نظريّة النّشوء والتّطوّر هي إحدى اللَّبِنات الأساسيّة في علوم الحياة، وقد تمَّ تمثيلُ وجودها مرّاتٍ كثيرةً، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وبوسائلَ عديدةٍ. كميّة الأدلّة الدّاعمة لها هائلة، وبالرّغم من ذلك، فهنالك أطرافٌ اختارت، ولأسبابٍ غير علميّة، الاصطدامَ معها بكمٍّ هائل من الادّعاءات المدحوضة.

نظريّة النّشوء والتّطوّر هي إحدى اللَّبِنات الأساسيّة في علوم الحياة، وقد تمَّ تمثيلُ وجودها مرّاتٍ كثيرةً، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وبوسائلَ عديدةٍ. كميّة الأدلّة الدّاعمة لها هائلة، وبالرّغم من ذلك، فهنالك أطرافٌ اختارت، ولأسبابٍ غير علميّة، الاصطدامَ معها بكمٍّ هائل من الادّعاءات المدحوضة. وكانت قمّة هذا الجهد عرضَ النظريّة العلميّة الزّائفة المسمّاة بـِ "التّصميم الذّكيّ"، والّتي تدَّعي أنّ الحياةّ في العالم قد خُطِّطَ لها على يدِ كيانٍ ذكيٍّ مجهولٍ، ونزلت إلى الكرة الأرضيّة كقطعةٍ واحدة.

وللأسف الشّديد، فإنّ هذه الادّعاءات تجدُ طريقها إلى الخطاب العامّ، وحتّى إلى المنهاج التعليميّ في المدارس، وخصوصًا في الولايات المتّحدة، ويتمّ عرضها، ولأكثر من مرّة، وكأنّ قيمتها مساويةٌ لادّعاءات علميّة حقيقيّة. وفي موقعنا هنالك عددٌ غير قليل من المقالات الّتي تشرح ماهيّة النّشوء والتّطوّر، لكنّنا لم نتناول حتّى الآن الادّعاءات التي تطلق ضدّها. سأحاول في المقال الّذي بين أيديكُم، أن أقوم بترتيب الأمور، وذلك من خلال عرض الادّعاءات الأساسيّة المضادّة لنظريّة النّشوء والتّطوّر والإجابة العلميّة عليها، وكما سَتَرَوْنَ حالاً، أنّ معظم الادّعاءات تنبعُ من عدم فهم المبادئ الأساسيّة في نظريّة النّشوء والتّطوّر أو حتّى مبادئ علميّة أساسيّة للغاية.

"(النّشوء والتّطوّر) ليس إلاّ نظريّة فقط" 
علميًّا، النّظريّة هي تفسيرٌ مرتكِزٌ على كميّة لا يُستهان بها من الأدلّة. يخطئ الكثيرون في معنى كلمة "نظريّة"، وهنالك خَلطٌ في التّمييز بينها وبين "الفرضيّة". ولأنّه، وبحسب الطّرائق العلميّة، يكون كلّ شيءٍ قابلاً للدّحض عند إعطاء أدلّةٍ مناسبةٍ، فإنّ النّظريّة هي المصطلح الأقوى الّذي يمكن أن يُعطى لتفسيرٍ علميٍّ ما. وفي هذا الشّأن أيضًا، يُعَدُّ قانون النّسبيّة لأينشتاين نظريّةً، وكذلك قوانين الحركة الحراريّة (التيرموديناميك)، وقوانين الجاذبيّة، جَميعُها نظريّات. إنّ نظريّة النّشوء والتّطوّر هي قانون الطّبيعة الأساسيّ، وربّما الوحيد، الخاصّ بعلوم الحياة. وهي قابلةٌ للدّحض، ولكن، حتّى الآن، ليس هنالك ولو دليلٌ واحدٌ ذو مِصداقيّة يدحضها بنجاح. أنتم مدعوُّونَ لتَتَحَدَّوْني طبعًا.

