ما الّذي يسبّب عمى الألوان؟ ولماذا عدد الذّكور المصابين بعمى الألوان أكبر بكثير من الإناث؟ تكمن الإجابة في الكروموسومات
الجدول رقم 9 في اختبار ايشيهارا لاختبار عمى الألوان / رؤية الألوان | المصدر: ويكيبيديا
يرى معظم الأشخاص الّذين ينظرون إلى هذه الصّورة الرّقم 74، ولكن هناك أقليّة لا بأس بها- حوالي %6 من بين الذّكور وأقلّ من %1 من الإناث الّذي يرون رقمًا آخرًا، وهو 21. هذه الفئة من الأشخاص مصابة بعمى الألوان، وتواجه صعوبة في التّمييز بين الألوان في مجالَي الأخضر والأحمر. ما هي أسباب ذلك؟ ولماذا يوجد عدد أكبر من الذّكور المصابين بعمى الألوان مقارنةً بالإناث؟ كالعادة، تكمن الإجابات في الجينات.
الخلايا المسؤولة عن رؤية الألوان هي خلايا مستقبِلة للضّوء في شبكيّة العين، وتسمّى الخلايا المخروطيّة (Cone cells). وترافقها الخلايا العصويّة (Rod Cells) في الشّبكيّة، وهي خلايا تستقبل الضّوء وتتيح لنا الرّؤية عندما يكون الضّوء خفيفًا، ولكنّها لا تمكّننا من التّمييز بين الألوان. هناك غالبًا ثلاثة أنواع من الخلايا العصويّة، وكلّ منها يستجيب بشدّة لضّوء بلون معيّن، أي بطول موجة معيّن. أحدها يستجيب بشكل أساسيّ لأقصر موجات الضّوء المرئيّ، في مجال الضّوء الأزرق، والثّاني لمجال الضّوء الأخضر، والثّالث يستجيب بقوّة للضّوء الأحمر. في بعض الحيوانات هناك عدد أنواع أكبر من الخلايا العصويّة- معظم الطّيور لديها أربعة أنواع، ولدى قريدس ال Mantis ما لا يقلّ عن 12 نوعًا من هذه الخلايا في عينيه.
الأوبسينات الضّوئيّة (Photopsins) هي الّتي تحدّد فعاليّة الخلايا في الأطوال الموجيّة المختلفة، وهي بروتينات مستقبلة للضّوء موجودة في الخلايا. تحتوي الخليّة المستقبلة للضّوء الأحمر الأوبسينات الضّوئيّة الّتي تستجيب للضّوء الأحمر، تحتوي الخليّة المستقبلة للضّوء الأخضر الأوبسينات الضّوئيّة الّتي تستجيب للضّوء الأخضر وهكذا دواليك. تُنتجُ هذه البروتينات وفقًا لتعليمات يمليها ال DNA في خلايانا، ولدى معظمنا ثلاثة جينات مسؤولة عن إنتاج الأوبسينات الضّوئيّة الثّلاثة. إذا حدثت طفرة بإحدى هذه الجينات، وهو تغيير يؤدّي إلى تعطيل الجين أو انخفاض في مستوى عمله، يُصاب الشّخص بعمى ألوان - إحدى الخلايا المستقبلة للضّوء المسؤولة عن رؤية لون معيّن لا تعمل بشكل سليم، ويواجه الشّخص صعوبةً في تمييز الألوان في هذا المجال.
كروموسوم X
السّبب الأكثر شيوعًا لعمى الألوان هو حدوث طفرة في الجين المسؤول عن امتصاص الأطوال المتوسّطة للأمواج، أي الّتي تقع مجال اللّون الأخضر بالّذات. يستصعب الأشخاص المصابون بهذه الطّفرة التّمييز بين اللّون الأخضر والأحمر، وعادة ما يكونون ذكورًا. لماذا ذلك؟ يكمن السّبب في موقع الجين.
الجينوم البشريّ مرزوم داخل 23 جزيئًا طويلًا من ال DNA، تدعى الكروموسومات. لجميع الخلايا، باستثناء الخلايا الجنسيّة، توجد نسختان من الجينوم - أي أنّه توجد نسختان من ال 23 كروموسومًا. لكنّ هذه النّسخ غير كاملة. نحصل على نسخة واحدة، 23 كروموسومًا من الأُمّ، ونسخة ثانية من الأب. وبالطّبعِ هناك اختلافات بينهما في نفس الجينات، والاختلاف الأكبر فهو في الكروموسومات الجنسيّة - X و Y. لدى الإناث نسختان من كروموسوم X، أمّا الذّكور فعادةً ما يحصلون على كروموسوم Y من الأب وكروموسوم X من الامّ. يقع الجين الّذي يُترجم إلى الأوبسينات الضّوئيّة الخضراء وكذلك الحمراء على الكروموسوم X - وهناك نسخة واحدة منه فقط في الذّكور.
بما أنّ الأنثى تملك نسختين من الكروموسوم X، إذا حمل أحدهما طفرة في الجين المترجم إلى الأوبسينات الضّوئيّة الخضراء - يعوض الجين السّليم في الكروموسوم الآخر عن ذلك، وفي معظم الحالات لن يكون لديها أي مشكلة في رؤية الألوان. بمعنى أنّها ستكون حاملة للطّفرة، لكنّها لن تشعر بها.
أمّا الذّكر، الّذي يملك كروموسوم X واحد فقط، إذا حمل نفس الطّفرة - سيصاب بعمى الألوان، لأنّه لا يحمل نسخة أخرى من الجين الّذي يمكن أن يعوّض. لا يحتوي كروموسوم Y على الجينات الّتي يُترجم إلى الأوبسينات الضّوئيّة. بما أنّ الذّكر يحصل على الكروموسوم X من أمّه، فمن المحتمل أن يكون الذّكر المصاب بعمى الألوان قد حصل على الطّفرة من أمّه، الّتي ورثتها من والدها. من ناحية إحصائيّة، نصف أبناء هذه النّساء يصابون بعمى الألوان لأنّهم يرثون الكروموسوم X الّذي يحمل الطّفرة منها. لكي تكون الأنثى مصابة بعمى الألوان، يجب أن يكون الأب مصابًا بعمى الألوان والأمّ حاملة للطّفرة في هذا الجين، وهو أمر نادر جدًّا.
هذا النّوع من الوراثة شائع في العديد من الصّفات، المتلازمات وكذلك الأمراض، الّتي تقع الجينات المسؤولة عنها على الكروموسوم X. الهيموفيليا هو مثال معروف على ذلك، وهو مرض يحدث فيه خلل في عمليّة تخثّر الدّم، وهو منتشر أكثر لدى الذّكور.