كمّيّة الدهن الموجودة بالحليب، الأعشاب الّتي أكلتها الأبقار وحتّى صبغات الطعام . لكلّ اصفرار أسبابه الخاصّة
المعكرونة مع الجبن الأصفر الذائب في الميكروويف هو أحد الأطباق التي كانت تُقدم غالبًا على طاولة والديّ عندما كنت صغيرًا، وهو طبق معروف أيضًا باسمه الألمانيّ "Mac & Cheese" ، أي المعكرونة بالجبن. بما أنّ الجبن مصنوع من الحليب ولون الحليب أبيض، فكيف يتحوّل لون الجبن إلى اللون الأصفر؟ هل تغيّر اللون هو نتيجة طبيعيّة لعمليّة صنع الجبن؟
كيف تُصنع الجبنة؟
تعتمد الإجابة على السؤال في العنوان إلى حدّ كبير على نوع الجبن الأصفر. عادةً ما تكون الأجبان الصفراء صلبة أو شبه صلبة، وتستغرق عمليّة إنتاجها ما بين بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر. لصنع الجبن، فإنّ أوّل شيء يجب فعله هو فصل بروتينات الحليب، الكازين، عن مكونات الحليب الأخرى، والتي تشمل الماء (حوالي 90%)، السكّرّيّات (حوالي 5%) والدهون (حوالي 4%). يتمّ تسريع عمليّة الفصل بمساعدة إنزيم، وهو بروتين متخصّص في تسريع العمليّات الكيميائيّة، وفي النهاية يتمّ الحصول على جبن غنيّ بالبروتين. للحصول على الأجبان الصلبة، يتمّ إضافة كمّيّة كبيرة نسبيًّا من الإنزيم، ممّا يؤدّي إلى الحصول على الجبن الصلب. يمكن ضغط الجبن الناتج وتشكيله إلى أشكال مختلفة، ويمكن طليه بمواد شبيهة بالشمع، وتركه لفترة زمنيّة طويلة. تؤثّر كمية الإنزيم، مستوى الضغط، الفترة الزمنيّة والمواد المضافة إلى الجبن على طعم الجبن، ملمسه ورائحته.
العشب واصفرار الجبنة
يُعدّ جبن الشيدر من أقدم أنواع الجبن الأصفر، والذي يتميّز عادة باللون البرتقاليّ الفاتح. ربما بدأ إنتاج الجبن، الذي سمّي على اسم مدينة شيدر الإنجليزيّة، في وقت مبكّر من بداية الألفيّة السابقة. في تقارير ملك إنجلترا الملك هنري الثاني، ورد أنّه في سنة 1170 اشترى القصر الملكيّ حوالي أربعة أطنان من جبن الشيدر. لعدّة قرون، كان الجبن يصنع من حليب أبقار جيرسي أو غيرنسي، التي تأكل العشب الطازج. هذا العشب غنيّ بصبغة بيتا كاروتين المسؤولة، من بين أمور أخرى، عن اللون البرتقاليّ للجزر، اليقطين والبطاطا الحلوة. نتيجةً لذلك، فإنّ حليب هذه الأبقار غنيّ نسبيًّا بالبيتا كاروتين، لذلك يميل إلى اللون البرتقاليّ.
وفقًا لبول كيندستيدت (Kindstedt) من قسم التغذية وعلوم الغذاء في جامعة فيرمونت، أدرك صانعو الجبن الإنجليز في القرن السابع عشر أنّه يمكنهم جني الكثير من المال إذا أزالوا طبقة الدهون من الحليب، صنعوا منها الزبدة وباعوها بشكل منفصل. مع الطبقة الدهنيّة، تمّ أيضًا فصل بيتا كاروتين عن الحليب، الذي يذوب جيّدًا في الدهون، بحيث يكون الجبن المصنوع من الحليب قليل الدسم أيضًا ذا لون خفيف. لجعل المستهلك يعتقد أنّه ما زال يشتري الجبن عالي الدسم، أضاف المُصنّعون المبدعون صبغة الطعام البرتقاليّة إلى الجبن. ربّما أرادوا أيضًا أن يظلّ لون الجبن موحّدًا طوال العام، ولا يعتمد على النظام الغذائيّ للأبقار.
في الأصل تم إدخال صبغات الطعام إلى الجبن لخداع العملاء. جبنة الشيدر | تصوير: HandmadePictures, Shutterstock
الأصفر وصل إلى الدولة
أصبحت عادة إضافة ألوان الطعام إلى جبن الشيدر شائعة منذ ذلك الحين. ومع ذلك، هناك عدد غير قليل من المتاجر التي تبيع جبنة الشيدر الأبيض التي لم تضف إليها صبغات غذائيّة. عند عدم إضافة صبغات طعام إلى جبنة الشيدر، يعتمد لونها على النظام الغذائيّ للأبقار. يقول Net Bacon، صانع الجبن في فيرمونت، إنّه "بالتأكيد نحن نرى وجود تغيّر في لون الجبن عندما تبدأ الأبقار في أكل العشب في أوائل مايو".