 " نظريّة النّشوء والتّطوُّر تصفُ ظهورَ الحياة"
لا تصفُ نظريّة النّشوء والتّطوُّر ظهورَ الحياة، بل إنّما تطوُّرَها. عمليًّا، إنّ التّعريف العلميّ للنُّشوء والتّطوُّر هو: "تغيير في توزيع الأليلات في مجمع وراثيّ معطًى"، وذلك عندما يكون توزيع الأليلات هو الظّهور الوراثيّ لصفة معيّنة، والمجمع الوراثيّ معناهُ مجموعة سكانيّة باستطاعتها التّكاثر الدّاخليّ. وبكلمات أخرى، ومن أجل وجود نشوء وتطوّر، يجب أن يكون هنالك مجمّع وراثيٌّ سابق – أي أن تكون هنالك حياة. هنالك نظريّات أخرى ترمي إلى شرح ظهور الحياة، والرّائدة من بينها هي نظريّة التَّولُّد التّلقائيّ. النُّشوء والتّطور عبارة عن عمليّة بدأت لحظةَ ظهور الحياة. فما الّذي تسبَّب في ظهورها؟ هذا سؤال آخر. 

" إذا كانَ أصلُ الإنسان من القردَة، فما تفسيرُ وجود قِرَدَةٍ حتّى الآن؟" 
يمرّ كلّ نوعٍ في العالم، في كلّ جيل، بامتحانِ الانتخاب الطّبيعيّ. فإذا كان متلائِمًا مع بيئته، أي إذا كانَ قادرًا على التّكاثر بنجاح فإنّه سيبقى. وإلاّ، وبغضّ النّظر عن السّبب وراءَ ذلك، فإنّه سينقرض. من الممكن وُجودُ حالةٍ يتطوّر فيها نوعٌ معيّنٌ من نوعٍ آخرَ، لكنّ النّوع الأسبق كان متلائمًا بشكلٍ كافٍ مع بيئته كي يبقى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتعرّض النّسل الجديد للانقراض في حين يستمرّ النّوع الأبويّ في البقاء. الانتخابُ الطّبيعيّ هو الّذي يحدِّد اختفاء الأنواع، وليس تطوّر أنواع الأنسال.

"حدوث النّشوء والتّطوّر يتمّ في المستوى الكلي فقط، وليس في المستوى الجزئي" 
كثيرونَ من مُنكِرِي النُّشُوء والتّطوّر يميلُونَ إلى فصله إلى المستوى الجزئي - أيِ التّغيير في صفة منفردة بواسطة طفرة موضعيّة (كما يحدث، على سبيل المثال، في تطوير صُمود البكتيريا للمضادّات الحيويّة) - عن المستوى الأوسع والكلي – وهو ظهور جهاز فسيولوجي كامل أو نوع جديد (تطوّر العين مثلاً). المشكلة هي أنّني كلّما فَتَّشْتُ – وقد فتّشْتُ كثيرًا – لم أنجح في إيجاد تعريف دقيقٍ يميّز بين "نشوءٍ وتطوّر" جزئي، وبين "نشوءٍ وتطوُّر" واسعٍ كلي.

هنالك سببٌ جيِّد لوُجود هذه الصّعوبة. تعريف النّشوء والتّطوّر الواسع والكلي، يتغيّر كلّما اكتُشِفَت أدلّة إضافيّة للنّشوء والتّطوّر. في الماضي كانت العين هي المثال الرّائد للمداولات الخاصّة بالنّشوء والتّطوّر الكلي، ولكن بعد نشر مقالٍ يصف كيف يمكن للعين أن تتطوّر بعدد قليل من المراحل (سنتناول ذلك لاحقًا)، وكيفَ أنّ كلّ مرحلة تعطي للكائن الحيّ أفضليّة البقاء، انتقلتِ المداولات في الموضوع إلى مستوياتٍ أخرى. حسب معلوماتي، عندما يُتَحَدَّثُ اليومَ عن النّشوء والتّطوّر الكلي، يتمُّ التّطرّق لأمر يسمَّى "التّعقيدات غير القابلة للتّفكيك"، أي وجود بروتين في حالته الأكثر بساطةً ولا يمكن إيجاد "جدٍّ" (سَلَفٍ) يعطيه الأفضليّة. وخلال فترة زمنيّة معيّنة اتُّخِذَ السَّوْطُ مثالاً لزلالٍ كهذا، حتّى إنّهم قد نجحوا في تفكيك "التّعقيدات غير القابلة للتّفكيك". واليوم يُقال الأمرُ ذاتُهُ عن الهيموغلوبين.

