طوّرَ علماء برازيليّون لونًا أزرق مستقرًّا وغير سامٍّ من صباغ الشّمندر الأحمر
الأزرق هو لون البحر ولون السّماء في الطّقس الصّافي. يواجه منتجو الأصباغ على أنواعها صعوباتٍ كبيرة في إنتاج الأصباغ الزّرقاء المستقرّة غير السّامّة، لاستخدامها في صناعة الغذاء وموادّ التّجميل.
تحتوي الكثير من الأصباغ الزّرقاء الّتي تُستحضر من المعادن وتستخدم في الرّسم مثلًا، على فلزّات سامّة. ينجم اللّون الأزرق لدى كثير من الحيوانات، مثل ريش الطّاووس والغراب الأزرق والفراشة الزّرقاء، عن انكسار الضّوء وانحرافه عند وقوعه على مباني ميكروسكوبيّة فراغيّة موجودة في ريش هذه الحيوانات. هذا هو اللّون الأزرق الفيزيائيّ الّذي لا ينجم عن صباغٍ أزرق. لا يمكن، لمزيد الأسف، استحضار الألوان الفيزيائيّة والاحتفاظ بها داخل وعاء ما.
تستمدّ النّباتات الزّرقاء، مثل أزهار التّرمس وفيرونيكا وديزي الميدان وغيرها من الأزهار وبعض أنواع العُلّيق، على لونها من الأصباغ. يمكن إنتاج هذه الأصباغ، وهي عبارة عن جزيئات من عائلة الانثوسيانينات، إلّا أنّها تتحلّل بسرعة وخاصّة في الوسط الحمضيّ. يقول أريك باستوس (Bastos)، وهو كيميائيّ من جامعة ساو باولو البرازيليّة: "لا يدوم الصّباغ وقتًا طويلًا إذ يتغيّر اللّون الأزرق أو أنّه يبهت". موقع Science News.
يحافظ الصّباغ الجديد على مبناه ولا يتحلّل، بخلاف الصّبغات الزّرقاء المستحضرة من النّباتات | تصوير: E.L. BASTOS
الطّبيب النّفسيّ الجزيئيّ
أمّا الان فقد أعلن باستوس وزملاؤه عن إيجاد حلٍّ لهذه المشكلة: الصّباغ الأزرق المستقرّالّذي يتمّ استحضاره بالذّات من الشّمندر، النّبتة غير المعروفة بلون أزرق (لونها أحمر - بنفسجيّ). يُجري باستوس منذ مدّة دراسات على الأصباغ الّتي تنتمي إلى عائلة البيتالين (betalains) الموجودة في ثمار فاكهة التّنّين (البيتايا) وفي بعض أنواع الفطر وفي الشّمندر. لون هذه الأصباغ هو الأصفر والأحمر وهي الّتي تُضفي اللّون الأحمر القاني لعصارة الشّمندر. توصّل الباحثون إلى إمكانية تحويل لون هذا الصّباغ إلى الأزرق عن طريق إحداث تغيير في مبنى جزيئاته من خلال تفاعل كيميائيّ.
قال باستوس، في حديثه إلى مجلة نيويورك تايمز: "أحبّ أن أرى نفسي في دور الطّبيب النّفسيّ الجزيئيّ. أقوم بفحص مبنى الجزيء وأبحث في مخيّلتي عن التّغيير الّذي من شأنه أن يجعل الجزيئات تطاوعني، ولا يحدث ذلك دائمًا إذ إنّه بالغ التّعقيد".
تكلّلت محاولات باستوس وطاقمه بالنّجاح هذه المرّة، بالرّغم من الصّعوبات. حافظ اللّون الأزرق الغامق الّذي استحضره، والذي سُمّيَ بالأزرق - شمندر (Beet Blue)، على الثّبات في المحاليل العضويّة والحمض. اِتّضح أنّه يمكن صباغة القماش المصنوع من القطن ومن الحرير والشّعر والياغورت بهذا الصّباغ. بقي السّؤال المطروح: هل استخدام الصّباغ آمن؟
قام الباحثون بتعريض أنواع من الخلايا البشريّة المزروعة، مثل خلايا الكبد والخلايا الشّبكيّة، للّون الجديد وذلك لفحص تأثيره عليها وتبيّن أنّها لم تتضرّر. وعرّض الباحثون أجنّة سَمَك الزّرد للّون نفسه من أجل فحص إمكانيّة ومدى تأثيره على تطوّر الجنين، ومرّ هذا الفحص بسلام أيضًا. يجب، على الرّغم من ذلك، إجراء المزيد من الفحوصات قبل أن يتسنّى لنا الجزم بأنّ هذا اللّون آمن، وأنّه يمكننا تناول الياغورت المصبوغ به دونما خوف.
فيما يلي فيديو قصير عن عمليّة استحضار الصّباغ "الأزرق - شمندر":