في هذه التّجربة نتعلّم كيفيّة إصدار أصواتٍ مضحكة بواسطة قشّ الشّرب، ونتعلّم أيضًا كيف نغيّر ارتفاع درجة الأصوات النّاتجة، ونتعرّف على المبدإ الذي تعمل وفقَهُ آلاتُ النّفخ الموسيقيّة.

ألمُعدّات

  • قشّة شرب
  •  مِقصّ

مجرى التّجربة
يمكننا مشاهدة التّجربة من خلال الفيلم القصير التّالي:

الشّرح
لكي نفهم ما حصل في هذه التّجربة يجب فهم عاملَيْنِ: الأوّل، كيف تتكوّن الأصوات من خلال القشّة؛ والثّاني، لماذا يتغيّر الصّوت عندما نغيّر طول القشّة؟

نشرحُ أوّلاً كيف تتكوّن الأصوات في القشّة بشكلٍ عامّ:
عندما يتدفّق الهواء داخل القشّة، ينخفض ضغطه- وهذه ظاهرة فيزيائيّة تسمّى "قانون برنولي". نتيجة لذلك، تلتصقُ الألسنة الموجودة في فتحة القشّة بإحكام بفضل ضغط الهواء خارج القشّة (وهو الهواء غير المتحرّك، ولذلك فضغطه أعلى من ضغط الهواء المتدفّق داخل القشّة- وبالتّالي يشكّل ضغطًا على القشّة). عند التصاق الألسنة، تنغلق فتحة القشّة ويتوقّف تدفّق الهواء في القشّة للحظة، ثمّ يعود ضغط الهواء داخل القشّة فيرتفع – وتعود الألسنة وتنفتح، وعندئذٍ، أي عند انفتاح الألسنة، يتجدّد تدفّق الهواء داخل القشّة، وهكذا تعود العمليّة على نفسها مرّة تلوَ الأُخرى. بما أنّ كلّ هذا يحدث بسرعة كبيرة، تكون النّتيجة اهتزاز الألسنة بسرعة كبيرة في خلال عمليّتي الفتح والإغلاق، وتصطدم بالهواء المتدفّق داخل القشّة، وهكذا تتكوّن الأمواج الصّوتيّة التي نسمعها.

ينتشر الصّوت في الهواء على شكل أمواج- وهي عبارة عن سلسلة من "الضّغط العالي" و"الضّغط المنخفض" (الأماكن الأقلّ ضغطًا) لجسيمات الهواء، كما نرى في الرّسم المتحرّك التّالي:

تمثِّلُ النّقاط السّوداء جسيمات الغاز التي يتركّب منها الهواء. انتبهوا إلى أنّ الجسيماتِ نفسَهَا لا تتقدّم- فهي بالمجمل تتحرّك قليلًا إلى الأمام وقليلًا إلى الوراء. إذا كنتم لا تصدّقون هذا، ركّزوا نظركم على جسيم وحيد وتابعوا حركته. الموجة أو "التّشويش" هما اللَّذَانِ يتقدّمان فقط في الهواء. 

ما تبقّى الآن هو فهم: لماذا يُغيِّر طول القشّة نغماتِ الصّوت التي تُسمعها الصفّارة؟ الفرق بين نغمات الصّوت بارتفاعات مختلفة، مثل الصّوت الأَجَشّ (باس) لطبل كبير أو الصّوت المرتفع لكمان أو لصوت امرأة رفيع، هو تردّد الموجة- أي كم مرّة يهتزّ خلال الثانية الواحدة. يتميّزُ الصّوت العالي بعدد كبير من الاهتزازات (عدّة آلاف في كلّ ثانية)، بينما الصّوت المنخفض فيهتزّ بعددِ مرّات قليلٍ، حتى عدّة عشرات في كلّ ثانية. بشكل مماثل، ننظر إلى الفارِق بين ارتفاعات الصّوت بحسب أطوال الأمواج (البعد بين قمّتين مجاورتين)- فَلِلصَّوتِ المنخفض موجةٌ طويلة وللصّوت المرتفع موجة قصيرة. وفي الواقع، كلتا وُجهتيِ النّظر متشابهتان تمامًا، إذ إنَّ كلّ تردّد يتميّز بطول موجة واحدة فقط.

اهتزاز الألسنة في طرف القشّة يُنتج أمواجًا عديدةً بأطوال مختلفة (أي أمواج بأطوال كثيرة ومختلفة). يمرُّ الصّوت داخلَ القشّة في عمليّة تكبير بواسطة عمليّة تسمّى الصّدى (ريزونانس). باختصار، في عمليّة الصّدى تزداد قوّة الأمواج التي لها أطوال مشابهة لطول القشّة نفسِهَا.

عُمومًا، يَنتُجُ الصّدى نتيجةَ "تأرجح" جزء من الأمواج ذهابًا وإيابًا داخل القشّة قبل خروجها (أي خروج الأمواج، وهذه هي ظاهرة الموجة الرّاكدة). وبذلك فبإمكان الأمواج الارتباط معًا، وبالتّالي تزداد شدّتها- كملاحظة عابرة نقول إِنّ ظاهرة الصّدى لا تحدث فقط لدى الأمواج التي طولها مساوٍ لطول القشّة، بل تحصل أيضًا لدى الأمواج التي أطوالها تساوي كسرًا كاملاً من طول القشّة (النّصف، أو الثُّلث، أو الرُّبع، أو الخُمس، أو غير ذلك)، وتسمّى التّناسق (التّناغُم) مع الموجة الرّئيسيّة- يحدث ذلك، ببساطةٍ، بعد مرورها عدّة دورات داخل القشّة ما يساهم في سماع الصوت الرّئيسيّ بشكلٍ أغنى.

من الجديرِ بالذكر

جميع أدوات النّفخ الموسيقيّة تعمل على أساس المبادئ التي تمّ عرضها في هذه التّجربة. لأدوات نفخ عديدة، مثل الكلارنيت، والسّكسوفون، والمزمار وغيرها، فتحةٌ للفم تحتوي على لوحة دقيقة تهتزّ وتُنتج الأصواتَ الأوّليّة. عند إغلاق الفتحات في جسم الآلات الموسيقيّة، بأصابعنا أو بشكل ميكانيكيّ، نختار، عمليًّا، نوعيّة الصّوت والصّدى اللّذَيْنِ نرغب في سماعِهِما، أي تلك الأمواج التي طولها يساوي البعد بين فتحة الفم والفتحة التي فُتِحَت على طول الأُنبوب فقط.

في أدوات نفخ أُخرى، كالبوق والترومبون- تُنتِجُ الشّفاهُ نفسُها الصّوتَ الأوّليّ، والآلة الموسيقيّة تكبّر من داخلها تردّداتٍ معيّنةً وَفقًا لاختيار العازف، الذي يغيّر طول الأُنبوب الذي عن طريقه تمرّ الأصوات بواسطة الضّغط على مفاتيح البوق أو تحريك أُنبوب الترومبون. كذلك المزمار والنّاي يعملان على مبدإ مشابه، لكن هنا لا يوجد مُنتجٌ أوّليّ للأصوات (كفتحة الفم والشّفاه)، بل عمليّة نفخ خفيفة تصنع الصّدى. تتمُّ هنا الأصوات أيضًا من خلال فتح وإغلاق فتحات الأُنبوب في الآلة الموسيقيّة.

0 تعليقات