حتى قبل نحو 60 عامًا من اليوم، لقي العديد من البشر حتفهم جرّاءَ عدوى أمراضٍ تلوثيةٍ بسيطةٍ نسبيًا. منذ اكتشاف البنسلين - المضاد الحيوي الأول - ارتفع متوسّط عمر الإنسان بعشرات السنين عما كان عليه قبل هذا الاكتشاف. لقد جلب اكتشاف المضادات الحيوية معه بشارات عظيمة للبشرية حيث أسهمت بعلاج الكثير من الأمراض الصعبة وحتى التي اعتبرت فيما سبق أمراضًا عُضالًا.

حتى قبل نحو 60 عامًا من اليوم، لقي العديد من البشر حتفهم جرّاءَ عدوى أمراضٍ تلوثيةٍ بسيطةٍ نسبيًا.
منذ اكتشاف البنسلين - المضاد الحيوي الأول - ارتفع متوسّط عمر الإنسان بعشرات السنين عما كان عليه قبل هذا الاكتشاف. لقد جلب اكتشاف المضادات الحيوية معه بشارات عظيمة للبشرية حيث أسهمت بعلاج الكثير من الأمراض الصعبة وحتى التي اعتبرت فيما سبق أمراضًا عُضالًا.

لكن الطبيعة أقوى من أي علاج، فمع توسّع استعمال المضادات الحيوية ،  بدأت سلالاتٌ من البكتيريا المقاومة لها بالظهور والانتشار، وهذا يعود بالأساس لسوء استعمال الناس لما عُرف آنذاك بـ"العلاج السحري"، وتعاطي المضادات الحيوية بشكلٍ غير مراقب. يصح القول أنه حتى يومنا هذا لا يوجد مضاد حيوي إلا وتوجد في المقابل فصائل بكتيرية مقاومة له،  بل وحتى لتوليفاته الممكنة مع مضادات حيوية أخرى. تستغرق عملية تطوير وتركيب عقار لمضاد حيوي عدةَ سنوات، بينما تستطيع البكتيريا تطوير مقاومةٍ مناعيةٍ ضده في غضون أيامٍ معدودةٍ فقط. ومن المفارقات المثيرة للسخرية أنّ أشد أنواع البكتيريا مقاومةً وفتكًا تظهر وتتكاثر بالأساس داخل المشافي.  

يشرحُ المقطع المصّورالذي أمامنا آليات تطور المقاومة المناعية ضد المضادات الحيوية لدى البكتيريا.

تمّ انتاج الفيديو من قبل منظمة الصحة والغذاء الأمريكية FDA, وتمت ترجمته من قبل طاقم ديفيدسون أونلاين

مَن منا لم يُصَب بمرضٍ التهابي؟ كالتهاب الحلق، الالتهاب الرئوي أو حتى التهابٍ بسيط في العين. العلاج النمطي المتّبع في هذه الحالات يتم بواسطة استعمال المضادات الحيوية. يصف الطبيب دواءً ويوصي باستعماله لأسبوع وحتى عشرة أيام وبعدها نلاحظ بأنّ أعراض المرض قد اختفت. هذا حتمًا مألوف لكم، أليس كذلك؟

