مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء هذا العام لثلاثة باحثين أتاحوا المجال لتطوير بطاريات الليثيوم-أيون، البطاريات الخفيفة والمتينة القابلة لإعادة الشَّحن، التي شقت الطريق لثورة في مجالات الإلكترونيكا والاتصال والمواصلات.

مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء هذا العام لثلاثة علماء من الولايات المتحدة واليابان تقديرًا لتطويرهم بطاريات الليثيوم-أيون. تحولت البطاريات الناجعة القابلة لإعادة الشَّحن  إلى مُكوّن مركزي في الحياة، وهي تقوم بتشغيل أجهزة إلكترونية وكهربائية في نطاق واسع جدًّا من المجالات، بدءًا بالهواتف الذكية والحواسيب المحمولة حتى المركبات الكهربائية. سوف يتم توزيع الجائزة بالتساوي بين البروفيسور جون بانيستر جودينف (Goodenough) والبروفيسور مايكل ستانلي ويتنغهام (Whittingham) والبروفيسور أكيرا يوشينو (Yoshino). الاكتشافات التي قام بها كل واحد من هؤلاء العلماء على حِدة أتاحت  المجال لتطوير البطاريات المتقدمة التي دخلت إلى حياتنا قبل ما يقارب ثلاثة عقود وأصبحت علامة هامة من علامات القفزة التكنولوجية في سنوات الألفية الثالثة.

הסוללות שהניחו את הבסיס למהפכת האלקטרוניקה. משמאל: גודינאף, ויטינגהם ויושינו | איורים: אתר פרס  נובל
البطاريات التي وضعت حجر الأساس لثورة الإلكترونيات. من اليسار: جودينف، ويتنغهام، ويوشينو|الرسومات: موقع جائزة نوبل

 

الخارصين والنحاس

ظهرت أول بطارية في العالم من خلال التجارب التي أجراها العالم الإيطالي أليساندرو فولتا (Volta) سنة 1800. اكتشف فولتا أنه إذا وضعنا لوحات من الخارصين أو النحاس (أو القصدير والفضة) ووضعنا بينها قماشًا   غُمِس في حامض، أو في في محلول الملح، ينتج تيار كهربائي يمر من خلال السلك الذي يصل بين اللوحة العليا واللوحة السفلى. لقد قام فولتا بوضع عشرات من هذه اللوحات في تجهيز يُسَمَّى "الكومة الفولتية" ونجح في توليد جهدٍ يقترب مقداره من فولت واحد- الوحدة التي تُسَمَّى اليوم  باسمه - لمدة زمنية محددة، إلى أن توقفت البطارية عن العمل. 

آلية عمل الكومة الفولتية هي الأساس الذي  تعمل بموجبه جميع البطاريات: المادة الموجودة في المحلول تؤَكسِد  الذرات الموجودة في إحدى الالكترودات، المعروفة باسم الـ "أنود" ، فتنطلق منها أيونات موجبة الشحنة الكهربائية إلى المحلول وتنفلت منها الإلكترونات. لوحات الخارصين هي الأنود في الكومة الفولتية وهي تطلق أيونات خارصين موجبة الشحنة (+Zn2 ). يُكَوّن المحلول شحنة كهربائية موجبة في الالكترود الثاني، الـ  "كاتود"، وتتحرك الإلكترونات التي تنجذب إليه من خلال الطريق الأسهل - السلك الموصل. عندما تصل الإلكترونات إلى الالكترود ينقلها النحاس إلى المواد الموجودة في المحلول، أي تجري عملية اختزال. الفرق في الشحنات بين الالكترودات هو الجهد وحركة الإلكترونات بين الأنود والكاثود هي  التيار الكهربائي. بشكل عام، كلما كان الجهد أعلى كان التيار أقوى. وضع تطوير فولتا القواعد لإنتاج البطاريات الأولى التي سُمّيت "خلايا فولتية" (أو خلايا جلفانية).

