ما يزيد قليلاً عن مائة هو عدد العناصِر الَّتي تُكَوِّنُ كُلَّ الموادِّ في الكَوْن. كيفَ تكوَّنَت هذه العناصِر؟
عدَدٌ قليلٌ نسبيًّا من العناصر هو الَّذي يُشَكِّلُ وجودَنا كُلَّه. أجسادُنا، الأرض، الشمس، وكلُّ ما نعرفه في الكَوْن، كُلُّها تتكوَّن من مجموعةٍ تحوي أكثر من مائة ذَرَّة مختلفة. هذا كلُّ شيء. مُعظَمُنا تعرَّف، أيضًا، على الجدوَل الدَّورِيّ لمندلييف، الذي يُنَظِّمُ العناصِرَ ببراعةٍ، وفقًا لِخَصَائِصِها. كذلك، يُدرِكُ مُعظَمُنا أنَّ الذَّرَّات الأساسيَّة تُشَكِّلُ كُلَّ الموادِّ الموجودة في الكَوْن. لكن، هل سَأَلتُم أنفُسَكُم يومًا من أين جاءَت الذَّرَّات وما هو مصدرها؟
من المُدهِش للغاية معرفة أنَّ حوالي 73 في المائة من الموادِّ الموجودة في الكَوْن هي ذرَّات هيدروجين و- 25 في المائة إضافيَّة هي هيليوم. جميع العناصر الأخرى لا تشكّل سوى اثنين في المائة من مُجمَل الموادِّ الموجودة في الكَون. بالإضافة إلى ذلك، إذا انتقلنا إلى علم الفلك، سوف نجد أنَّ الذَّرَّات لا تُشَكِّلُ سوى 12 في المائة من الكَوْن وأنَّ مُعظَمَهُ، حوالي 72 في المائة، هو شيء غير مفهوم تمامًا، يُسَمَّى "الطَّاقَة المُظلِمَة".
أحد الأسباب التي تجعل هذه البيانات مُفاجِئَةً للغاية هو أن الوضع في الأرض مُختَلِفٌ تمامًا. العنصر الأكثرُ شيوعًا في الأرض هو الأكسجين، يليه السيليكون، الألومنيوم والحديد. الهيدروجين نفسه موجود في المكان العاشِر. مع ذلك، يجب أن نتذَكَّر أن كَوكَبَنا، بكلّ ما يحتويه، لا يُشَكِّل سوى جزءٍ ضئيل من مُجمل الموادِّ في الكَوْن.
قُم ببناءِ ذَرَّة
العَمَلِيَّةُ الَّتي يَتِمُّ من خلالها تكوينُ نوًى ذّرِّيَّةٍ جديدةٍ، تُسَمَّى "التَّخليق النّوويّ"- التَّكامُل النَّوَوِيّ. العناصر الأخَفّ تكوَّنَت فورًا بعد الانفجار الكبير، من بلازما جسيمات دون ذّرِّيَّة كانت قد تشكَّلَت. في تلك المرحلَة، شَكَّل الهيدروجين حوالي ثلاثة أرباع المادَّة الموجودة في الكَوْن ، والرُّبع الإضافيّ كان عبارة عن ذرَّات هيليوم. باستثناء ذلك، كانت هناك كمِّيَّات صغيرة من اللِّيثيوم والبريليوم، ولم يكُن هناك شيءٌ آخرُ.
الذّرَّات الأثقل تكوَّنَت من الهيدروجين، لاحقًا، من خلالِ عمليَّةٍ تُسَمَّى "التّخليق النَّوَوِيّ النَّجمِيّ". هذه المرَّة يدور الحديث عن عمليَّةٍ متواصِلَةٍ تمَّ فيها، خلال المراحِل المُختلفة من مسار حياة الكوكب، دمجُ الهيدروجين والهيليوم، في اندماجٍ نوَوِيّ داخل الكواكب الَّتي كانت بمثابة أفران عملاقَة. هذه العملية مسؤولة عن وجود الكربون والكثير من العناصر التي تأتي بعدَه في الجدول الدَّورِيّ. منتوجات هذه العمليَّة انتشَرَت من الكوكب إلى الغاز البَيْنَجميّ وشَكَّلَت السُّدُم. .
معظم الذَرَّات الأثقل تتكوّن من خلال التّخليق النّوَوِيّ للمُسْتَعِرات الأعظميَّة (سوبرنوفا). هنا أيضًا، يدور الحديث عن اندماج نوَوِيّ، لكنَّ هذه العمليَّات تحتاجُ إلى طاقةٍ هائلةٍ تتوفَّرُ في الكَواكِب الضَّخمة الموجودة في مرحلة الـ "سوبرنوفا"، فقط؛ المرحلة الَّتي ينفجر فيها نجمٌ ضخمٌ عندما يستنفد الاندماجُ النّوَوِيُّ، الَّذي يحدثُ فيه، نَفسَهُ، ولا يعودُ قادِرًا على منع الكَوْكَب من الانهيار داخِلَ نَفسِهِ بسبب جاذِبيَّتِهِ الذَّاتيَّة.
هناك ذَرَّاتٌ أخفُّ من الكربون، لكنَّها أكبَرُ من الهيدروجين والهيليوم، تتكوَّنُ في رَذَاذ الأشِعَّة الكَوْنِيَّة. في هذه العمليَّة تُسَبِّبُ الأشِعَّةُ الكَوْنِيَّةُ ضَرَرًا لنوى العَناصِر الأثقل وتُفَكِّكُها، بحيثُ تَتَشَكَّل نوًى أخفّ، مثل البريليوم، اللّيثيوم والبورون.
النّوى الأثقَل، هي الموجودة في أسفل الجدول الدَّورِيّ، وهي من صنع الإنسان. لقد تكَوَّنَت بشكل اصطناعي عن طريق تسارع نوًى ثقيلةٍ، نسبيًّا، في مُسَرِّعات الجسيمات، وتصادمها بسرعةٍ هائلةٍ وبقُوَّةٍ كبيرةٍ. نتيجة هذا التَّصادُم تتكوَّنُ نوًى ثقيلةٌ، تَكُونُ، عادةً، غير مُستَقِرَّة وتَتَفَكَّكُ في غُضون أجزاء من الثَّانيَة.
بعض العناصر يُمكِن أن تتكَوَّن عن طريق عمليَّات مختلفة، كما يتضح من الجدول، حيثُ تبيَّنَ مؤَخَّرًا أَنَّ اللّيثيوم يُمكِنُ أن يتكوَّن من خِلال التّخليق النّوَوِيّ للسوبرنوفا.
الجَدوَل الدَّورِيّ. مفتاح الألوان يُبَيِّنُ مصدَرَ كُلِّ عنصُر. | المصدر: ويكيبيديا؛ إعداد : ماريا غوروحوفسكي
الترجمة للعربيّة: رغدة سمارة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح