لا يُولد القمر من جديد حقًّا في كلّ بداية من الشّهر الهجري، لكن بالنّظر إلى الكرة الأرضيّة يبدو لنا أنّه قد يكون مختلفًا قليلاً في كلّ يوم
القمر، أكبر وأصفى جسم في سماء اللّيل، أثار اهتمام الإنسان منذ فجر التّاريخ. كان النّاس يعبدونه، يخبرون عنه قصصًا ويحاولون فهمه. أحد الألغاز العظيمة الّتي شغلت أسلافنا هو كيف بدى القمر مختلفًا في كلّ ليلة - كاملًا في بعض الأحيان، ناقصًا أحيانًا وما بين بين في أحيانٍ أخرى؟
ضوء من مصدر ثانٍ
لفهم سبب تغيّر القمر خلال الشّهر، يجب علينا أن نفهم أوّلاً أنّ القمر لا ينتج الضّوء بنفسه، بل يعكس الضّوء الّذي يصل إليه من الشّمس. عندما يكون القمر بيننا وبين الشّمس، فإنّ كلّ الضّوء المنعكس منه يتّجِه نحو الشّمس ولا يصل إلينا شيء. لذلك لا نرى القمر في السّماء. هذه هي ولادة القمر، والّتي بموجبها يتمّ تحديد بداية الشّهر في كلّ من التّقويم الهجريّ والعبريّ. بتعبيرٍ أدقّ، يتمّ تحديد الشّهر وفق الميلاد الظّاهر، والّذي يأتي في اللّيلة التّالية، عندما يظهر القمر على شكل هلال رقيق في السّماء الغربيّة بعد غروب الشّمس مباشرةً.
كلّما تقدّم القمر في مساره حول الأرض، يتّجه جزء أكبر من سطحه نحو الشّمس والأرض أيضًا. بعد حوالي أسبوعين سيكون القمر خلف الأرض بالنّسبة للشّمس، بحيث يتحوّل كلّ الضّوء العائد منه نحونا، فيبدو القمر كاملاً. إنّه منتصف الشّهر العبريّ والهجريّ الإسلاميّ.
يعكس الضّوء الّذي يصل إليه من الشمس. ظهور القمر في مراحل مختلفة من مساره - SPL, Inna Bigun
وهنا يُطرح السّؤال: إذا كانت الأرض موجودة بين الشّمس والقمر، لماذا إذًا لا تحجب كلّ الضّوء من الشّمس إلى القمر، تاركة القمر مظلمًا؟ هذا بالفعل ما كان سيحدث إذا كان القمر يدور حول الأرض في نفس المستوى الّذي تدور به الأرض حول الشّمس (درب التّبَّانة). لكنّ مسار القمر مائل بحوالي 5 درجات عن مجرّة درب التّبَّانة، لذلك سيتواجد في معظم الأوقات فوق الأرض أو تحتها، ويتعرّض لأشعة الشمس. بعد أسبوعين إضافيّين، يعود القمر إلى حالته السّابقة، أي بيننا وبين الشمس، وبهذا نكون مع ميلاد جديد للقمر.
لكن في بعض الأحيان تحجب الأرض القمر في ظاهرة تُعرف باسم "خسوف القمر". يحدث الخسوف دائمًا في حالة اكتمال القمر، في الأيّام الّتي يتواجد فيها تمامًا في درب التّبّانة. في هذه الحالة، لا يختفي القمر تمامًا، لكنّه سيبدو شديد الاحمرار. يعود السّبب في ذلك أنّه بالرّغم من أنّ الأرض تحجب ضوء الشمس، تنكسر بعض أشعة الضوّء في غلافنا الجويّ وتصل إلى القمر على الرّغم من ذلك. يرجع اللّون الأحمر إلى حقيقة أنّ الغلاف الجويّ يبعث الضّوء بكفاءة بطول موجيّ قصير (على سبيل المثال الأزرق - لذلك فإنّ السّماء زرقاء)، في حين أنّ الموجات الأطول - على سبيل المثال الأحمر - يمكن أن تمرّ عبر الغلاف الجوّيّ وتصل إلى القمر وترجع من القمر إلينا.