في هذه الخلايا تم الفصل بين محلول الأنود  ومحلول الكاثود وتم التوصيل بينهما بواسطة تجهيز يُسَمَّى "الجسر الملحي"،  وظيفته إطالة عمر الخلية عن طريق نقل الأيونات من محلول إلى آخر. ولكن العملية في هذه الخلايا لم تكن قابلة للانعكاس بسبب مبناها ونوعية التفاعلات الكيميائية فيها: لا يمكن تمرير تيار كهربائي في الاتجاه المعاكس، أي من الكاثود إلى الأنود، وإعادة الالكترودات والمحاليل إلى وضعها السابق لبدء عملية إنتاج الكهرباء من جديد. 

 
מגדל של לוחיות אבץ ונחושת איפשר את פיתוח הסוללה הראשונה. ערמה וולטאית | מקור: Science Photo Library

بُرج من لوحات الخارصين والنحاس،  أتاح المجال لتطوير البطارية الأولى. الكومة الفولتية|المصدر: Science Photo Library

 

البحث عن بطارية قابلة للشحن

 الخطوة الأولى نحو تطوير البطاريات القابلة للانعكاس تمَّت  في منتصف القرن التاسع عشر، عندما قام عدد من الباحثين، وعلى رأسهم الفيزيائي الفرنسي جاستون بلانتي (Planté)، بتطوير بطارية الرصاص-الحِمض. الأنود في هذه البطارية مصنوع من الرصاص (Pb)، والكاثود مصنوع من الرصاص المُؤكسَد(PbO2) وهما مغموسان في حمض الكبريتيك (H2SO4). تُنتج بطاريات الرصاص-الحمض جهدًا يبلغ  مقداره حوالي 2 فولت، ويمكن شحنها عن طريق تمرير تيار في الاتجاه المعاكس، أي قلب عمليات الأكسدة والاختزال وإعادة البطارية إلى وضعها الطبيعي . تستخدم بطاريات الرصاص-الحمض اليوم كبطاريات  في السيارات وهي تنتج جهدًا مقداره 12 فولتًا، بفضل تنظيم ست خلايا متتالية من هذا النوع. 

 في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهرت البطاريات القابلة لإعادة الشَّحن  من الفصيلة الجديدة، على أساس نيكل- حديد (Ni - Fe) ونيكل-كادميوم (Ni - Cd). هذه البطاريات كانت صغيرة الحجم  وأقل قوة من بطاريات الرصاص-الحمض، وكانت صلاحيتها، عادةً، تنتهي بعد عدد أقل من دورات الشحن. 

استمر العلماء دون  توقف في البحث عن مواد تُمَكّن من تطوير بطاريات قوية وخفيفة وناجعة وقابلة لإعادة الشَّحن،  وقد شَكَّل عنصر الليثيوم (Li) إحدى المواد البارزة المرشحة لهذا الغرض. الليثيوم هو العنصر الثالث في جدول العناصر الدوري وهو الفلز الأخف من بين جميع الفلزات، لذلك، من المتوقع أن يكون ناجعًا  جدًّا عند استخدامه في البطاريات. توجد مشكلة بسيطة واحدة ، فقط: الليثيوم النقي يتفاعل بشدة بالغة مع الماء ومع الهواء ويؤدي إلى الاشتعال. في ستِّينيّات القرن العشرين اكتشف عدد من الباحثين أن بعض المواد التي تعتمد على الكربونات (H2CO3) يُمكن أن  تمنح البطارية التي تعتمد على الكترودات من الليثيوم بيئة محيطة آمنة. 

