بدايةً، لم أفهم لماذا لمست مادّة التّبييض بأيادٍ مكشوفة؟ عندَ التّعامل مع موادِّ التّبييض، فيجبُ عليا أن نَضَعَ كفوفًا واقيةً (كما أنصحُ ايضاً بوضعِ نظّاراتٍ لحماية العينين. كلّي أملٌ، وحتّى الانتهاء من الإجابة، أن أكونَ قد أقنعتُكُم بضرورة استعمالها).

مادّةُ التّبييض هي محلولٌ (بنسبةٍ تُقارِبُ الـ %3) من الملح تحت كلوريد الصّوديوم (NaClO, sodium hypochlorite) داخلَ الماء. تُضافُ إلى موادِّ التّبييض مادّةٌ معطِّرةٌ أحيانًا (حتّى يخفّفوا من أثرِ رائحتها الفظيعة)، وأحيانًا أخرى، تُضافُ منظّفاتٌ وموادُّ صابونيّة مختلفة. كما هو معروف، فإنَّ ملمس الصّابون زَلِقٌ، ومن المقبول الاعتقادُ أنّه يسبِّبُ لجزءٍ منَّا الشّعور بِزَلَقِ الجِلدِ من موادِّ التّبييض الحديثة. لكن، مِنَ الواضح، أنّه ليسَ السّبب الوحيد في ذلك، لأنّ هذا الشّعور موجودٌ عند لمس مادّة التّبييض البسيطة، بدون إضافات. مادّة التّبييض نفسُهَا ليست دهنيّة، ومن هنا فإنّ الشّعور بالدّهن أو بالزَّلَقِ ليسَت نابِعَةً منها مباشرةً، وتبقى كفّتا يَدَيْنَا هما مصدرَ الشّعور بالزَّلَق... دَعُونا نشرحْ ما يحدث:
الجدول التّالي (نقلاً عن ويكيبيديا) يبيّن حامضّية/قاعديّة موادَّ مختلفة، وفقًا لسلّم الـ -pH (أس هيدروجيني).

يمثِّلُ سلّم الـpH مستوى الحامضيّة أو القاعديّة، عندما يكون الرَّقم هو 7 فإنّ مستوى الحامضيّة متعادِلٌ (مياه مقطّرة). القِيَمُ الّتي تحت الرّقم 7 هي قِيَمٌ حامضيّة وغنيّة نسبيًّا بأيون H+، والقِيَمُ الّتي فوقَ الـرّقم 7 هي قِيَمٌ قاعديّة وغنيّة بأيون OH. نشير هنا إلى أنّ سُلَّم الـ pH هي لوغريتميَّة، وهذا يعني أنّ الفرق في الحامضيّة، وبدقّة أكثر تركيز أيون H+ بين الرّقم المعطى والرَّقم الّذي يليه هو 10 أضعاف. أي أنّ 3=pH حامضيّ أكثر بعشرة أضعاف من pH=4. هذا صحيح أيضًا بالنّسبة للقاعديّة: pH=13 قاعديّ أكثر بعشرة أضعاف من pH=12، وبحسب المنطق نَفسِهِ، يكونُ أكثر بألفِ ضعف من pH=10. وكما نشاهد، فإنّ مادّة التّبييض هي أكثرُ الموادّ قاعديّةً مقارنة بالموادِّ الّتي نتعامل معها في حياتنا اليوميّة (وتأتي ثانيةً بعد الصّودا الكاوية، NaOH وهي مادّة تُستعمل لفتح الانسدادات في أنابيب الصَّرف الصِّحِّيّ، وذلك بواسطة إذابة الشّعر والمواد الدّهنيّة، ولإنتاج الصّابون من الزّيت أيضًا).
ما سبب شدّة قاعديّة موادّ التّبييض؟ هنالك سبَبَانِ: (أ) تحت كلوريد الصّوديوم هو ملحٌ لحامضٍ ضعيف، تحت الحامض الكلوريّ. HClO هو حامضٌ ضعيف لا يميل إلى الانحلال داخلَ الماء لتحرير أيونات H+، والّتي هي المسبِّبُ للحامضيّة، بل تفضّل البقاءَ مترابطةً كما هي. لذلك، وحتّى عند إذابة ملحٍ لحامضٍ ضعيف في الماء، فهو يفضِّلُ البقاءَ في وضعه الثّابت، غير المتحّلل. يحدُثُ ذلك باختطاف الملح لأيون H+ من الماء، مِمَّا يؤدّي إلى تحرير أيون OH-، أي حُدُوثِ تفاعلٍ قاعديّ.
في حالة موادّ التّبييض/تحت كلوريد الصوديوم يكون التّفاعل كما يلي:
 