تبدأ المشكلة في حال لم نستجب لتوصيات الطبيب ولم نتبعها بشكل دقيق. بشكل عام تختفي أعراض المرض بعد مرور أيامٍ معدودة من بدء استعمال المضاد الحيوي، مما يغري الكثيرين من المرضى بالتوقف عن استعمال العلاج أو تقليل الجرعة في حالات أخرى. وبصراحة من يمتلك القدرة على ابتلاع حبوب الدواء لثلاث مرات يوميًا؛ فقد بِتنا نشعُر بصحةٍ أفضل، بالفعل مما يدعونا للظنِّ بأنه قد تم القضاء على معظم البكتيريا مسببة المرض في أجسامنا، وبأنّ جهازَ المناعةِ الرائع في أجسادنا  كفيلٌ بحل ما تبقى من المشكلة بكل سهولة.
لكن كلّا!  هذا غير صحيحٍ البتّة ! هذه بالضبط المرحلة المصيرية الأكثر مصيريّة والأشدّ خطورةً من مراحل المرض: هي بالضبط المرحلة التي قد تنجو فيها بعض البكتيريا التي نجحت في تطوير مقاومة جزئية للمضادات الحيوية وفشل جهاز المناعة لدينا بالقضاء عليها، مما يمكنّها من الصمود داخل أجسامنا لوقتٍ طويل. إذا ما أوقفنا العلاج في هذه المرحلة فإننا نخاطر بالسماح لهذه البكتيريا بإنشاء مستعمرات ميكروبية مزدهرة تتكون من نسل البكتيريا التي استطاعت النجاة من العلاج بالمضادات الحيوية. وحينما تهاجم هذه المستعمرات البكتيرية أجسامنا في المرة المقبلة، فلن تستجيب تقريبًا أو تتأثر بالعلاج بالمضادات الحيوية. لذلك من المهم جدًا اتباع تعليمات الطبيب والعمل بحسب توصياته وعدم إيقاف العلاج دون الرجوع إليه واستشارته.

لمقاومة المضادات الحيوية أهميةٌ كبيرةٌ في الأبحاث العلمية. من المتبّع في الأبحاث التي تجرى في مجال الهندسة الوراثية المعاصرة استخدام الجينات التي تحمل مقاومة لمضاد حيوي ما كأداةٍ تساعد الباحثين على تحديد وتمييز الخلايا التي لا تحمل هذا الجين.

يستغرق تطوير المضادات الحيوية عقودًا، في حين أن تطور- المقاومة -  لها يحدث في غضون أيامٍ قليلة فقط. إذن كيف بالإمكان التغلب على هذه المشكلة؟ أولًا يجب الحدّ من استخدام المضادات الحيوية ونشر الوعي حول الاستخدام الصحيح لها، والتشديد على أهمية إكمال العلاج وعدم التوقف عنه قبل المدة الزمنية التي يوصي بها الطبيب. كذلك من الجدير محاولة تنويع عقاقير المضادات الحيويّة المستعملة، حتّى إذا طوّرت باكتيريا مقاومةً لنوعٍ معيّنٍ من المضادات الحيويّة، يتمّ القضاءُ عليها بمضادٍ من نوعٍ آخر.

بالإضافة إلى ذلك، يستحسن أن يبدأ المريض العلاج بمضاد حيوي ضعيف نسبيًا ثم استبداله بشكلٍ تدريجي بمضادات أكثر قوة فقط في حال لم يستجب المريض للعلاج الأول. بهذه الطريقة نتفادى "حرق" العلاجات الفعّالة. وأخيرًا، يحتفظ الأطبّاءُ دائمًا "داخل الدرج" ببعض العلاجات التي يتجنبون وصفها للمرضى قدر المستطاع،  ويعطونها فقط في الحالات المستعصية جدًا، بعد أن لم ينجح فيها أي دواءٍ آخر.

 

إيرز غارتي
قسم الكيمياء البيولوجية
معهد وايزمان للعلوم
الترجمة للعربية: رقيّة صبّاح أبودعابس

ملاحظة لمتصفحي الموقع
إذا كنتم ترون أن التفسيرات غير واضحة بما يكفي أو إذا كان لديكم أي أسئلة تتعلق بالموضوع، فنحن نرحب بكتابة تعقيب على هذه المقالة وسنقوم بدورنا بالرد على تعقيباتكم. نرحب دائمًا باقتراحاتكم للتطوير وبنقدكم البنّاء.
يقدّم موقع ديفدسون أونلاين معلوماتٍ علميةٍ فقط،  ويُحظر اتّخاذ أي من المعلومات المكتوبةِ فيه كبديلٍ عن المشورةِ الطبيّة أو الغذائية. يحظر اقتباس أجزاء من هذه المقالة، ولكن يسمح فقط باقتباس المقالة كاملةً دون اقتطاع.

0 تعليقات