תגובה כימית מסוכנת. ליתיום גורם להתלקחות במגע עם מים | צילום: Science photo Library

تفاعل كيميائي خطير.  تفاعل الليثيوم مع الماء يؤدي  إلى الاشتعال. |تصوير: Science Photo Library

 

بطاريات بدل البترول

 في تلك  الفترة بدأ ظهور الوعي بتلوّث البيئة، وخاصّة تلوث الهواء،  ووُجّه الاتهام بشكل رئيسي نحو شركات الطاقة التي كانت تُنتج  مواد الوقود الملوِّثة التي تعتمد في الأساس على البترول وتقوم بتسويقها. لمجابهة هذه الادعاءات بدأت هذه الشركات في توظيف  الكثير من الموارد في أبحاث تهدف إلى تطوير مصادر طاقة بديلة وقامت بتجنيد الكثير من العلماء الأكاديميين لهذا الغرض. كان  مايكل ستانلي ويتنغهام، المولود في بريطانيا سنة 1941، أحد هؤلاء العلماء. درسَ ويتنغهام الكيمياء في جامعة أكسفورد، وفيها تابع دراسته للحصول على الماجستير والدكتوراه. في العام  1968 انطلق إلى جامعة ستانفورد في كاليفورنيا للاستكمال العلمي ضمن أبحاث ما بعد الدكتوراة، وفي سنة 1972 انضم ويتنغهام إلى قسم الأبحاث التابع لتنظيم الطاقة إكسون (Exxon) وعمل ضمن  مجموعة تبحث عن طرق لتطوير بطاريات أكثر نجاعة. 

 في ستانفورد عمل ويتنغهام، ضمن أشياء أخرى، على تطوير مواد صلبة ذات فراغات يقترب حجمها من حجم الذرة الواحدة، تُمَكِّن  الأيونات من الارتباط بالمادة وتغيير صفاتها. هذه العملية تسمّى الإقحام (intercalation)، وهي عملية تجري في  اتجاهين متعاكسين- أي أن الأيونات يمكنها الانفلات من المادة في ظروف معينة. قاد ويتنغهام عمليّة تطوير كاتود من كبريتيد التيتانيوم (TiS2)، وهو مركب  يتحسن توصيله الكهربائي إلى حدٍّ كبير عند إقحام أيونات موجبة فيه. عندما بحث ويتنغهام عن أنود مناسب قرر أنه يُمكن  استخدام الليثيوم، الذي يتأكسد بسهولة بالغة ويتنازل عن إلكترون. أيونات الليثيوم موجبة الشحنة الكهربائية، التي تنتج في محلول الكربونات، تتحرك نحو الكاثود وتمرُّ في  عملية إقحام تؤدي إلى تحسين التوصيل الكهربائي. بيّنت التجارب أن هذه البطارية تُنتِج جهدًا عاليًا نسبيًّا، يقارب 2 فولت، أي نفس مقدار الجهد الذي تنتجه بطارية الرصاص-الحمض الثقيلة والضخمة. عند تمرير تيار معاكس في مثل هذه البطارية تنطلق أيونات الليثيوم من الكاثود وتعود إلى الأنود، الأمر الذي يعيد البطارية في الواقع إلى وضعها الأول، أي أنها تُشحن من جديد.

 

بطاريات متفجرة

 في سنة 1976 عرضت شركة إكسون البطارية الواعدة القابلة لإعادة الشَّحن، التي قام ويتنغهام بتطويرها. هذه البطارية عانت من عدة مشاكل، كانت المُشكلة الرَّئيسيَّة  من بينها أن أيونات الليثيوم، بعد إعادة الشحن ، لم تلتصق بالأنود في المكان الذي خرجت منه في البداية، بالضَبط . لقد نما على الأنود، باتجاه الكاثود، ما يشبه "الفروع" من الليثيوم، وعندما تلامست هذه الفروع مع الكاثود نتج في البطارية  تماس كهربائي أدى إلى الانفجار في مرات عديدة. إضافة الألومنيوم إلى الأنود أدت إلى حل جزئي لهذه المشكلة، ولكن الشركة بدأت تجابه مشاكل من مجال مختلف تمامًا.