إجابتي على هذا الادّعاء بسيطةٌ جدًّا: الفصلُ بين النّشوء والتّطوّر الجزئي، وبين النّشوء والتّطوّر الكلي مخطوءٌ من أساسه. فكما أنّه لا يتمُّ الفصل بين قوى الجاذبيّة لذرّتي رمل، وبين قوى الجاذبيّة لمجرّتين في الفضاء (فيما يلي: الجاذبيّة الضيّقة والجاذبيّة الشّاملة)، فمن غير الصّحيح الفصلُ بين تغييراتٍ صغيرةٍ وبين تراكمها لتغييرات كبيرةٍ خلال فترةٍ زمنيّة طويلة. 

"نظريّة النّشوء والتّطوّر غير صحيحة لأنّ الكثير من المراحل الوسطيّة بين الأنواع ناقصة"  
تنصُّ نظريّة النّشوء والتّطوّر على أنّ لكلِّ زوجٍ من الأنواع "جَدًّا" مشتركًا، ولذلك، كلّما كانت الأنواع أبعد من النّاحية التّطوريّة، فإنّ "الجدَّ" المشترك لها كان موجودًا قبل فترة زمنيّة كبيرة. المرحلة الوسطيّة هي نوع كانَ "جَدًّا" لأحد الأنواع، ونسلاً لنوعٍ آخر. المعلومات التي في حوزتنا بخصوص الأنواع القديمة المشتركة مصدرُها المتحجِّراتُ بشكلٍ أساسيٍّ، لكنّ إنتاج المتحجِّر هو حدثٌ نادرٌ للغاية ويحتاج مجموعة محدَّدةً من الظّروف الّتي يجب أن تتوفّر بالتّرتيب المناسب. بشكلٍ طبيعيٍّ، لا تتوفّر تلك الظّروف طَوالَ الوقت وفي كلّ مكان؛ وعليه، لا يتركُ كلّ كائن حيٍّ وراءه متحجِّرًا. من المرجِّح جدًّا الافتراض أنّه لا يوجد تمثيلٌ على شكل متحجّرات لكلّ الأنواع الّتي كانت موجودة من قبل، لكنّ هذا الأمرَ لا يعني أنّه لم تكن موجودة. وعلى الرّغم من ذلك، فقد وُجِدَت مراحلُ وسطيّةٌ كثيرةٌ أيضًا، والّتي تمثّلت بمتحجّراتٍ تُستَعمَلُ كدليلٍ جيِّدٍ لوجود النُّشوء والتّطوّر.

"نظريّة النّشوء والتّطوّر تناقضُ القانون الثّاني للحركة الحراريّة" 
هذا هو، وبدون أدنى شكٍّ، الادّعاء الأكثرُ سُخفًا من جميع الادّعاءات الّتي صادفتها حتّى الآن. ينصُّ قانون الحركة الحراريّة الثّاني على أنّ مجموع الاعتلاج "الإنتروبيا" (مقياسُ العشوائيّة) في منظومة مغلقة يزدادُ مع مرور الوقت. يدّعي بعض الأشخاص، ومن ضمنهم رجالُ علمٍ، أنّه بسبب كونِ عمليّة النّشوء والتّطوّر مُحدِثَةً للتّجانس (وهو ضدُّ العشوائيّة)، فإنّها تناقض، في جوهرها، القانونَ الثّانيَ للحركة الحراريّة.

من المفضّل، كخُطوة أولى، مناقشةُ: هل نظريّة النّشوء والتّطوّر يمكنُها أن تُشكّل تجانسًا (رمز – الجواب سلبيّ)، لكنّه من الممكن رفضُ هذا الادّعاء بشكلٍ حادٍّ وقاطع: يتناولُ قانون الحركة الحراريّة الثّاني المجموعَ العامّ للإنتروبيا، وهكذا فمن المحتمل وجود جُزُرٍ من التّجانس في محيطٍ من الفوضى ما دام المجموعُ العامُّ للإنتروبيا مستمرًّا في الارتفاع مع الزّمن.

