قام يعقوب حنّا وزملاؤه من معهد وايزمان للعُلوم بتنمية أجنّة فئران في مرحلة مُتقدّمة، خارج جسد الأم. أُدرِج عملهم في قائمة المُرشّحين العشرة للاكتشاف الواعد للعام 2021 في مجلة Science.
رافقت فكرة الرّحم الاصطناعيّ - وهو بيئة تنمو فيها الأجنّة دون الحاجة إلى جسم بشريّ- الخيال العلميّ لعقود من الزّمن، ابتداءً ب "مصانع" الأطفال في عالم رائع جديد لألدوس هكسلي، امتدادًا إلى ولادة مايلز فوركوسيجان وأطفال آتوس في كُتُب لويس ماكماستر بوزولد. تؤدّي تنمية الأطفال خارج الرّحم إلى العديد من الاحتمالات، من ضمنها التّأثيرعلى طريقة نُمو الجنين، بالتالي على صفات الشّخص البالغ وخصائصه فيما بعد. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الطريقة من شأنها أن تُتيح علاجات لأمراض ومُتلازمات مختلفة في مرحلة الحمل، كماتؤدّي إلى الولادة في عالم لا نساء فيه.
ما يزال الطّريق للرّحم الاصطناعيّ الحقيقيّ طويلًا، لكن هذا في العام تمّ اتّخاذ خُطوة مهمّة نحو تحويله إلى حقيقة، وهي خطوة تُتيح أيضًا إمكانيّات عديدة للبحث والطبّ. قام البروفيسور يعقوب حنّا من قسم علم الوراثة الجزيئيّة في معهد وايزمان للعلوم وزملاؤه بتربية أجنّة فئران خارج الرحم من عمر خمسة أيام حتّى عمر 11.5 يومًا، من أصل ما يقارب العشرين يومًا، والتي تُساوي فترة حمل أنثى الفأر. أُدرِجت الدراسة، والّتي نُشرت في مايو من هذا العام، في قائمة المتأهّلين العشرة للحصول على لقب اكتشاف العام الذي نشرته المجلّة العلميّة المُهمّة Science.
في مرحلة ما، تُصبح الحركة ضروريّة لنموّ الأجنة. جهاز يقوم بتدوير أوعية الأجنّة في الحاضنة | بإذن من البروفيسور حنا.
التّوسُّط بين الأطراف
توصّل العُلماء منذ فترة طويلة إلى كيفيّة تنمية الأجنّة خارج الرّحم في المرحلة الأولى، بعد الإخصاب مباشرة - وهي الطريقة التي يتمّ بها الإخصاب في المُختبر(IVF) - حيث يتمّ زرع الجنين داخل الرّحم. في الطرف الآخر أيضًا من الحمل، أي عند علاج الجنين خارج الرّحم مع اقتراب موعد الولادة، هناك تقدّم كبير. يتمّ التّعامل مع الولادات المبكرة في الحاضنات كإجراء روتينيّ، ويحاول الباحثون باستمرار توقّع العُمر الذي يُمكن للأجنة أن تعيشه خارج الرّحم. تمّ نشر دراسة في 2017 نجحوا فيها في تربية أجنّة خِراف في الجزء الأخير من الحمل بما يشبه الرّحم الاصطناعيّ، وذلك بمساعدة مشيمة صناعيّة تتّصل بالحبل السرّيّ للجنين: "تبقّى لنا فقط سدّ الفجوة بين طرفي النّمو، والآن قُمنا بتقليصها عندما أظهرنا إمكانية نُموّ الجنين حتّى نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من التطوّر، وأكثر من ذلك". قال حنّا في مقابلة مع صحيفة هآرس.
يعمل حنّا وزملاؤه منذ سنوات على إيجاد الظّروف الدقيقة التي يمكن أن تتطوّر فيها أجنّة الفئران، فهي لا تحتاج فقط إلى الاهتمام بدرجة الحرارة المناسبة والمواد الغذائيّة الضّروريّة للنُّمو، لكن أيضًا إلى إيجاد طريقة للسّماح للجنين بتبادل الغازات مع البيئة، وإلى تحديد مقدار تحريك الأجنّة الصغيرة داخل "الرّحم الاصطناعيّ".