في أعقاب أزمة الطاقة العالمية، سنة 1973 ، بذلت الشركات الأوروبية والامريكية جهودًا  في البحث عن مصادر  الوقود- الفحم، البترول والغاز الطبيعي خارج الخليج العربي (أو ما يُعرف عالميًا بخليج فارس).  عندما تكللت هذه الجهود بالنجاح انخفضت أسعار البترول انخفاضًا حادًّا، الأمر الذي أدى إلى تقليص كبير في مدخولات شركات الوقود.  في سنة 1980 قررت شركة إكسون إلغاء تطوير بطاريات الليثيوم وباعت حقوق الاختراع لشركات أخرى. ترك ويتنغهام هذه الشركة سنة 1984 ، وبعد أن عمل بضع سنين في شركة أخرى للطاقة قرر العودة إلى العمل الأكاديمي وحصل على وظيفة أستاذ (بروفيسور) في جامعة بينغهامتون في نيويورك، وما زال يعمل هناك حتى يومنا هذا. 

 

שינוי מהפכני בגודל, במשקל ובעוצמה. סוללת ליתיום-יון מודרנית | צילום: Shutterstock

انقلاب في الحجم والوزن والقوة.بطارية ليثيوم - أيون حديثة |تصوير: shutterstock

 

الكاثود عالي الجودة

ولد جون جودينف (Goodenough) سنة 1922 في مدينة يينا في ألمانيا، حيث مكث والداه الأمريكيًّان لغرض إنجاز  رسالة الدكتوراة الخاصّة بأبيه، الذي كان يبحث في تاريخ الأديان وكان مُهتَمًّا في المقام الأول  بتأثير الفكر الهيليني الإغريقي على الديانة اليهودية. خِلافًا لوالده، وجد جون صعوبةً في القراءة ولم ينجذب إلى العلوم الإنسانية، لذلك، اتّجه  إلى دراسة الرياضيات في جامعة ييل. عندما أنهى تعليمه بامتياز سنة 1944 جُنّدَ للجيش وخدم في مجال رصد الأحوال الجوية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.  لقاؤه مع الطبيعة وجبروتها أدى إلى توسيع مجالات اهتمامه وقرر إكمال تعليمه في الفيزياء على وجه التَّحديد .  في سنة 1952 أنهى دراسته للدكتوراة في جامعة شيكاغو وبدأ العمل في مختبر سلاح الجو الأمريكي في المعهد التكنولوجي في ماساتشوستس (MIT)،  وهناك تعرف عن كثب على عالم المواد ، كما كان شريكًا في تطوير مُكوّنات ذاكرة الحواسيب. في سبعينيَّات القرن العشرين، وبتأثير أزمة الطاقة العالمية، بدأ جودينف يهتم في مجال تطوير مصادر الطاقة البديلة، ولكن المختبر الذي عمل فيه لم يعمل في هذا المجال ولم يوفِّر له إمكانيَّة عمل ذلك بنفسه. لذلك، عندما عُرِضَت  عليه وظيفة أستاذ بدرجة بروفيسور للكيمياء اللاعضوية في جامعة أكسفورد البريطانية انتقل إلى هناك وبدأ في بحث موضوع البطاريات. 

كفيزيائي،  كان جودينف مُقتَنِعًا بأنَّه يُمكن  زيادة مُنتَج طاقة البطارية التي طورها ويتنغهام، وذلك عن طريق استخدام مواد أخرى في الكاثود.  بفضل معرفته حول انتقال الالكترونات في المواد الصلبة، استطاع جودينف أن يُقَدِّرَ مُسبَقًا ماهي المواد التي يُمكن أن تكون  مناسبة وأن يستعرضَها بشكل منهجي. سرعان ما اكتشف جودينف أن الكاثود المُكوّن من أكسيد الكوبالت (CoO2)، بدلاً من مركب التيتانيوم، يمَكّن من انتاج بطارية ليثيوم ذات جهد مقداره 4 فولتات - وهو يساوي ضعفَيْ الجهد الذي تنتجه بطارية ويتنغهام. في العام 1980  نشر جودينف مقالة عرض فيها البطارية الجديدة وبيَّنَ صفاتها، ولكن نشر المقالة لم يُؤَدِّ إلى إثارة الكثير من الاهتمام لأن أسعار البترول استمرت في الانخفاض، الأمر الذي  أدى إلى وضع تطوير مصادر الطاقة البديلة على الهامش. 

