أحمد زويل الباحث المصريّ الّذي أحدث ثورة في دراسة العمليّات السّريعة في الكيمياء.
تتألّف الأفلام الّتي نشاهدها من سلسلة من الصّور الّتي تتوالى بسرعة كبيرة. تكفي سرعة انبثاق 24 صورةً (إطار) في الثّانية من أجل إحداث وهم الحركة المتصلة، إلّا أنّ التّقنيات الحديثة تستخدم وتيرة قد تصل حتّى 300 إطار في الثانية كما هو الحال في البثّ الرّياضيّ عالي الجودة - ما يتيح بثّ حركة بطيئة بجودة عالية. تفي هذه التّقنيات لغرض تصوير البشر أو الحيوانات بشكل جيّد، ولكن ماذا لو أردنا تصوير وتوثيق الأحداث الّتي تحصل في فترات زمنيّة أقصر بكثير، كالتّفاعلات الكيميائيّة على سبيل المثال؟
لكي يتمّ تفاعل كيميائيّ، يترتّب على المواد المختلفة أن ترتبط ببعضها، وفي بعض الأحيان يجب أن تتفكّك هذه المواد مُسبقًا أو أن تغيّر من شكلها الأصليّ. غالبًا ما يتطلّب الأمر استثمار الطّاقة حتّى يحدث هذا التّغيير لتنتقل الجزيئات من حالتها الثّابتة إلى حالة وسيطة، ومن ثمّ ترتبط هذه المواد لتصبح بحالة مستقرّة من جديد. تستمرّ هذه العمليّات لفترات زمنيّة قصيرة جدًّا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يستمرّ تفاعل كهذا نحو 50 فيمتوثانية (femtoseconds)، الجزء المليار من المليون (كوادرليون) من الثّانية. فإذا ما قارنا النّسبة ما بين الفيمتوثانية إلى الثّانية الكاملة لوجدناها هي تقريبًا نفس النّسبة ما بين الثّانية الواحدة إلى 32 مليون سنة. وقد تمّ تطوير التّقنية لدراسة مثل هذه العمليّات من قبل عالِم لامع وضع وطنه، مصر، والعالم العربيّ بأسره على منصّة العلوم العالميّة.
ولد أحمد زويل في شباط 1946م في دمنهور بمصر، ونشأ في الإسكندرية حيث تلقّى تعليمه. كان والده يكسب قوته من تصليح الدّراجات الهوائيّة والدّراجات النّارية قبل أن يصبح موظّفًا حكوميًّا، أمّا والدته فكانت ربّة منزل، وقامت بتربيته وأخواته الثّلاث بإخلاص. اهتمّ زويل بالعلوم منذ سنّ مبكّرة وأبدى شغفًا بالرّياضيات والفيزياء والكيمياء على وجه التّحديد. تمّ قبوله في جامعة الإسكندرية فور إتمامه المدرسة الثّانويّة، حيث حصل على منحة مع مرتبة الشّرف لدراسة الكيمياء، وتخرّج بدرجة البكالوريوس بامتياز، ثمّ قام بدراسة الماجستير، حيث انخرط في التّحليل الطّيفيّ ودراسة تكوين المواد من خلال تركيبة الضّوء المنبعثة منها. واصل زويل دراسته في الخارج، وعلى عكس الكثير من المصريّين الّذين درسوا في الاتّحاد السّوفيتيّ في تلك السّنوات، فضّل زويل إكمال دراسته في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فالتحق بجامعة بنسلفانيا لدراسات الدّكتوراة، حيث اهتمّ ببحث بعض التّفاعلات الكيميائيّة.
احتار زويل بعد حصوله على الدّكتوراة، إن كان سيعود إلى مصر أو يبحث عن وظيفة في أوروبا، إلّا أنّه بقي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في نهاية المطاف، ليلتحق بجامعة بيركلي في كاليفورنيا. وفي سنة 1976م، قبل منصبًا بحثيًّا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حيث حقّق أهمّ إنجاز علميّ له عندما تعمّق في بحث بعض التّفاعلات الكيميائيّة البسيطة نسبيًّا، مثل تحلّل مركّب يوديد الصّوديوم إلى ذرّات الصّوديوم واليود.
وميض مزدوج
اعتمد ابتكار زويل على تسليط ومضات ليزر قصيرة تدوم بضع فيمتوثانية. تستخدم هذه الطريقة ومضتين متتاليتين: تعطي الأولى المركّب الكيميائيّ الطّاقة اللّازمة لبدء العملية، في حين تقيس ومضة اللّيزر الثّانية تركيب المادّة بطريقة التّحليل الطّيفيّ. استطاع متابعة مراحل التّفاعل وتحديد ما إذا كانت تحدث دفعة واحدة، أو ما إذا كانت تتشكّل فيها مراحل وسيطة من خلال تغيير الفترات الزّمنيّة ما بين الومضات.
تمكَّن زويل من خلال ابتكاره دراسة تفاعلات كيميائيّة عديدة بدقّة فائقة. سمحت الطّريقة الّتي طوّرها للعديد من الباحثين الآخرين بفكّ ألغاز تفاعلات كيميائيّة مهمّة، كما فتحت المجال لتطوير محفّزات كيميائيّة جديدة، ومحرّكات تستهلك الوقود بنجاعة، وعقاقير تعتمد على فهم العمليّات الجزيئيّة الّتي تحدث في الجسم بشكل دقيق. كما قدّم ابتكارُه أدواتٍ بحثيّة جديدة أبرزها وأهمّها جائزة نوبل في الكيمياء الّتي نالها سنة 1999م، ليغدو بهذا أوّل عالم عربيّ يتلقّى جائزة نوبل في العلوم.
لمجالات الكيمياء والبيولوجيا والطبّ والهندسة. حصل زويل بفضل ابتكاره هذا على العديد من الجوائز العلميّة، كانت
شغل زويل، الّذي حصل على الجنسيّة الأمريكيّة سنة 1982م، منصبًا في المجلس العلميّ الرّئاسيّ بعد أن تمّ تعيينه من طرف باراك أوباما قَبل فترة وجيزة من انتخابه رئيسًا للولايات المتّحدة، ثمّ عيّنه لاحقًا سفيرًا علميًّا خاصًّا في الشّرق الأوسط. رغم استقراره في الولايات المتّحدة، إلا أنّ زويل أكثر من زيارة بلده مصر، بالإضافة إلى دول عربيّة أخرى، وكان يُعتبر إلى حدٍّ كبير سفيرًا للعالم العربيّ لدى الغرب. وكان زويل نشر في السّنوات الأخيرة مقالات رأي في الصّحافة الأمريكيّة، تطالب الحكومة بتعزيز العلاقات مع مصر في مواجهة اضطرابات النّظام في القاهرة وعدم تهديدها.
انغمس زويل في أبحاث مكثّفة حتّى أيّامه الأخيرة، بما في ذلك تطوير تقنيات جديدة في مجال الفحص المجهريّ (microscopy). توفّي زويل عن عمر يناهز 70 عامًا بعد أن صارع المرض. تمّ تشييع جثمانه في مصر بجنازة عسكريّة ليدفن على بعد دقائق من مدينة زويل للعلوم والتّكنولوجيا والابتكار الّتي أنشئت سنة 2017م وفقًا لما حلم به وخطّط له العالم أحمد زويل.