الجبن الأصفر الشائع الآخر هو جودا (بتعبير أدق هودا)، الذي سمّي على اسم المدينة الهولنديّة التي صنع حولها الجبن في الأصل. على غرار جبنة الشيدر، فإنّ لون جبن جودا كذلك هو نتيجة إضافة صبغة طعام، عادةً هي صبغة اناتو، المستخرجة من شجرة استوائيّة تسُمّى أشيوت (achiote). الجبن المعروف باسم "الأصفر" في إسرائيل هو جبن شبه صلب، يشبه الجبن جودا أو جبن آدم الهولندي. كشبيه لجودا، اللون الأصفر للجبن الإسرائيليّ الأصفر هو أيضا نتيجة صبغات الطعام.
اللون الأصفر أصله من شجرة استوائيّة . جبنة جودا | تصوير: norikko, Shutterstock
قوانين الاصفرار
على الرغم من أنّ اللون الأصفر للعديد من أنواع الجبن اليوم هو نتيجة لصبغات الطعام المضافة، إلّا أنّ هناك بعض أنواع الجبن غير العاديّة. إحداها هي جبن البارميزان الأصليّة، المعروف أيضًا باسم "بارميجيانو-ريجيانو" (Parmigiano-Reggiano)، نسبة إلى منطقة في إيطاليا مكان إنتاجها. من أجل تسمية الجبن "permigno-Reggiano"، هناك بعض التعليمات لعمليّة الإنتاج المنصوص عليها في القانون.
ينصّ القانون على أنّ الجبن يمكن أن يحتوي على ثلاثة مكونات فقط: الحليب، الملح وإنزيم مُعيّن يُضاف إلى الحليب، وبالتالي يُمنع إضافة صبغات الطعام إلى جبن البارميزان. بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن تستمرّ عمليّة التعتيق لمدّة 12 شهرًا على الأقل، وفي نهايتها يقوم مراقبو الجودة المعتمدون بفحص لون، طعم ورائحة الجبن. يجب أن يكون لون الجبنة مثل لون "القشّ الأصفر"، وبدون هذا اللون المميّز لا يمكن تسميتها بهذا الاسم. بالرغم من عدم إضافة أيّ صبغات غذائيّة فستجد أنّ لونها أصفر، وذلك بفضل مادّة بيتا كاروتين التي تتواجد في حليب الأبقار المحلّيّة من العشب الذي تأكله. على عكس منتجي الشيدر الإنجليزيّ، لا يقوم منتجو البارميزان بإزالة الطبقة الدهنيّة من حليب البقر، لذلك تظلّ صفراء حتّى بدون إضافة صبغات الطعام.
لون أصفر طبيعيّ، بحسب القانون وبعد فحص المختصّين. جبنة البارمازان | تصوير: Olexiy Bayev, Shutterstock
الجبن الأزرق والأبيض
هل سبق لك أن رأيت جبن الماعز الأصفر؟ على عكس الأبقار، التي يكون حليبها غنيًّا بالبيتا كاروتين، عندما تلعق الماعز العشب، يتحلّل بيتا كاروتين في أجسامها إلى فيتامين أ. ونتيجةً لذلك، لا يحتوي حليب الماعز على بيتا كاروتين على الإطلاق، ولونه أبيض. لذلك فإنّ جبن الماعز من جميع الأنواع يكون دائمًا أبيض، حتّى عندما يكون للجبن من حليب البقر لون أصفر متفاوت ناتج عن النظام الغذائيّ للأبقار.
في تناقض حادّ مع اللون الأبيض لجبن الماعز، هنالك أيضًا أنواع أجبان زرقاء متعارف عليها مثل Roquefort. أصل اللون الأزرق والأخضر في الجبن من هذا النوع هو في نوع عفن معيّن يضاف إلى الجبن. لا يغيّر العفن لون الجبن فحسب، بل يفصل أيضًا الدهون الموجودة في الجبن إلى أحجار البناء الأساسيّة، ألّا وهي الأحماض الدهنيّة والّتي لبعضها نكهات فريدة تميّز الجبن الأزرق، مثل الطعم الذي يعطي إحساسًا بالحرقة.
ألوان الجبن أصلها ليس من الصبغات وإنما من العفن المضاف إليها. جبنة زرقاء | تصوير: Africa Studio, Shutterstock
علاقة اللون بالطعم
رأينا في بداية المقال أنّ العديد من أنواع الجبن الأصفر تحصل على لونها من إضافة صبغات الطعام، والتي من المفترض أن تجعل الناس يحبّون الجبن أكثر. درس باحثون من قسم التغذية وعلوم الغذاء بجامعة يوتا كيف يؤثّر لون الجبن الأصفر على تصوّرات المستهلكين للطعم. للقيام بذلك، أنتج الباحثون تسعة أنواع جبن شيدر بكمّيّات مختلفة من الأنتو، ممّا يعطي الطعام لونًا برتقاليًّا وثاني أكسيد التيتانيوم (E171) الذي يعطي اللون الأبيض. في الدراسة التي أقيمت وشملت 120 مشاركًا، وجد أن معظم مستهلكي الجبن كانوا في مكان ما في الوسط: اللون القوي جدًّا جعل المشتركين أقلّ إعجابًا بالجبن، وحتّى اللون الفاتح جدًّا لم يرق لهم. على ما يبدو أنّنا نحبّ -أو على الأقل اعتدنا على- الأكل باللون الأصفر المألوف.