 في سنة 1986 ترك جودينف جامعة أكسفورد وانضم إلى جامعة تكساس  في أوستين، حيث استمر في العمل الدؤوب إلى ما بعد جيل التقاعد بوقت طويل. عندما بلغ جودينف   97 عامًا أصبح الحائز على جائزة نوبل الأكبر عمرًا في التاريخ. إنه يتخطّى بذلك العالِم أرتور أشقين، الذي كان عمره 96 سنة  عندما حاز في العام الماضي على جائزة نوبل في الفيزياء لتطويره الملقط البصري. مع ذلك، فإن الحالة الصحية لجودنيف ليست واضحة ومن غير الواضح إذا ما سيكون باستطاعته   حضور حفل توزيع الجوائز في شهر ديسمبر. 
 

שינוי הדרגתי. תרשימי הפיתוחים של ויטינגהם (משמאל), גודינאף (במרכז) ויושינו | מקור: אתר פרס נובל

تغيير تدريجي. تخطيط تطويرات ويتنغهام (من اليسار)، جودينف (في الوسط) ويوشينو. المصدر: موقع جائزة نوبل. لتكبير الصورة

 

ياباني، خفيف وآمن 

في هذه الأثناء، حدثت عمليات أخرى في الجانب الآخر من العالم: بدأت اليابان في تكييف نفسها كرائدة في مجال الالكترونيكا.  تطويرالأجهزة الإلكترونية أدى إلى تصغير حجمها إلى حد كبير، وقد أدرك كل مَن أبعد النظر أن هذه الأجهزة تتطلب بطاريات صغيرة شديدة القوة. المهندس أكيرا يوشينو (Yoshino)، من شركة الإلكترونيات أساهي كايسي، كان أحد هؤلاء. ولد يوشينو سنة 1948 بالقرب من مدينة أوساكا ودَرَسَ  الهندسة في جامعة كيوتو. بعد أن أكمل هناك الماجستير في الهندسة سنة 1972 ، بدأ العمل ضمن مجموعة الأبحاث التابعة لشركة الإلكترونيات. لقد تنبأ يوشينو بالحاجة لتطوير بطاريات خفيفة وقوية وقابلة لإعادة الشَّحن ، وفي ثمانينيات القرن الماضي مُنح تصريحًا لبدء تطوير الموضوع. لقد كان يوشينو على علم بالتطويرات التي أجراها كل من ويتنغهام وجودينف وقرر التركيز على إيجاد مادة جديدة للأنود يُمكنها حل مشكلة  التماسات الكهربائية التي تنجم عن تكوّن فروع الليثيوم، وذلك من أجل تحسين مُنتَج الطاقة.  

 كانت فكرة يوشينو هي استخدام مادة تمر في عملية إقحامٍ لأيونات الليثيوم في الأنود، أيضًا، (كما في الكاثود) بدلاً من أن يكون الأنود كلّه مصنوعًا من الليثيوم. بهذه الطريقة تنطلق أيونات الليثيوم من الأنود وتتحرك إلى الكاثود، عند تشغيل البطارية، ثم تعود إلى الأنود عند إعادة شحن البطارية. بحث يوشينو عن مواد مناسبة لهذا الغرض وقام بتجريب مادة تسمى بترول - كوك (petroleum coke)، وهي عبارة عن مركب كربوني ينتج كمادة جانبية في صناعة مواد الوقود.  بواسطة هذا الكاثود، وأنود الكوبالت التابع لجودينف، حصل يوشينو على جهد أكبر من 4 فولتات وطوّر بطارية خفيفة وناجعة. توجدلبطارية يوشينو ميزتان إضافيتان : حقيقة أن إقحام الأيونات في كلا الإلكترودين (الأنود والكاثود) أدى إلى إطالة مدة صلاحية استخدام البطارية وأصبح من الممكن شحنها مئات المرات دون أن يؤدي ذلك إلى تقليل نجاعة أدائها، وحقيقة أن عدم احتواء البطارية على الليثيوم النقي في الأنود أدى إلى تحسين الأمان بشكل كبير عند استخدامها. في سنة 1986 قام يوشينو بتمثيل ذلك حين قام بسحق البطاريات بواسطة جسم ثقيل الوزن وبيَّن أنها لا تشتعل.   