بالطّريقة ذاتها، لكن بصورة عكسيّة، يحدث أيضًا كسوف الشّمس: القمر موجود على درب التّبّانة، بيننا وبين الشمس، ويمنع ضوء الشّمس من الوصول إلى جزء من الأرض الموجودة في مجالات ظلّه. لهذا السبب يحدث خسوف الشمس دائمًا أثناء ولادة القمر.
لا يتواجدون على نفس الدرب. مسارات الأرض حول الشمس والقمر حول الأرض | SPL, Tim Brown
"عقارب" القمر
يشرق القمر ويغرب كالشّمس أيضًا - نتيجة دوران الأرض حول نفسها. يميل الكثير من النّاس إلى الاعتقاد بأنّ القمر يضيء في اللّيل فقط، ربّما لأنّ هذا ما قد قيل لنا عندما كنّا أطفالًا. في الواقع، قد يظهر القمر في السّماء على مدار ساعات اليوم، ويظهر كلّ يوم (في المتوسط) متأخّرًا حوالي خمسين دقيقة، نظرًا للاختلاف بين سرعة دوران الأرض حول نفسها وسرعة تقدّم القمر في مساره حول الأرض. يرفع نفس هذا الدوران القمر كلّ يوم حوالي 13 درجة في السّماء. لذلك، عندما تكمل الأرض دورانًا كاملًا حول نفسها، يجب أن تتقدّم 13 درجة أخرى "لالتقاط" القمر. تشبيه جيّد لهذا الأمر هو ساعة العقارب، بحيث يكون عقرب الدّقائق هو الأرض وعقرب السّاعات هو القمر. لاحظوا أنّ عقارب الساعة تلتقي كلّ 65 دقيقة تقريبًا، وليس كلّ ساعة كاملة.
لا يتغيّر مظهر القمر فحسب، بل يتغيّر أيضًا حجمه الظّاهر في السماء. هذا لأنّ القمر يدور حول الأرض في مدار بيضاويّ وليس في دائرة كاملة، لذلك في بعض الأحيان يبتعد عنا ويعاود الاقتراب منّا أحيانًا. عند ذروة ابتعاده (نقطة الأوج)، يبعد القمر حوالي 405.000 كيلومتر عن الأرض. في ذروة اقترابه (نقطة الحضيض)، كان يبعد عنّا حوالي 360 ألف كيلومتر فقط. إذا كان القمر قريبًا من نقطة الحضيض عندما يكون كاملًا، سنرى قمرًا كبيرًا وجميلًا في السّماء، يُعرف أيضًا باسم "القمر العملاق" (Supermoon).
قد يظهر في السّماء على مدار ساعات اليوم. ظهور القمر على مدار شهر NASA
تستمرّ الدّورة القمريّة، وهي الوقت الّذي ينقضي بين قمرين كاملين، حوالي 29 يومًا. لأنّه في أيّ شهر تقويميّ أجنبيّ، المستند على دوران الأرض حول الشّمس، عادة ما يكون هناك 31-30 يومًا، ستكون هناك أشهر فيها القمر كاملًا مرتين. يسمّى القمر الكامل الثّاني القمر الأزرق (Blue moon)، لكن هذا الاسم لا علاقة له بلون القمر. تشير العبارة الإنجليزيّة "مرّة واحدة في القمر الأزرق" إلى شيء نادر بشكل خاصّ، لكن في الواقع يحدث القمر الأزرق مرّة واحدة كلّ ثلاث سنوات. سيكون القمر الأزرق القادم ، في أكتوبر 2023.
بغضّ النّظر عن شهور السّنة، يمكن أن يظهر القمر باللّون الأزرق في بعض الأحيان. تحدث هذه الظّاهرة عندما يكون هناك الكثير من الرّماد أو جزيئات الغبار في الغلاف الجوّيّ للأرض، عادةً ما يكون ذلك نتيجة للحرائق أو الانفجارات البركانيّة. تبعثر هذه الجسيمات الضّوء القادم من القمر، وبالتّالي تمنحه لونًا أزرق. أدّى الانفجار العنيف لبركان كراكاتوا (Krakatoa) في إندونيسيا عام 1883، والّذي عادلت قوّته عدّة آلاف من القنابل الذّرّيّة، إلى إطلاق كمّيّة هائلة من الرّماد وجزيئات الغبار في الغلاف الجوّيّ، ممّا جعل القمر يبدو مزرقًّا لمدّة عامين تقريبًا.