أمرٌ آخرُ، لا يقلّ أهميّةً عن سابقه، هو أنّ القانونَ الثّانيَ للحركة الحراريّة يتناولُ منظوماتٍ مغلقةً، لا تستقبلُ طاقةً ومادّةً من الخارج. وبالمقابل، فإنّ الكرة الأرضيّة تستوعبُ كميّةً هائلةً من الطّاقة الشّمسيّة خلال مليارات السِّنين. وإذا أردنا مناقشةَ قانونِ الحركة الحراريّة الثّاني، فلا بُدّ من الدُّخول إلى المنظومة الشّمسيّة، ومن السّهل جدًّا إظهار أنّ التّفاعلاتِ النّوويّة الّتي تحدثُ في الشّمس ترفَعُ الإنتروبيا مع الزّمن. وإذا جمعنا حاصلَ الإنتروبيا على الكرة الأرضيّة وفي الشّمس سنجد أنّها ترتفع باستمرار – وذلك على الرّغم من وجود جُزُرِ تجانُسٍ داخل محيط الفوضى.

"تعقيدات الحياة تثبتُ أنّ لها مُصَمِّمًا"
يدورُ الحديث هنا عن استنتاجِ خطإٍ منطقيّ. لماذا تحتاجُ الأمور الّتي يَفوقُ فهمُهَا أو تفسيرُهَا قُدرَتَنا، إلى وجود كيان ذكيٍّ ما، بالضّرورة، لكي يصمِّمَها؟ الحقيقة بأنّنا لا نعرف تفسيرَ شيءٍ ما، لا يشير بأيّ شكلٍ إلى أنّ أحدًا ما يستطيع ذلك.

أضف إلى ذلك، أنّ هنالك عدّة "إخفاقات" تصميميّة في الطّبيعة، تشير إلى تطوّرٍ ناتج عن "ترقيعٍ"، بدون تصميمٍ منتظم مُسبقًا. مثالٌ ممتازٌ عن ذلك هو عَصَبُ الصّوت التّائه. لدى الثّديّيات، يخرجُ العصبُ الواصل إلى صندوق الصّوت في الحنجرة من الدّماغ، ويصل قربَ القلب ثم يعود إلى الحنجرة. عند الزّرافات نتجت حالة متطرّفة بشكل خاصّ، وفيها يسلك العصب طريقًا طويلةً جدًّا قد تصل إلى نحوِ خمسة أمتار حتّى صندوق الصّوت، بدلاً من أن يصلها بشكلٍ مباشر.

وإذا تقدّمنا في منحدر شجرة النّشوء والتّطوّر، سنكتشِفُ أنّ المسار الّذي يسلكه هذا العصب عند الأسماك أقصرُ بكثيرٍ، وذلك بسبب قرب الدّماغ والقلب والأقواس الخيشوميّة من بعضها البعض. ولكن بسبب تطوّر الأقواس الخيشوميّة، وتكوين الرّقبة، واستطالتها على مرّ الأجيال، "عَلِقَ" العصب في الجانب غير الصّحيح من القلب، واضطرّ إلى الالتفاف من أجل الوصول إلى هدفه. ما حدث أنّه لدى الثّديّيات يجب أن يسلك العصب طريقًا طويلةً جدًّا حتّى الوصول إلى صندوق الصّوت، في الوقت الّذي لو كان فيه التّصميم منطقيًّا أكثر، لكان بالإمكان تصميم طريقٍ أقصر بكثير. 

"كيف يمكن للمخلوقات أن تطوِّرَ صفاتٍ ستحتاجُها في المُستقبل فقط؟"
الإجابة البسيطة هي: المخلوقات لا! قد تسطيع المخلوقات أن تتلاءم مع بيئة معطاة وقد لا تستطيع ذلك. تُمتَحَنُ الصّفة الّتي تتغير بِالانتخاب الطّبيعيّ في الجيل نفسِهِ. إذا مَنحت أفضليّةً لحاملها، فسيكون له احتمالٌ أكبر في البقاء، وسيُورِثُها للأجيال القادمة. وإن كانت سلبيّة، فإنّ احتمالات بقائِهِ ستقلُّ ومعها سيقلُّ احتمال انتشار الصّفة في المجموعة السّكانيّة.
تبدأ التّغييرات الطّفيفة بالتّراكم حتّى تصل إلى تغييرات كبيرة، فتتغيّر البيئة وتتغيّر معها المخلوقات التي تعيش فيها. خطوةً بعد خطوةٍ، والعَقِبُ بجانب الإبهام. 

"إذًا، كيف تكوّنتِ الأجهزة المعقّدة؟"
تُكَوِّنُ سلسلَةُ التّغييرات الطّفيفة فروقاتٍ كبيرةً. يقدِّمُ كلّ تغييرٍ أفضليّةً، قياسًا بالوضع السّابق له. وعندما تأخذ هذه التّغييرات بالتّراكم، يتمّ الحصول على جهازٍ معقّد.