استمر يوشينو بإشغال وظائف كبيرة في نفس الشركة،  من ضمنها إدارة مبادرة البطاريات التي أطلقتها الشركة بمُشاركة  شركات أخرى. كما تم تعيينه - بحق - ليقوم ببحث جدوى مشاريع مستقبلية.  بالرغم من ذلك، شعر يوشينو بالحاجة إلى إكمال تعليمه الرَّسمي وحصل، في سن الـ 57 ،على شهادة الدكتوراه في الهندسة من جامعة أوساكا، بتزامن مع عمله في الشركة. 

 

البطاريات التي تُحرّك العالم

بدأت شركة يوشينو، في أعقاب اكتشافاته، العمل على تطوير نموذج تجاري  لبطارية الليثيوم - أيون وبيعت البطاريات الأولى منها سنة 1991. تتكون البطاريات في أيامنا من قطع، أو من صفائح دقيقة، من مواد الأنود والكاثود، يتوسطها محلول انتقال الأيونات، وتكون عادة على شكل مادة جيلاتينية. الجيل الجديد من البطاريات أصبح بمثابة  منصة انطلاق بالغة الأهمية نحو ثورة الالكترونيات: لقد استخدمت هذه البطاريات في الحواسيب المحمولة، في أجهزة عزف الموسيقى الصغيرة وفي الهواتف الجوالة، ومَكَّنَت في نهاية الأمر مندمج الوظائف الثلاث، إلى جانب وظائف عديدةأخرى، في الهواتف الذكية التي غيرت العالم.

خلال السنين التي مرَّت منذ ذلك الوقت، استمر  تطوير هذه البطاريات. لقد تم، بمبادرة جودينف، استبدال الكاثود المصنوع من الكوبالت المؤكسَد بكاثود يعتمد على الفوسفور، المادة الأرخص  نسبيًّا، الأكثر توفُّرًا والأكثر وُدِّيَّةً للبيئة. كذلك، أجريت تحسينات إضافية على تركيب الالكترودات وعلى المحلول الذي بينها، وتم تطوير تصميمها لإتاحة المجال لفعالية أكثر نجاعة. نظرًا لكون  البطاريات تحتوي على الليثيوم، فمن المُمكن أن تظهر عند استخدامها مشاكل تتعلق بالأمان ، خاصة عند الشحن الزائد أو عند تعرض البطارية للنار والحرارة، أو بسبب خلل في عملية الإنتاج، لكنَّ عدد الحوادث المتعلقة بهذه البطاريات   قلَّ في السنوات الأخيرة إلى حد كبير. 

 في الوقت الرَّاهن، لا تُستخدم بطاريات الليثيوم - أيون في الأجهزة الإلكترونية، فقط، بل  إنها تستخدم، أيضًا، في أجهزة كهربائية كثيرة، ابتداءً من المكنسة الكهربائية البيتية حتى أدوات العمل المهنيَّة، مثل المقادِح والمَناشير التي تعتمد على الطاقة التي تزودها هذه البطاريات لكي تكون  أجهزة نقالة سهلة الاستعمال. توجد سيارات كهربائية كثيرة تعتمد، هي أيضًا، على بطاريات الليثيوم - أيون، كما أن الثورة في مجال المركبات الكهربائية ثنائية العجلات، مثل الدراجات والكوركينيت، حدثت، إلى حدٍّ كبير، بفضل هذا التطوير. يُمكننا بالتَّأكيد القول إن البطاريات التي تعتمد على تطويرات ويتنغهام وجودينف ويوشينو تُحرك العالم اليوم .

 

 إعلان لجنة الجائزة عن الحائزين على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2019:

 

 

الترجمة للعربيّة: خالد مصالحة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي

0 تعليقات