في طريقة ما طوّرها الباحثون، تطفو الأجنّة داخل أوعية زُجاجيّة صغيرة مملوءة بسائل يحتوي على مواد غذائيّة، يقوم نظام تهوية بتدفق الأكسجين إلى السائل. تتطلّب كلّ مرحلة من مراحل النموّ ظُروفًا مختلفة قليلًا: حيث وجد الباحثون، على سبيل المثال، أنّ الأجنّة تنمو بشكل جيّد في أوّل يومين عندما تكون الأوعية ثابتة، فيما تكون الحركة ضروريّة لتطوّرها في الأيام التّالية، حيث يقوم الباحثون بنقلها إلى جهاز وظيفته تحريك الأوعية.
عندما تمّت المقارنة بين الأجنّة التي تطوّرت في المختبر وأجنّة في نفس الفترة العمريّة التي تطورّت في الرّحم، لم تكن هُناك فروقات بينها. قال حنّا في بيان صحفي: "إذا مُنحت الظّروف المُناسبة للجنين، فإن شيفرته الجينيّة ستعمل كصَفّ من قطع الدومينو المُعدّة مُسبقًا، حيث تتساقط القطع الواحدة تلو الأخرى. كان هدفنا إعادة إنشاء هذه الظروف، والآن يُمكننا أن نُشاهد قطع الدومينو مُباشرة وهي تضرب بعضها البعض، واحدة تلو الأخرى".
تسمح الطّريقة للباحثين بفحص تطوّر الأجنّة خارج الجسم. أجنّة عمرها خمسة أيّام | بإذن من البروفيسور حنا.
مُراقبة الأعضاء النّامية
إنّ مرحلة النّموّ التي تمكّن حنّا وزملاؤه من إعادة بنائها خارج الرحم هي المرحلة التي تبدأ فيها أعضاء الجنين بالتطوّر. على الرّغم من أنّ حجم الأجنّة التي يتمّ تنميتها في المختبر لا يتجاوز حجم بذرة التّفّاح، إلّا أن لديها قلب ينبض، بداية جهاز عصبي، بدايات أطراف، وأكثر من ذلك. عندما تنمو خارج الجسم، لا يمكن للمرء فقط مراقبة تطوّر الأعضاء، بل وأيضًا التدخّل فيه: تشغيل جينات معيّنة أو إيقافها وفحص كيفيّة تأثيرها على عمليّة التطوّر.
حلم الرحم الاصطناعيّ الحقيقيّ -من الإخصاب إلى الولادة- ما زال بعيدًا، لكن تطوّرالجنين خارج الجسم، حتّى لو اقتصر الأمر على فترة قصيرة فقط، سيَسمح للعُلماء بدراسة العمليّة المُعقّدة للغاية عن كثب، والمُتمثّلة في تكوين كائن حيّ متكامل من خلية واحدة فقط.
في الفيديو تظهر الأجنّة بداخل "الرحم الاصطناعي":
تمّ اختيار بحث يعقوب حنا ضمن القائمة المُحترمة للمرشّحين لأفضل اكتشاف علميّ لهذا العام. تتضمّن القائمة، من بين أمور أخرى، طريقة لإيجاد حمض نوويّ قديم في الأرض، لمحة عن البُنية الدّاخليّة لكوكب المرّيخ، تطوير علاج ضدّ فيروس كورونا، والعديد. تحاول الدراسة المُختارة لعام 2021 فكّ رموز هياكل البروتينات بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعيّ المُتطوّرة.
في الأسبوع الماضي، تمّ اختيار دراسة إسرائيليّة أخرى من قبل مجلّة Physics World لتحقيقها اكتشاف عظيم في الفيزياء لهذا العام. استطاع الدكتور شلومي كوتلر من الجامعة العبريّة في القدس أن يُبرهن في دراسته تشابُك كمّي لأنظمة كبيرة نسبيًّا، والتي قد تكون خُطوة مهمّة أخرى في الطريق لتطوير أجهزة حاسوب كمّيّة و اتّصالات كمّيّة.