خذوا العين كمثال، وهي جهاز معقّد في اعتقاد الجميع. تُعطي القدرةُ على الرّؤية حاملَها أفضليّةً بارزةً. وفي مقال من العام 1994، اقترح الباحثان السّويديان (نلسون) و(فلجر) آليّة التّطوّر بخطواتٍ بسيطةٍ أدّت إلى تطوّر عين معقّدة. بدأتِ الآليّة المقترحة بنسيجٍ يحتوي على خلايا حسّاسة للضوء، وأُضيفَت له تغييراتٌ طفيفةٌ أخرى، وكلّ تغيير بدورِهِ، منح المخلوقَ أفضليّةً قياسًا بالوضع السّابق له. وقد قُدِّرت عملية التّطوّر هذه بـ 364 ألفَ سنة – أمرٌ كلمح البصر بالنّسبة للنّشوء والتّطوّر، وصار من الواضح إذًا، أنّ جهازًا معقّدًا، كجهاز الرّؤية، يمكن أن يتطوّر بشكلٍ تدريجيّ. 

" كيف تنجح المخلوقات 'الأكثر تقدُّمًا' في التّكاثر؟ إذ إنّها مختلفة عن المجموعة السكانية الموجودة "
لا تُشكّلُ التّغييرات الطّفيفة حاجزًا أمامَ التّكاثر. كما أنّ كلبًا من نوع (فيشنر)، يمكنهُ أن يتكاثر مع كلبٍ من نوع (رودفايلِر)، على الرّغم من الفارق الكبير بين النّوعَيْنِ، فإنّ المخلوق المولود مع صفةٍ محسَّنَةٍ لا زال بإمكانِهِ أن يتكاثر مع رفاقه في المجموعة، ويستطيع أن يُوَرِّثَ الصِّفة لأنسالِهِ. إذا منعته الصّفة من التّكاثر مع رفاقه في المجموعة، فإنّها لن تنتقل إلى الجيل القادم، لأنّ المخلوق لا يمكنه التّكاثر، ولهذا فإنّها ستختفي من المجمع الوراثيّ.

" كيف تتكوّن الأنواع الجديدة إذًا؟" 
النّوع البيولوجيّ هو مجموعة سكانيّة باستطاعة أفرادها التّكاثر فيما بينهم. في حالة عدم قدرة عشيرتَيْنِ على التّكاثر فيما بينهما، فعندها يتمّ تعريفهما على أنّهما نوعانِ منفصلانِ. لنفترضْ أنّ لدينا عشيرة من الغزلان، وتسبّبت هزة أرضيّة في تكوين شقّ هائل في الأرض، قسَّم العشيرة إلى قسمين، والغزلان الّتي في أحد جانبيِ الشّقّ لا يمكنها الالتقاء بالغزلان في الجانب الآخر. فمع مرور الزّمن، تتغيّر كلّ عشيرة وفقًا للبيئة التي تحيا فيها. وبعد مرور أجيالٍ كثيرة سيكون التّفاوت الوراثيّ بين العشيرتين كبيرًا، لدرجة أنّه لو حاولتا التّكاثر وإنجاب أنسال خصبة، فلن تتمكّنا من ذلك.

يتعلق كلّ ذلك، كما ذُكر، بالفرضيّة أنّه لم يحدث التقاء ولا تكاثر بين العشيرتَيْنِ. وبعد تكوين الحاجز التكاثريّ، وحتّى وإن حدث التقاء بينَ العشيرتَيْن، فإنّهما لن تتمكّنا من التّكاثر، وستستمرّ كلّ عشيرة في مسارٍ تطوّريّ مختلف. لنوعي الغزلان الجدد يوجد "جدٌّ" مشترك، وهو عشيرة الغزلان نفسُها الّتي كانت موجودة قبل الهزّة الأرضيّة.
 

هنالك ادّعاءات أخرى تتعلّق بنظريّة النُّشوء والتّطوّر، وأدعوكم لكتابتها عندنا في قسم التّعليقات. سأُحاول الإجابة عن كلّ ادّعاء، وسيتمّ رفع الادّعاءات الأكثر إثارة للاهتمام إلى متنِ المقال.

0 تعليقات