جبل الشيخ العالي، الّذي تسود فيه ظروف مناخيّة شبيهة بالمناخ القارّيّ السائد في وسط آسيا وشرق أوروبا، بعض الأصناف من النباتات البريّة القريبة من أشجارنا المثمرة. خوخ الدب (نبتة بريّة) في جبل الشيخ | إيجور أرمياتش شطاينفرس
ماذا عسانا نفعل؟
إنّ فكرة تنمية الأشجار المثمرة في المساحات الخالية داخل المدن ومناطق الاستيطان القرويّة هي فكرة حسنة. يُستحسَن غرس الأشجار ورعايتها بدلًا من نثر البذور والنوى أينما كان دون اكتراث. حدِّدوا مساحةً يسمح القانون غرس الأشجار فيها وتحقّقوا من أنّ غرس الأشجار فيها لا يضرّ بالنظام البيئيّ القائم، ثمّ اشتروا صنف الشجرة الّتي تحبّونها أو احصلوا على الفسيلة بطريقة الترقيد الهوائيّ واغرسوها واعتنوا بها عن طريق ريّها بالماء وتسميدها وإزالة الأعشاب الضارّة من حولها. وستحصلون على مردود لا بأس به عندما تجنون الثمار مع أنّ ذلك يتطلّب عملًا شاقًّا هو أصعب بكثير من مجرّد نثر البذور والنوى على حافة الطرقات.