NaClO + H2O -> HClO + NaOH

كما نرى، فإنَّ إذابَتَهُ في الماء تحرّر الصُّودا الكاوية،NaOH ، لكن عند إجراء حسابات معامل التّوازن في التّفاعل الكيميائيّ، ينتجُ أنّ قيمة الـ pH لمحلول تحت كلوريد الصُّوديوم هو 10.6 وليس 12.5 (أكثر قاعديّة بمِائَةِ ضعف)؛ كما قِيسَت قيمته في مادّة التّبييض. وهنا يأتي السّبب الثّاني: (ب) يُضيفُ مُنتجُو موادِّ التّبييض إلى المحلول، وبشكلٍ متعمّد، %1 من الصّودا الكاوية. ومن هنا يظهرَ مصدَرُ قاعديّتها. تحافظُ الصّودا الكاوية على ثبات مادّة التّبييض، وتمنعها من التّحلل وإطلاق غاز الكلور، وهو حدوث التّفاعل الكيميائيّ العكسيّ لإنتاج مادّة التّبييض (طبعًا ليس بالكامل، لأنّ لمادّةِ التّبييض رائحةً مميّزةً دائمًا هي رائحة الكلور Cl2).
 

Cl2 + 2 NaOH <---> NaCl + NaClO+ H2O

البيئة القاعديّة هذه الموجودة في مادّة التّبييض تحفّز تفاعلاتٍ من نوع هيدروليزا (تحلّل مائيّ).
الموادّ الّتي بإمكانها أن تمرّ في عمليّة هيدروليزا هي الدّهنيّات، الّتي تتحَلَّلُ إلى جليسيرين وأحماض دهنيّة (هكذا يتكوّن الصّابون)، والزّلاليّات الّتي تمرّ في عمليّة الهيدروليزا تتحلّل إلى الأحماضِ الأمينيّةِ الّتي تركّبها، وعديدُ السّكر يتحلّل إلى السُّكّريّات الأُحاديّة الّتي تركّبه. الآن، بعد كلّ الشَّرح أعلاه، بإمكاننا فهمُ سببِ الملمسِ الدّهني: طبقةُ الجلد الخارجيّة (طبقة الإبيديرمس الخارجيّة)، تُبنى من خلايا ميّتة
 


طبقات الجلد، الطّبقة 1 هي طبقة الخلايا الميّتة (نقلاً عن ويكيبيديا)

تتَركَّبُ الخلايا الميّتة، بشكلٍ أساسيٍّ، من الزّلاليّات، والدّهنيّات، والسُّكّريّات... عندما تلامِسُ موادّ التّبييض، يبدأ تفاعل هيدروليزا على كلّ مساحة اليد. هذا يعني، أنّ الملمس الدّهنيَ الّذي نشعر به ما هو إلّا طبقةُ الجلد الخارجيّة الّتي بدأت بالتّحلُّل والإذابة! لحُسنِ الحظِّ، الجِلدُ الّذي يغطّي كفّ اليد سميكٌ بما فيه الكفاية، ومادّة التّبييض لا تستطيع إذابة كلّ الخلايا، والوصول إلى الخلايا الحيّة (عندئذ ينتُجُ حرقٌ كيميائيّ مؤلم). اِضغطوا هنا لصورة حرق كيميائيّ نتج من مادّة تبييض دَخَلَت في الفراغ ما بين الإصبع والخاتم. (ثقوا بي، فقَد جنّبتُ جمهورَ القُرَّاء صورَ الحروق الصّعبة من موادِّ التّبييض وقواعدَ أُخرى) كلّي أملٌ بأنّي كنتُ مقنعًا بالحاجة للعمل مع كفوف، ومن المفضّل أيضًا العملُ معَ نظّاراتٍ واقية، عند التّعامل مع موادِّ التّبييض.

0 تعليقات